الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقية ... ومعاييرها في المجتمع

ياسين الياسين

2013 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


قبل أكثر من شهر طالعنا أوبالأحرى في الأقل من الشهرين أطل علينا السيد نوري المالكي رئيس الوزراء من على شاشات الفضائيات وهو يحضر حفلاً لتوزيع سندات تمليك قطع أراض سكنية بمساحة تبلغ (150) متراً مربعاً ، وهي مخصصة للفقراء وأكررها للفقراء وللفقراء فقط ، وفي حديث تلفزيوني له سبق ذلك الحدث صرّح قائلاً : وسنمنح كل صاحب قطعة أرض من أولائك الفقراء مبلغاً قدره (5) ملايين دينار عراقي ليتدبّر أمره .
إن الشيء المثير في الموضوع إن قراراً حكومياً بهذا الشكل يثير الريبة في النفوس كونه إستكانة حكومية كاملة وإقرار كامل بتكريس الطبقية في المجتمع العراقي بدلاً من محاربتها وتقريب المستويات بين أبناء المجتمع ومحاولة ردم الهوة والفارق الطبقي الذي لابد أن تعمل عليه الحكومة وكل الجهات منها الحكومية الرسمية وشبه الرسمية فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني تلك المؤسسات التي تحضر في المحافل بكل عناوينها الصدّاحة والغائبة تماماً في ذات الوقت عن كل فعل شعبي جماهيري مباشر وعلى مساس بحياة الناس ، وكأنها ذلك الــ ( طنطل ) الذي يتندر به بسطاء الناس ولم يرونه البتة ، ومايهمنا في هذا الأمر أن جهد السيد رئيس الوزراء في هذا الميدان جهداً غير عادي وهو مشكور عليه حيث يجعل شريحة معدمة في جل إهتماماته ونصب عينيه ، وهو لابد عملاً إنسانياً نبيلاً ويصب في خانة إنصاف شرائح من الشعب معدمة ومعوزّة ، ولكن الذي نطمح إليه وفق معطيات إمكانات العراق المادية المهولة والتي تذهب كل يوم هدراً في جيوب السراق والحرامية من الذين إئتمنهم الشعب على أمواله وموارده أن يكون داعي الأنصاف أكبر ومشروعة بمحجة لايستطيع أحد أولائك الحيتان من مصاصي دم الشعب العراقي الأعتراض وبمجرد الأعتراض عليها ، وما نورده في موضوعتنا أن السؤال هو : لماذا الــ (150م) ولماذا العنونة (الفقراء) ، وكل هذه فيها من التداعيات ماهو أمرّ وأخطر في قابل الأيام والسنين ، والأمر الثاني هو في تقليل الشأن لذات نفوس أولائك من أسميتموهم بالفقراء من خلال الــ ( 5 ) ملايين دينار فقط ولاغير ليتدبّر أمره ، ونحن جميعاً نعلم ونعرف وأنتم تعرفون جيداً أن الفقراء هم وحدهم فقط وليس غيرهم من وصفوا بأنهم أحباب الله ، فلماذا إذاً لانبسط أيادينا الممتلئة بالخير لهم في الوقت الذي نبسطها لسراق الشعب واللصوص ونعطيهم مالايستحقون من السلف والمنح وقروض الأسكان وقروض العقاري والتي تبلغ عشرات الملايين ، ونحسرها في نفس الوقت عن أحباب الله ونحبسها عنهم وكأننا لانجيد في أحسن الأحوال إلا التصدّق عليهم بــ ( 5 ) ملايين دينار عراقي فقط ولاغير ليتدبّر أمره بها .
أن ماحصل من أمر السيد رئيس الوزراء لهو بحق إلتفاتة وإلتفاتة كريمة من لدنه لانستطيع نكرانها ، ولكن الذي نطمح إليه في أن تكون تلك القرارات مدروسة بشكل أكبر لنجتني منها ثماراً في قابل الأيام وسيكون حصادها وجنيها خيراً على العراقيين جميعاً ولاتكرّس الطبقية والتعامل بمعايير مختلفة بين أبناء الشعب الواحد والمصير الواحد ، فلا هذه أحياء الفقراء ولاهي تلك منازل الأثرياء ، ولاحتى ستبقى في قابل الأيام وصمة هبوط أسعار منازل الفقراء سمة ثابتة مقارنة بأرتفاع فاحش في الأحياء هناك
لأنها منازل الأغنياء ، فضلاً عن الفارق والتباعد النفسي بين أبناء الشعب الواحد حينما يعرف التلميذ والطالب أن زميله من الفقراء ومن الطبقات الدنيا في المجتمع لمجرد أنه يسكن وأهله في واحدة من تلك أحياء الفقراء ، أولمجرد أنها من أحياء الــ (150م ) بينما باقي الأحياء بمساحات للمنزل الواحد تبلغ (300م) وأكثر ، ومن ثم فأن لاأثر ولاتأثير عندما توزع قطع أراضي سكنية بمساحات كبيرة ولو على أطراف المدن لتوفّر السكن الصحي واللائق للمواطن هذا إذا ماعرفنا أن مساحة العراق تبلغ (452035) ألف كيلومتر مربع ومجموع نفوسه (25) مليون نسمة فقط ولاغير وأما الرقم الذي وضعه وقدّره مجلس النواب فقد قدّروه جزافاً بــ (35) مليون لأغراض خاصة ولأجل إضافة مائة نائب زيادة في المجلس لأحزابهم وجهاتهم ، والسؤال الآخر هو في كيفية تدبّر الأمر بــ ( 5 ) ملايين دينارعراقي لبناء مايأويه وعائلته من مسقفات لتحميه من حر الصيف وتنفعه وأهله من برد الشتاء ، ومن ثم سيكون ذلك البناء حتى فيما لو أنه حصل لابد عشوائياً ، وخال من مستلزمات السكن الصحي المناسب ، وخطر في بالي وأنا أكتب هذه السطور مثلاً شعبياً عراقياً قديماً يقول وهو لرجل فقير معدم يخاطب زوجته حينما لم يتمكن من إحضار ماتحتاج إليه عائلته من السوق من مواد إلاّ قرصاً واحداً من الخبز وباقة واحدة من الفجل ، وعندما نظرت بوجهه وكأنها تقول له لمن هذه ومن سيشبع بها من أولادنا بادرها هو على الفور قائلاً : ( باكة لاتحلّين ، وخبزة لاتثلمين ، وأكلي لمّن تشبعين ) . ووجدت أن هذا فقط هو ماينطبق على حال هذا الفقير المسكين العراقي حين نمنحه (5) ملايين دينار عراقي ونقول له إبني بيتك على أرض تطفو على بحار من النفط تضخّ يومياً بأنابيب مجيّرة للأغنياء واللصوص من ساسة الشعب والأمة ومن الذين تلاعبوا بمقدرات هذا الشعب .
أن مايحصل في محيطنا العربي وعلى أقل تقدير كاف بأن يكون لنا مثلاً وقدوة نحتذي بها كتجارب ناجحة وناجعة في معالجة الفقر وأسبابه دون الذهاب بعيداً إلى أوربا وأميركا وتجاربهم في هذا الميدان ، فدول الخليج العربي هي بنفس مدخولات العراق المادية وربما وهذه هي الحقائق أن مدخولاتنا المالية من مواردنا النفطية أكبر بكثير من تلك البلدان الخليجية ، ولكننا مع هذا نجد أن الفارق كبير وكبير جداً في مسارات التنمية والمشاريع الأنمائية والبنى التحتية ، وما أود الأشارة إليه أن في دولة الأمارات العربية المتحدة مشاريع خمسية في بناء مجمّعات ذات وحدات سكنيّة من النوع الممتاز وبمواصفات عالية جداً توزع مباشرة بعد إنجازها على العوائل من أصحاب الدخل المحدود ، ولو نلاحظ حتى أن عبارة ( أصحاب الدخل المحدود ) هي أكثر لياقة وكياسة من مصطلح ( الفقراء ) ، ولو أننا لجأنا إلى الجد بمشاريع بناء وحدات سكنية تتوفر فيها كل مستلزمات السكن الصحي لكان لنا أجدى وأنفع وساهمنا في تقليل الفوارق الطبقية لأبناء الشعب الواحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معدن اليورانيوم يتفوق على الجميع


.. حل مجلس الحرب.. لماذا قرر نتنياهو فض التوافق وما التداعيات؟




.. انحسار التصعيد نسبيّاً على الجبهة اللبنانية.. في انتظار هوكش


.. مع استمرار مناسك الحج.. أين تذهب الجمرات التي يرميها الحجاج؟




.. قراءة عسكرية.. ما مدى تأثير حل مجلس الحرب الإسرائيلي على الم