الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لاتكون -المفوضية- هى وصفتنا غير السحرية - د. مصطفى حجازى: إجتهادات وملاحظات

محمد السعدنى

2013 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لاشك أن دكتور مصطفى حجازى واحد من الكفاءات الرفيعة التى نجحت الإدارة المصرية فى استقطابها، وأنا من المقدرين لعلمه واجتهاده، لذا أضع أمامه عدداً من الملاحظات المنهجية على ماصرح به لبعض القنوات الفضائية، من أن مصر تعانى تصحراً فى الكفاءات وندرة فى القيادات يتعذر معها مخاطبة المستقبل دون أن تنشئ الدولة كيانات جديدة لتأهيل هذه الكفاءات على غرار Ecole superior فى فرنسا، حتى لاتتحول عملية تمكين الشباب "المؤهلين" إلى تسكين الشباب "الغير مؤهلين"، واقترح سيادته لذلك "مفوضية للشباب"، وقد توسع فى هذا الاجتهاد ليصل بنا إلى مفوضية للإغاثة، ومفوضية للعدالة الإنتقالية، وأخرى للعمل، ومثلها لحقوق الإنسان، وهكذا تحولت فكرة المفوضية إلى وصفة سحرية تحمل الحلول لكل مشكلاتنا الحالة والطارئة والآنية!.
وقد يكون هذا صحيحاً طبقاً لمحددات اللحظة ومعطياتها واجتهاداً قصير الأمد للخروج من الأزمة وسياقاتها، لكنه ليس بالضرورة رؤية استراتيجية على المدى البعيد نولج من خلالها عنق الزجاجة الذى يأخذ بخناق مصر ويحول دون تقدمها. إذ هدف أى نظام رشيد وأى حكم ينشد العدالة والتقدم هو أن يتحول بمجتمعه من حال الندرة والعوز "مجتمع الكفاف" إلى "مجتمع الكفاية" ثم "مجتمع الوفرة" والرفاه والتقدم، الأمر الذى ينبغى معه أن يعمل سياسات شاملة لاستنهاض قوى المجتمع، تعتمد على منظومة التعليم "العاقل" لا "الناقل"، وتخرج بنا من إسار سياسات "تعليم الإيداع" إلى "تعليم الإبداع"، بمعنى أن يبدأ رهاننا للمستقبل من إعادة النظر فى فلسفة التعليم ومنظومته وآلياته، بدءاً من دور المدرسة فى التأسيس لتربية المهارات وخلق المبادرات وتبنى الإبداعات، وصولاً إلى الجامعة التى تغيرت مفاهيمها فى العالم كله، وبالتالى وظيفيتها لتعمل فى إطار منظومة مجتمع المعرفة الذى يسعى لالتدوير المعرفة واجترارها وإنما إلى إنتاج وإدارة المعرفة فى إطار سياسات نشطة للإقتصاد المبنى على المعرفة والذى يحتاج إلى بنى جديدة توازن مابين الأطر والأهداف والوظائف، بمعنى Structure vs. -function- أو Frame vs. Objectives ما أقتضى الجامعات العالمية إلى استحداث كيانات جديدة تقوم على الفكر والتجريب والإختراع وحضانة الأفكار والإبتكار وتوليد المعرفة، فأنشأت وديان العلوم Science Parks ومراكز التميز العلمى Center of Excellence والحاضنات التكنولوجية Incubators وتجمعات صناعة المعرفة وحاضنات ريادة الأعمال Entrepreneurship ، وتطبيقات البحوث العلمية والنمذجة الصناعية، وقابلها على الجانب الآخر تعليم تكنولوجى ينحى إلى التطبيق والعملية لخلق كوادر مؤهلة قادرة على المنافسة وتحسين ظروف سوق العمل وتطويع آلياته لاستيعاب عمالة مدربة وكوادر فنية مؤهلة. وكلها نظم قياسية مستقرة ومعمول بها فى كثير من الدول التى كان رهانها للتقدم والنهوض تأسيساً على التعليم والبحث العلمى.
