الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في أدب حنة مينة – البحر وجودا ً و الفردية في رحلة الكشف عن الذات

نضال الربضي

2013 / 10 / 16
الادب والفن


قراءة في أدب حنة مينة – البحر وجودا ً و الفردية في رحلة الكشف عن الذات

المدخل لفهم أدب حنة مينا هو الإمساك بطرف خيط ٍ من خيوط نسيج شخصياته، ثم تركها تبحر بك إلى عوالم رواياته، و حين تدخلها اترك طرف الخيط و افتح يديك و اسمح لرياحه أن تأخذك حيث تريد. طرف الخيط اليوم هو:زكريا المرسنلي.

زكريا المرسنلي، تلك الشخصية الفريدة في رواية حنا مينة "الياطر" تُلخص للقارئ مجمل شخصيات رواياته الأخرى، زكريا الصياد الغواص رجل البحر يعيش منفردا ً على الصخرة، يعتمد في حفظ تماسك بيته على زوجته "صالحة" التي لها من اسمها كل شئ، هي الصابرة على جنونه و أنانيته و حياته الضائعة ما بين نفسه المُتضخمة بالفخر و الخيلاء و بين الخمر التي يعب منها بلا حساب. يتحرك زكريا لوحده و يفكر لوحده و يعيش جنونه مع البحر الذي يعشقه و يعلم خباياه لوحده، و يبدو أن جنون مغامراته لا يعود عليه بتأثير قانوني و أو نتيجة مادية، فزكريا في الرواية رمز و الرموز خير لها أن تبقى حُرَّة و إلا بهت ألقها و خبا إشعاعها و لم تعد تضئ.

الحديث عن زكريا ينقلنا بفعل مغامراته معهم للحديث عن الأنثى في روايات حنا مينة حيث يبرع ُ أديب البحر في تقديم المعشوقة كشخصية ٍ تظهر أنها ثانوية ٌ في الحادث مع أنها حاضرة ٌ فيه بشكل دائم، شخصية سلبية مُتلقية للفعل الذكري الهائج، لكن هذا التحليل سُرعان ما يظهر خطأه الفظيع عند الكشف الصوفي الوجداني للأحداث، فسيد الحدث في روايات حنة مينة هو البحر، و الأنثى هي تجسيد البحر، و تستمد سحرها من سحره و قوتها من قوته، و هي المرجع الذي لا يستطيع الذكر الروائي أن يبتعد عنه كثيرا ً لأنه يستنفذ قواه، فيضطر للعودة إليه في كل مرة حتى يشحن القوة الإنسانية البدائية المُثيرة للفعل و الفاعلة و المُتفاعلة مع نتائج الفعل و الأفعال المختلفة في الرواية، و كما عبد الإنسان الأول القمر في قُرصه العابر للسماوات ثم عبده في الأنثى في عبادات الأم الكُبرى الشرق أوسطية، كذلك يعبد الذكر الروائي البحر في الإبحار و الصيد و يعبده في الأنثى الروائية الساحرة الغامضة.

شخصيات الأنثى عند حنة مينة انعكاس ٌ لحالات البحر، بين صالحة الهادئة، و لبيبة الشقرق الديناميكية الطبيعية المكافحة اللاهية الفاسدة الصالحة معا ً كالبحر الذي تتحرك أمواجه في كل اتجاه، و كاترين الحلوة الشبقة التي لا تكتفي من الرجال و الجنس في تصوير رمزي للبحر في ثورته و جنونه الشبقى الذي لا يشبع من السفن و الرجال حين تثور عواصفه و تبتلعهم، و لا شك أن هذا الرمز يتضح بكل ما فيه من سحر حين تدرك أن أزواج كاترين الحلوة هم رياس سفن و يبتلعهم البحر في النهاية بينما سعيد حزوم العاشق غير الشرعي يبقى هو الوحيد الواقف في النهاية لأن عشقه للبحر و لكاترينته الحلوة هو عشق وجود يتحد معه و مع كينونته فيصبح سعيد جزءا ً من البحر نفسه و البحر لا يبتلع نفسه.

في روايات حنة مينا يمتزج عشق البحر بعشق المرأة بعشق الخمر بقوة الرجل الفردية الداخلية، تلك القوة التي يستلهمها من البحر الثاثر، هذا البحر الذي يحبه الرجل و يعشقه و يسجد بين يدي أمواجه و يُبادله الحب و يمارسه معه في صورة الأنثى الروائية، فتبدو الأنثى آلهة الفعل عند حنا مينة و مُتلقيته السلبية في آن معا ً. هناك في روايات حنا مينة تبرز وحدة الوجود الكامنة في الألوهة الأنثوية الأولى حيث الذكر العنيد هو يد البحر، و تفاعله مع الأنثى هو إظهار وجوه البحر جميعها، إظهار إشرقات الوجود و انعكاساته، إظهار أشكال الحياة و نوازعها و بوعثها، إظهار ثنائية الألوهية ووحدتها في البحر الذي لا شكل لمياهه.

كلما قرأت لحنة مينة يعود بي الفكر إلى رمزية الإلوهية الأولى عند الإنسان، الألوهية المؤنثة في عشتار التي هي الوجود بكل ما فيه مما يفسر أنها تجمع في نفسها كل المتناقضات بلا تناقض، التي هي الفاعلة و المفعول بها، هي التي رآها كهنتها و عشاقها في المخطوطات الأولى الأصل و المصدر و فضاء الفعل و المَرجوع، فكان نشيدها على لسانها كما نقلته هذه المخطوطات هو:

"أنا الأول و أنا الآخر
أنا البغي و أنا القديسة
أنا الزوجة و أنا العذراء
أنا الأم و أنا الإبنة
أنا العاقر و كُثر هم أبنائي
أنا في عرس ٍ كبير و لم أتخذ زوجا ً
أنا القابلة و لم أنجب أحدا ً
و أنا سلوة أتعاب حملي
أنا العروس و أنا العريس
و زوجي من أنجبني
أنا أم أبي و أخت زوجي
و هو من نسلي"

الذات البشرية عند حنا مينة هي ذات وجودية فردية مُنبثقة من الوجود الجامع الشامل لكنها مُستقلة عنها في تجسدها البشري داخل الحدث، و مُتحدة معه على المستوى الوجداني الباعث على الحدث و على رد الفعل على الأحداث الأخرى، فحنا مينة عندما يتحدث في كل شخصياته إنما هو يتحدث عن البحر و البحر فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر تقرر توسيع تدريس اللغة الإنجليزية إلى الصف الخامس ال


.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر




.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى


.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا




.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح