الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسورها ليست لعبور النهر

نهاد بشير

2013 / 10 / 16
الادب والفن


الخريف يتسول في باب السنة الهجرية ،
تايكون ، حلته الذهبية تشي بأصله السوقي،
سبابته اليسرى لا تغادر منخره الايمن،
- انا في طريقي الى الخلود، قال،
- انا في حضرة الابدية ،
تثاءب، تمطى ، ذرع ابعاد الرحلة، دار حول نفسه قليلا،
وضع نعليه في جيبه الايمن،
ثم تسلق ببطء شديد شجرة الكمثرى الجرداء ،
كلما اجتازغصنا، كسره ،
ليس في نيته النزول ولا العودة ،
للحياة اتجاه واحد ، هو الموت.
.................................
.................................
.................................
كانا ،
شجرة وحيدة ،
واخرَ سطر من تنظيرات الزنج،
يقيمان منذ زمن سحيق في حديقة منزلي الخلفية
قال لي ، وهو يلف سيكارة في حجره المترب:
- عندما نوقن ان الانسان يتكرر ولا يتغير علينا بصحبة الانهار،
- فهي دائما تتجاوز نفسها ،
- لا غاية لها سوى ان توجد،
- اما انا:- اضاف – تكفيني شجرة واحدة تعاشرني،
- لا ارتاح للبساتين،
- لانها تفرض علي لياقة تفقدني التوازن.
- و تمزق اعصابي ثرثرة انساغها.
اشعل سيكارته ،
ائتزر باسماله النظيفة وانطلق يلاحق الدخان.
ناديته ، لم يلتفت ،
تعاقبت الفصول قيامات سريعة، قصيرة الاجل ،
الكل يذهل عن الكل،
ولنا في دجلة عَبرة وعِبرة وعُبور،
استهترتْ كثيرا بالنخيل،
سجلت كل ما تملك باسم مجراها ،
وفي آخر انعطافاتها المثيرة للجدل،
ترجل العشاق عن صهوة الحلم والفيزياءِ فجأة،
وقرفصت بغداد،
لم يمهلوا انشوطتها فرصة لمراجعة بنود السقطة
نشر الانتخاب الطبيعي ظلالا من القسوة على خدود السفرجل،
سادت اعراف من خلاصة البترودولار،
فتصالحت بغداد مع فصامها،
كي تتصدى لتناسخها،
غير مكترثة بكونٍ نتأ فجأة كدملة على خد الشرق المجدور.
ها هي يغداد بردائها الوردي المشرع للقمر الماجن ،
وقمريها النافرين ، المتناغمين مع مشاكسة الليل والندى،
اتخذت من زاوية بين حروف التاريخ مضطجعا،
واستلقت على ظهرها.
لم تكن متعبة او تشكو عارضا،
انما اختارت انسب الاوضاع لتزرير ضفتي قميصها الفاتنتين،
أما صدرها العامر برحيق الزعفران والصخب الهندو- آري،
فلم تفلح في ستره أزرار من العاج المحتشم،
لذا لجأت لمشابك خوص النخل،
فأتقنت الفتنة ،
واتقت الشبهة بافتعال الجسور.
...................................
..........................................
.........
تتسلل دجلة ثعبانا أزرق من تحت مشابك جيب الغانية الحسناء،
استعارت وشاح سماء الرصافتين ،
لتمضي ناعمة ملساء كحلم من ريش الملائك ،
من تحت قيودٍ من سعف النخل – النخل،
اصفادٍ صممت لايدينا،
ارتديناها هكذا!
اغلالٍ من ايقاع طبول الهجرة،
لا ندري لمَ اخضرُ لونُ الجسر كأعيننا ،
هكذا نحن قبلنا،
هكذا نحن........
لم نمزج لونا في طست او نُعمِلْ فرشاةً في خاصرة الاسمنت ،
فكل اغلال بلادي خضراء،
لا احد يعلم لم اصفرُ صوت عبور الجسر،
فكل غلال بلادي صفراء،
حتى اسفلت شوارعها اخضر تقريبا
من سندس لا نعت له سوى طعم كثيب او غار،
ربما لان الاخضر اثقل من باقي الالوانْ،
له وزن القرميد يقالُ،
وكفته الارجح في الميزانْ،
ينفع في كبح جماح الشر وشل قوى الداجن والزاحف والكاسر ،
وجميع صنوف الانسانْ.
.............
.............
.............
تمضي دجلة نحو البحر،
تحت اقواس تضغطها للاسفل ، نحو القاع ،
كي تأخذ قسرا شكل المجرى.
اما بغداد فقد نسيت،
معلبة في رزم العلل والزحافات
مغطاة بحدقات عيون الذهب- السكر،
ضفتا قميصها ترنوان ساهمتين الى برق الفحولة الحرة ،
ونحن الذين استبدلنا الطين بالفانيلا،
اصبنا بالتجويع فلا نشبع،
وشردت اذهاننا طويلا فادمنت الشرود،
ولم نعد نبالي بما تحت القميص من انوثة عارمة،
شغلنا بالنهر المارد – محنتنا،
لا هم لنا الا دجلهْ،
نتابع تململها وارتعاشاتها،
نحصي غمازات ظهرها الاملس كلسان افعى،
قريبا جدا سوف تنتفض كرامة هذه البغي الحالمة،
سوف تكسر قيودها وتنهض،
عملاقا ارقط ،
يندف جسور الصوبين ندفا،
يبعثرها عاليا في الفضاء،
كمنشور سري مزقه مقاتل محاصر،
كالرذاذ من فم نبي عصبي سرق الاطفالُ مفتاحَ عمامتِه،
لتواصل دجلة قيامتها الهوجاء،
تسترد الؤلؤ الذي رشت به بكر بن وائل ،
وتسحب سندات تمليك ينابيع البترول،
فتبتلع المنطقةَ الخضراء ،
وتعلك المتنبي،
فتُعلَن ُبغدادُ مرة اخرى والى الابد ،
انها محض انثى من نهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش