الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرق الظلمة بألوان الفرح والحب

علي شبيب ورد

2005 / 5 / 29
الادب والفن


محاولة في تأويل جدارية (( مدينتي )) السومرية .
لم يرددوا مرثية الشاعر السومري الأول دنجي أدامو : أواه يا مدينتي ... عندما كانت مدينته تتلظّى بنيران الغلّ والذل ، وتتلوّى تحت سياط الحراب والخراب والظلمة . بل أبعدوا ( أوّاه ) الشاعر وأهملوا ياء النداء والعويل والنواح . وتركوا اللون يقول نيابة عنهم (( مدينتي )) وأيّ لون ؟ البياض الذي يشير ويتّهم . الضوء الذي يحضن ألوان رؤاهم لتتفجّر على عيون الظلمة وأفواه الغياب وأنياب الإفتراس وأقنعة الزيف . الفتية المارّون على أكفّ الكارثة ، مزّقوا يافطات التزلّف في مسالك العتمة ، بهالات قراءاتهم القزحية للآتي . وسحلوا بحبال هممهم أحجار التعثّر والخيبة . ودحضوا برخام ألفتهم تضاريس المنع ووعورات الخرافة . فتيان اللون وأسياد الحركة وملاّحوا أفاق الضوء ، خرقوا عباب رياح الطنين بسمفونيات الهدير . وبعثروا سحب النوايا بفرش الغبطة . ومرّغوا أنف المنفعة برماد احتراقاتهم . وفضحوا خواء التّعكّز على رعونة المتاريس بأنامل التفاني . ودحرجوا موداتهم العارمة أمام ضغائن القابعين تحت خيم الوصايا اليابسات . وعلى عجل رازوا إكاليل بوحهم البهي دحضا للنميمة . وعلى ألق حرّضوا بؤر الأمل في أنفاق تهذي باليأس . وعلى مرمى من نظرات الطارئين وذوي العقول الخدّج ، رسموا خرائط الفرح على خدود المدينة . حقا لملموا حزن مدينتهم ورموه قذى في عيون من أبكوها باسم الحشمة وأفانين العتمة . ومن خدشوا حقول وداعتها بمخالب الرعونة في بيد وميادين الإحتراب المرّ بحثا عن النفوذ . الفكرة أومأ بها السومري المغترب ( حيدر العامري ) وكانّه خاطبهم - دعونا نشاكس – كما يفعل بطل الفلم في إحدى قرى مكسيكو ستي ، إذ يدافع عن حقه الطبيعي في حياة آمنة لا تخضع لهيمنة العوائل الإقطاعية الكبيرة . رحّب الآخرون . أجل مللنا النعيق . لنغني . لنلتقي . قتلتنا العزلة . لنطرد الغربان بنوارس الكتل والألوان . بحثوا عن جدار خال من رموز الرعب. وعار عن خربشات الشعوذة . الجدران مليئة برموز كتبت بدموع التماسيح . وعلى التلال تقبع واجمة طواطم العبودية . وأخيرا تسلّقوا جدارا في المعهد الفني ، وأردوه جميلا . وبلهفة الجنوبيين للشمال خلال الصيف ، مسحوا عنه غبار الخرس وسخام الحرائق .
( حسون الشنون ) هلّل لهذه الفرصة ، لرغبته الجادة في الضحك على ذقن البكاء . ولطوله الأسيل وأنفه الطويل ، كان أسرعهم وصولا للجدار ، فبادر لتخطيط الجدارية . ربما اختلفوا وربما تذمروا وتغامزوا وتنابزوا وتمازحوا . غير أنهم تمازجوا للتّآمر من أجل الإطاحة بالكسل . ومغادرة التهيّب من أنياب الظلمة . تصوّروا أنّ ( حسين الشنون ) خرج من صومعته في مرسم الزقورة ليقاوم حرّ القيظ ، ويبارز ذبابة خبيثة ، ربما أرسلها إليه جدار أعور . وعلى أنغام قهقهات نكات ( الأب حربي ) تنفرج مرحا أسنان فرشاة نزقة لـ ( فلاح عاشور ) رادعة أقاويل حاولت ، غير أنها لم تتمكن من إحباط محاولتهم هذه . وأجدهم نجحوا كثيرا في التخلّص من حوارات ( كريم عبد جابر ) الباحثة عن أب اللقيط حتى لو كان في بلاد الواق واق . وما غابت عن بال ( علي حسون ) الشنوني الصغير ، فرصة الإفادة من تجربتي عمه وأبيه ، للمساهمة في هذا العرس اللوني الخارق لدكتاتورية الحزن التي يفرضها علينا أتباع ( بني مأتم ) . وقبل أن يمسحوا عن وجوههم عرق اللهاث ، انفرجت كل أسارير جدارهم الفذ عن فردوس فرح تشاكس وجوم جدران الولاء للقرف والبؤس . وحمامات الدم ، وقمامات الهم . كتل لونية دلقتها ست مخيّلات حالمة بالضوء . نكاية بانقطاع التيار الكهربائي عن عقول البعض . الكتلة الأولى هي المرأة السومرية ، رمز الخصب والجمال ، والتي تشكلت هيئتها من أشكال الحروف المسمارية . والمرأة المتضرّعة لزرقة تكسّرت أسفا واعتذارا عن الإستجابة لنا عقما . والمرأة الرّادعة للعطش الأزلي في مجتمع مائي تربعت على عرشه سلالة فيلة تعبث بماء المعية ، وفق شريعة كتبت بخراطيم الرعب باسم الرّب . ورقصة الرجال الثلاثة المرتبكة لوجود الرجل المعاق رمز حشود المعاقين الذين تطردهم دوما حروب الساسة باسم القداسة . ثم كتلة العناق الإنساني بين نصفي الخصب والحب المرأة والرجل . بعدها كتلة احتضان وردة الشمال الكردستاني لنخلة الجنوب . لتنتهي بكتلة مفتوحة على التكامل الكوني ، وهي المرأة التي ترفع ابنها عاليا نحو شمس معتمة . الجدارية هي نص مفتوح على فضاءات ذات ابعاد إنسانية خالصة ، نص يرتقي بالمحلية إلى آفاق كونية أرحب ، بعيدا عن دهاليز الولاءات والإنتماءات التي تستبطن حتما الغلّ والحنق والتحيّن والإنقضاض . نص منمنم برموز فلوكلورية تدفّقت مفرداتها من سفر أسيل لبلاد ما بين النهرين ، بدءا بزقورة أور التي احتلّت أعلى وسط الجدارية ، لتكون مركز إشراق لما بعدها من قداسات ، ( زقورة أور ) هي المعبد والمرقد والمقود لما مضى وما سيأتي من حضارات بشرية . وهي فخر للعراق والعالم لأنها رمز مدينة مثّلت طفولة أحلام السلالات البشرية منذ آدم والى الغد . ورب من يقول :
ما الغريب في عمل جدارية ؟ سيما والعراق بلد معرفته الاولى نقشت على ألواح الطين . وحفر الأنسان الأول مسلاته الأولى على أحجار شتى ، وقد أثارت دهشتنا ودهشة العالم ما فعلته أدواته البسيطة في النقش والحفر على الطين والحجر . ونحن لا نختلف مع القائل هذا . غير أنّنا نقول . أن ما فعله الفنانون الستة الآن ، وفي هذا الجو الملطّخ بالغيوم المرسلة من وراء الحدود . ولكثرة المصدّات والموانع العازفة عن الحركة والبركة . ولشدة التصحّر في العقول والحقول . ولإحتلال الفضاءات الممكنة للإبداع من قبل الطارئين على بياض القلوب ، ومردّدي مدوّنات الذّبول والغروب . لكل ما تقدم ، يعتبر منجز هؤلاء مهما ، وجديرا بالإشادة والإعتزاز . ولحاجة المدينة لمثل هذه البانورامات البهيجة التي تخرق مهيمنات الأسى . وتفّك قيود القمع عن المدى . جاءت هذه الغامرة الجريئة ، التي تثلج صدور عشاق الماء ، وتجمّر قلوب عبيد التصحّر وهواة النواح . ولعلّها تشكل جذوة إضاءة للآخرين للتخلّص من أغلال السكون ، والحركة نحو الأمل بعزوم لا تعرف االكسل والركون . وبعد هي رسالة إبداع ملونة بأشرعة الحب صوب الإشراق لكل بحار الدنيا ، من ( الناصرية ) شذرة الجنوب الغافية ألما على ذراع فرات القلوب . رسالة في الفرح والمعرفة والحب ، من أورها المقدسة التي كانت قبلة إشراق لكل الكون .
ترى من يلبسها حلة الفرح من جديد ؟!!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