نحن لانحتاج كياناً جديداً "مفوضية لكل شئ" لإكتشاف الكفاءات نتعامل معه باعتباره حاضنة للشخوص قبل الأفكار، وربما بضربة حظ أو حتى بتخطيط عامد ومسبق لفرز بعض الكفاءات التى تؤهل للقيادة والإدارة بينما تظل قوة العمل الأساسية عالة على هذه الإدارة وتلك الكفاءة وربما أعاقت مناط عملها ودوائر حركتها.
وأتفق مع دكتور مصطفى حجازى أن هناك ندرة للكفاءات على مستوى إدارة الدولة لابسبب تصحر الكفاءات وإنما بسبب تجريف المسارات التى من خلالها تبرز هذه الكفاءات وتمكن من القيادة والإدارة، إذن التصحر ليس ظاهرة فى الكفاءات ولكنه فى فكر ومنظومة عمل القيادات. إذ بدت الإدارة المصرية ولقرابة أربعين عاماً مضت وكأنها فى صراع لاستبعاد المؤهلين والقادرين والكفاءات، وكانت عوامل الطرد فيها أكبر كثيراً من عوامل الجذب، ونادراً مابرزت قيادة مؤهلة فى أى موقع من مواقع العمل والمسئولية إلا وتعرضت لخصومة ومؤامرات المتنفذين من أنصاف المؤهلين، وكأن فلسفة الإدارة فى مصر لم تكن مستعدة لتمكين إلا "المديوكر" فى معظم القطاعات، لذا لم يكن غريباً أن تظل الدولة المصرية العريقة فى مدارات القعود والتخلف والركود، بينما دولاً أخرى لم يكن لديها رصيد من الثروة والموقع الجيواستراتيجى الذى تمتعت به بلادنا وقد سبقتنا على طريق التقدم والنهضة وحققت فى أعوام معدودة مالم يمكننا تحقيقة فى عقود متتالية. وخذ مثالاً الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا، ولك أن تتساءل كيف كنا وكانوا فى الخمسينيات والستينيات؟ وإلى أين وصلوا الآن وكيف تعثرنا؟! والإجابة معروفة وموثقة: لقد اعتمدوا منهج العلم وطرائقه وآلياته أسلوباً للنهضة، بينما نظرنا دائما تحت الأقدام، كانوا يحدثون ويطورون نظم التعليم وعلاقات الإنتاج فى مجتمعاتهم، بينما نعتمد الإرتجال والعشوائية فى إدارتنا ومناط أعمالنا.
إن مصرنا العظيمة فى عصورها القديمة صدرت للعالم فكرة الخلود والبعث والحساب والقانون وفجر الضمير، وأول ماصدرته فى عهودها المعاصرة والحديثة كان "رأس المال الفكرى" من قوى بشرية مؤهلة وكفاءات معدة ومدربة استفاد بها القادرون فى محيطنا الإقليمى وانتكسنا بثورة مضادة انقلبت على مشروعنا النهضوى فى إحياءه الثانى مع جمال عبدالناصر بعد أن أسس له محمد على فى بدايات القرن التاسع عشر، واعتمد على التعليم والتدريب وإنتاج وإدارة المعرفة. ولانهوض أو تحديث أو تطوير أو تقدم دون أن نعود للنظر فى رصيدنا البشرى وقواه الناعمة الفاعلة وتمكينه من الإدارة وقيادة التحول والتقدم. وحتى تزدهر هذه القوة الناعمة، فلابد من إعادة هيكلة نظامنا التعليمى وإعمال نظريات الإدارة العلمية ومدارسها الحديثة من جودة شاملة T.Q.M. وشروطها، وإعادة الهندسة Re-engineering وابتكاراتها ومنظومة القوة الناعمة Intellectual Capital وإبداعاتها.
هذا بعض ماتبادر إلى ذهنى وأنا أشاهد د. مصطفى حجازى، فآثرت أن أبادر اجتهاداته بقدر من التعليق والملاحظات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة