الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد السوريين الأكبر

بدر الدين شنن

2013 / 10 / 14
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


نعم سيحتفل السوريون بالعيد .. وسط الإحساس الموجع لفقد الأعزاء .. وتحت نيران الحرب وتوحش الإرهاب .. سيحتفلون ليس تباركاً بحضوره وحسب .. وإنما للتعبير عن حب الحياة .. وحب الحرية .. وحب الوطن .. وللتأكيد على أنهم يتطلعون بثقة للاحتفال غداً بعيدهم الأكبر .. عيد السلام .. والتآخي .. والبناء .

وكما اعتادوا في أعياد ما قبل الحرب واستباحة الأرض والدم ، سيقوم البالغون وكبار السن والمقام ، حيث تبسط الدولة وجودها ، وحيث تسيطر المجموعات المسلحة ، بمحاولة تجسيد المعاني الفاضلة للعيد ، ووصل ذوي القربى ، وتوفير قدر ما يستطاع من الطعام اللائق بالعيد لأهل البيت والمقربين ، و شراء ما هو مثير لشيء من الفرح والبهجة من اللباس للأبناء والأحفاد ، وذلك على قد الحال ، وبما تسمح به النقود المتواضعة في جيوبهم .
أما الصغار واليافعين ، فهم سيبحثون عن الحلوى ، وعن نفحات نقدية ، ليشتروا بها مما ليس متوفراً في البيت ، ولحجز مكان على مقاعد ألعاب تعلو وتهبط .. أو تدور بهم .. ناشرة الشعور في دواخلهم الغضة ، بأنهم يحلقون في عالم آخر ، فيه شيء من الفرح لم يعتادوه في أيام ما قبل العيد .

وفي مثل هذا العيد يكبر الوعي ، ’يكتشف أن العيد هو هوية ، هو فسحة مباحة للقطع مع الواقع ، للوصل بما انقطع من قربى وصداقة ومودة ،، وتجديد الصلة بالجذور .. وانتزاع وعد من الذات ، التي تطحنها صعوبات الحياة ومخاطر الحرب .. على ترميم وإحياء الحلم .. بوطن موحد آمن سعيد .
و’يكتشف أن العيد العيد المسمى بالأضحى ، ليس مرتبطاً بالرمز .. بفداء اسماعيل من الذبح بسكين أبيه .. أو بأحد طقوس الحج وحسب ، وإنما هو مايمكن أن نطلق عليه معنى سامياً ، لوقف ما يضر ويؤذي الناس ، الذي ورثنا قيمه من أجيال في عهود موغلة في القدم ، لما كان الناس ، يفتدون ضحايا الشر ، الذي تأتي به آلهة مجهولة غير مرئية ، بالأضحية البشرية ثم صارت حيوانية ، أو للتوسل لآلهة الخير حتى تبسط سطوتها لحمايتهم .. ولانتصار الخير .. وللانتصار على أحقاد الشر وأحقاده وأدواته ، المعبرة بالحرب والقتل عن استمرار حالات التوحش ، والأكثر إيلاماً وتدميراً لمقومات الحياة .

وعلى الرغم أن أعياداً كثيرة قد مرت عبر القرون الماضية ، إلاّ أن أعياد مجتمعاتنا الراهنة ، هي الأكثر بؤساً .. والأكثر سوءاً . فجميع البلدان العربية والاسلامية ، ما عدا البترولية منها ، تعاني من لعنة الفقر والتخلف الاجتماعي والحضاري . بل إن بعضها يكابد المجاعات المخزية ، مثل الصومال وبنغلادش والسودان .. وقسم من هذه البلدان ذات الموقع الجغرافي السياسي المتميز أو لديها مخزون كبير من الثروات الطبيعية ، تجري فيها بتدخل خارجي وقح الصراعات الداخلية المسلحة ، أو تكابد من الاعتداءات الخارجية المباشرة تحت عناوين مزيفة كاذبة ، مثل أفغانستان وباكستان والصومال والعراق وسوريا ولبنان ومصر . وجميع البلدان العربية والاسلامية ، إما أنها خاضعة مباشرة للهيمنة الأمريكية ـ الغربية ، أو يجري ابتزازها بالقوة وبالعقوبات الاقتصادية لإخضاعها .

وإذا كان من الممكن عند قراءة المشهد الراهن ، في البلدان المشتعلة فيها الحروب الداخلية القذرة ، أو المعرضة للاعتداءات الخارجية المتوحشة ، القول أنها ، مثلاً ، في السودان أو لبنان أو الصومال أو باكستان ، هادئة نسبياً .. أي أقل تدميراً وقتلاً من وقت سابق ، فإن الوضع في سوريا هو الأكثر اشتعالاً .. والأكثر دموية . ومع قدوم عيد الأضحى يتكشف حجم المأساة والكارثة في سوريا . فعيد الأضحى اليوم ، لايمكن اعتباره في عداد الأعياد المستفزة للحزن ، التي مرت بالشعب السوري خلال الأزمة العنفية المسلحة منذ عامين ونصف العام ، وإنما هو أكثر استفزازاً لإثارة الحزن والاحساس بالكارثة . إذ لايمكن أن تغيب المقارنة بين الأعياد ما قبل الأزمة وما بعد نشوبها . ولا تستطيع ملكة النسيان ابتلاع أرقام عدد الضحايا وأرقام الخسائر المادية المذهلة المفجعة . والغصة الأليمة صباح العيد توقف اللقمة في الحلق عند ملاحظة غياب الأعزة حول المائدة .. إما خطفاً .. أو قتلاً .. أو تهجيرا .
وكيف يكون للعيد حضور في مخيم عديم الأفق والمصير والكرامة خارج حدود الوطن .. أو في مأوى في مدينة أخرى ، ليس لاعتباره مؤقتاً أجل مسمى ، أو في قفار التغريب الذليل .. حيث تضيع الهوية وينعدم الوزن والاعتبار .
أكثر ما يشوه حضور العيد ، هو إصرار المتقاتيلين الهيستيري على مواصلة الحرب ، وعلى لعبة موازين القوى الدولية والميدانية ، وإصرار من ينصبون أنفسهم متحدثين باسم الشعب ، على عدم الحوار السياسي لوقف الحرب ، وعلى وضع النسب التمثيلية الفئوية ، والشروط العبثية لصالح الأوامر الإقليمية والدولية ، والزمان ، والمكان ، وضمان زيادة أعداد القتلى من الطرف الآخر ، قبل الدخول في أي حوار لوقف تدحرج كرة الدم .

لقد كبر جرماً عند الشعب ، أن ’يعلن الجهاد باسمه ل’يقتل أبناؤه ، وأن ’يعلن حفظ السيادة ، ليخضع مصير الوطن لقرارات عمالقة العالم ، وأن ’يعلن تحرير الوطن من الدولة باسم الديمقراطية ، ليصبح الوطن مستباحاً للمطامع الإقليمية والدولية وللكيانات الإسلاموية المعادية للوطن وللديمقراطية ، وأن ’يعلن عيد الأضحى ( الكبير ) والرشاشات تزغرد احتفالاً بانتزاع أرواح الشباب والشيوخ والأطفال ، والقنابل تقتل عابري السبيل في شوارع المدن وقرب المشافي والمدارس ، وأن تتجه صفوف المصلين صباح العيد نحو معبودها ، عبر القبلة الحجرية ، لترفع ذكر الله وآياته مع انفجارات ، القنابل ، والمفخخات ، والصواريخ في المواقع البشرية .

إن السوريين وهم يحتفلون بالعيد .. تحدياً لمن يريدون لهم الحزن والخراب .. فإن عيونهم ترنو إلى أفق العيد الأكبر في حياتهم الحاضرة وفي المستقبل ، العيد الذي يؤكد حقهم في الوجود والأمان والحرية وتقرير المصير ، قبل حق تجار السياسة المغامرين بالسلطة وتداول السلطة .. العيد الذي ينتشر فيه السلام والأخوة والفرح .

ليس بالعيد وحده يأتي الفرح .. بل بالتآخي والتراحم في وطن آمن عزيز موحد ..

أكثر الأعياد خلوداً في ذاكرة الناس والتاريخ .. هي التي يتمسك المؤمنون بها بقيمها النبيلة رغم الشائد والمحن .. للتعبير عن الذات المتألمة المتمردة ..

كل عام ونحن السوريين محكومون بحب الوطن .. وملتزمون بالخير .. الذي يعني الآن انتصار الوطن .. على أزمته بكافة عواملها القديمة والجديدة .. وعلى التدخل الخارجي بكل أشكاله .. وعلى الإرهاب المحلي والدولي .. وعلى مخلفات الحرب وثارات تبادل القتل والعنف .. وعلى التخلف والانقسامات العامودية .. وعلى كل معوقات أن نكون وطناً ديمقراطياً قوياً موحاً مزدهرا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس