الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخلاقية العبثية لقانون الطوارئ

محمد الحاج ابراهيم

2005 / 5 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لابد من تعريف قانون الطوارئ رغم التعريفات المستمرة في كل مناسبة لأن له شكلان:
الأول:قانون الطوارئ الطبيعي المرتبط بحالة استثنائية عارضة يتم إعلانه خدمة للمجتمع ويُحدّدُ بالزمان والمكان من ثم يزول بزوال الأسباب الموجبة لذلك .
الثاني:قانون الطوارئ الأمني، الذي يفترض الحالة الاستثنائية قسراً، ويبدأ بمنع التجول للمواطنين في بلادهم بعد قراءة البلاغ رقم واحد، فيُصادر المجتمع ويختزله عبر سياسة ترويعية يمارسها النظام التسلطي، فينتعش الموالي ويُقمع المُعارض، وهو غير محدد بزمان أو مكان، بل ربما يدخل البيوت ويسحق العوالم الداخلية للبشر، فيشوّه الإنسان بما يحمل من ثقافة تراكمية ويزرع بدلا منها ثقافة رجال الثورة الذين ما أن يستلموا زمام الأمور حتى يبدأ الخرق بكل مستوياته على أساس المحسوبيات والولاءات،هكذا عرفناه وتعايشنا معه لعشرات السنين.
تميزت البلدان التي حكمتها أحزاب شمولية في المنطقة المحيطة بإسرائيل بإعلان حالة الطوارئ بأسباب الحرب معها، لكن هذا القانون تحول إلى تخوين المواطن المعارض سياسيا عبر تفعيل هذا القانون داخليا وليس تخوينا بتهمة العمالة للعدو لأنه لم يتمكن من ذلك بحكم وطنية المعارض ، وتم أيضا تثوير النظام الحاكم في مراحله الأولى إلى حين أدرك المجتمع بعد مرور أكثر من أربعين عاما على إعلانه حجم النهب لثروته من قبل نفس الثوار من المسؤولين خلال هذه الرحلة الحاكمة التي أظهرت هروب الناهبين من المسؤولين بما حملوا من أموال البلد إلى الخارج مُشكلين مؤسسات اقتصادية من حساب شعوبهم ليترفوا مع عيالهم ويحرموا المجتمع من هذا الحق .
امتازت المرحلة الطوارئية عن غيرها من المراحل أنها حصّنت المتسلط ضد النيل منه، رغم اختلاسه للمال العام واللعب بمقدرات الشعب من حيث التعيين والتكليف ورسم الحدود الاجتماعية بألوانها الفاقعة، هذه الميزات منحها هذا القانون باسم الدستور لهؤلاء، وعاقب الشرفاء عندما أدلوا برأيهم حول مسائل تتعلق بالوطن وثروته وحقوق المواطنين فيه،فعزز هذا القانون شرخا بين الحاكم الذي هو مؤسسة حزبية أمنية ، وبين المحكوم الذي هو المواطن بكل شرائحه وتنويعاته.هذا الشرخ أفرز شكلا من الحقوق جديدة بالنسبة لوجدانية مجتمعنا فأصبح الناهب يتحكم بمصير المنهوب ويُقيم الحد عليه ويجرده من حقوقه كاملة باسم القانون ويسميه الأسماء السيئة ومنها العمالة للأجنبي رغم العلاقة التداخلية بين الحاكم والأجنبي نتيجة للمصالح الدولية التي تُبقيه مفتوحا عليه، والمغلقة من قبل الحاكم مع المواطن نتيجة التحكم به وتغييبه عبر ثقافة الإلغاء التي لا يستطيع النظام التسلطي التخلص منها، وفقدانها بين المحكوم والأجنبي لأسباب عقائدية ووطنية،لذلك كانت صفة العمالة التي استخدمها الوزير عمران سابقا بنفس الآلية التو صيفية التي كانت تتم في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ومنها للتذكر فقط(( زئبقية،انبطاحية،رجعيه))التي ما أن يسمعها المرء حتى يقلب على قفاه ضحكا على هذا التوصيف السياسي الذي يمتلكه هؤلاء وكأنهم يقولون إن لم أستطع قول الحقيقة فالآخر مخطئ حكما.
الفارق بين قانون الطوارئ الطبيعي وقانون الطوارئ الأمني أن الأول يتوقف طبيعيا ولايُولّد أسسا للمستقبل ولايُفرّخ ويزول بمجرد زوال السبب بينما الثاني يُفرّخ المؤسسات الأمنية والمحاكم الاستثنائية ومشتقاتها من أحكام بحق المعارضين السياسيين والمُثقفين الوطنيين ويُصبح عبئا على المجتمع نتيجة ما يصنع من خوف ونخر له وكون كادر هذا القانون من بيئتنا المتخلفة فحتما سيخضع لقانون وتشريعات التخلف الذي يُصبح التعامل معه على أسس ما قبل وطنية طائفية وعشائرية و..و..الخ.
إنه القانون الذي يحكم على أساس الولاء وليس على أساس الحقوق ونتائج حكمه ظالمة دائما لأن المدعي فيه هو الحاكم الذي يأمر القاضي والشرطي والسجان وسرية التعذيب فيدخل المواطن في سردابه لحما وعظما ويخرج عظما فقط هذا لو خرج، إن لم يدخل ولم يعد.
رغم كل سلبيات قانون الطوارئ الاجتماعية والسياسية فهو باق لأنه يُمثل العمود الفقري للنظام الأمني التسلطي على رقاب الناس ودونه لا يستطيع العيش أو البقاء وواهم كل من يتصور أن نظاما أمنيا يلغي قانون طوارئه الذي يُشكّل سنده الوحيد.إنه السند التشريعي للأمن التسلطي في المجتمع المُستباح!!













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا