الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرمز في قصص صلاح زنكنة

سمير عبد الرحيم أغا

2013 / 10 / 16
الادب والفن


الرمز في قصص صلاح زنكنة
يفرق " جون موريز " بين الرمز والدلالة ، فالأخيرة تتمثل في كون طائر أو شخصية ما في العمل تشير او تدل على ما يقابلها في الواقع ، أما الرمز إنما هو الشيء الموحى بمعان متعددة حين نربط به العمل الفني ونجد العمل الفني لا يشير الى الشيء إشارة مباشرة ، وإنما يشير إليه بطريقة غير مباشرة ومن وسيط ثالث يسمى الرمز "( 65)
وقد جاءت الرمزية.. حركة ادبية ثورية ، استهدفت تحطيم الاشكال القائمة وتفجيرها عبر اعتماد الرمز والايحاء ، مقدمة شحنات نفسية متوترة ادت الى ظهور ما عرف بالشعر الحديث ، وفي القصة يتقدم " ادجار ألن بو " رائد القصة الرمزية ومن الرمزية تنبثق السوريالية او ما نستطيع تحديده بالانتقال الى التجريد . كما ان قصاصينا لم يتخصصوا في كتابة نسق واحد واننا في ساحتنا المحلية نجد تداخلا لأكثر من مدرسة في القصة ذاتها ، أي ان القصة القصيرة لدينا سواء في الوطن العربي او في العراق مازالت تمر في حالة تجريب مستمر ،ولو حاولنا استعراض قصص الكاتب لوجدنا تطابقا" على هذه الحالة ، كما ان قصاصينا تعاملوا مع الرمز من تنوعه في الشكل الذي اتبعوه في بنية قصصهم . أعمال الكاتب تزخر بالدلالات الرمزية ، وان اجادة هذا النوع من القصة تتطلب مقدرة وتمكنا من الادوات الفنية خشية الوقوع في متاهات عديدة وقد تقع اما اسيرة الحالة النفسية للقاص نفسه او تصبح مجرد قصة عادية غير محددة لا تصل الى القارىء بنتيجة ، وانما احساسات مبهمة او عوالم من الفنتازيا . والكاتب صلاح زنكنة تعامل رمزيا في قصصه بطرح قضايا سياسية فكرية ذات تاثير وفاعلية في الواقع اليومي المباشر . كما انه وعبر حالة الادانة الحادة التي يطرحها يثير في القارىء رغبة بالتغيير ، ولكن درجة التغيير التي يدفعها لدى قارئه او لنقل ان ظاهرة الموت التي يبرزها في قصصه اكثر قوة من حالة الفعل الايجابية التي يدفعها لدى وجدان القارىء الأمر الذي نطالعه مع بداية أعماله .
في قصة " حق النباح " نجد الكلب يريد الرحيل إلى بلد فيه أن ينبح وهذا الرمز واضح أو شبه واضح ليرمز إلى حق الإنسان في التكلم والحرية في الكلام ، بعيدا عن سلطة القمع والتسلط ، " هذه القصة كتبت عام 1988 ونشرت عام 1990 ، لكنها شاعت كنكتة معارضة مسمومة في عام 2000 وهو عام صدور المجموعة " وكذلك " تحولت هذه القصة القصيرة جدا في الواقع الى طرفة ذات فعل سياسي ومتنفس اجتماعي استقر في الوجدان الشعبي " 0( 66) ،والقاص في هذه القصة وظف الرمز .. خوفا من سلطة الرقابة ، ورمز للمواطن او الشعب بالكلب حتى يبعد عن المعنى المباشر لها ويبعد نفسه عن سوط السلطة وسوط الرقيب ، عبر تجسيده بدلالات رمزية .
وينبغي أن نذكر أن أي كاتب في بلاد لا تسود فيها الحرية يصعب عليه أمران : الأول ، الكتابة عن أي موضوع بحرية سواء أكان الموضوع فكريا أم اجتماعيا ، والثاني الكتابة عن الحرية ذاتها بحرية ، لان أعداء الحرية هم القابضون على زمام الأمور المانعون لما يريدون ، ولهذا تحقق موضوعة الحرية ذاتها في النص الأدبي في تلك البلاد فإنها تضع قيدا على حرية الكاتب في التعبير من ناحية وتطلق حرية القارئ في التأويل من ناحية أخرى فالكاتب لا يتناول هذه الموضوعة مباشرة ولا يقول كل شيء بل يستعمل تقنيات الرمز والتلميح والإيحاء التي تتطلب أن يشحن القارئ خياله في الإضافة وملء الفراغات والتأويل بعبارة أخرى ، و من هذه القصص تبين لنا بوضوح تام كيف أن موضوع الحرية هي المحور التي تدور حوله القصص ، ولعل قصة " حق النباح " خير مثل على ذلك... و فيما مايلي نص القصة :
...... وأخيراً قرر الكلب الهزيل الرحيل عن البلاد بعد أن أنهكه الجوع، وفي منتصف الطريق إلى البلاد الأخرى التقى كلباً من تلك البلاد معتزماً الهجرة إلى بلاد الكلب الهزيل، فسأله الأخير:
-حدثني يا زميلي عن بلادكم.. يقال إن الخير فيها وفير.
أجاب الكلب الآخر:
-أجل.. أجل.. اللحم والعظام.. و.. و.. قاطعه الكلب الهزيل الجائع مندهشاً:
-إذن لماذا تريد الرحيل عن بلادك؟!
فهمس الكلب في أذن صاحبه:
-لأن النباح هنا محظور وأنا أريد أن أنبح.
حينذاك قفل الكلب الهزيل راجعاً إلى بلاده وبصحبته الكلب الآخر، وهما لا ينفكان عن النباح.
إذا ما انتقلنا إلى قصة " القيد " فهي تتكلم بالرمز وتنتهي بالرمز ، ولا شك ان اسم القيد: يرمز الى السجن وهو نقيض الحرية ، وإذا ما حاولنا تأمل هذا الرمز ربما يكون موازيا لرمز قصة " حق النباح " فالزوج يجد نفسه مكبلا بقيود تحسبها الزوجة مزحة وهمية لا وجود لها ، يقول في القصة :
من الذي كبلني يا فاطمة ؟
ظننته يمزح فأجبته مازحة
الحب يا حبيبي.. الحب
صرح بوجهي مهتاجا
اللعنة عليك وعلى الحب هيا فكي وثاقي وابعدي عني هذه السلاسل.
وحين تجد الزوجة حقيقة هذه السلاسل، تصرخ فزعة، ليتجمع الجيران، وتستدعي الطبيب، ولا جدوى، تجهش بالبكاء وكادت تصاب بالجنون،
لقد خاطوا فمي يا فاطمة
ولما حاولت الزوجة ان تهرب وجدت السلاسل تقيدها ، ولما حاولت أن تصرخ وجدت فمها مخيطا .
إن الكاتب يتناول موضوعة ( الحرية ) في أبسط معانيها وادني مستوياتها ، تلك هي حرية الإنسان في الحركة والتنقل دون أن يخشى إكراها أو اضطهادا أو سجنا ، وهذا جزء مما يسمى ب( الحريات الطبيعية ) التي يمارسها الإنسان بصورة تلقائية غريزية بوصفه كائنا حيا تشكل الحركة بالنسبة إليه ضرورة بيولوجية حتمية لازمة حياته وإنسانيته ، إن من يقرأ هذه القصة يحس أول مرة.. قصة مباشرة تتسم بالوضوح ولكن من الداخل تتفجر برموز ودلالات عميقة تبعد عن المباشرة ، وعلى المتلقي .. يتوقف تأويل رمز القصة ابتداء" من العنوان " القيد " الاسم المضاد للحرية وهنا دلالة الرمز أعمق من سابقتها ،
وفي قصة " جثث لا تعنينا " نجد الرمز مكملة للقصص التي قبلها، فالشخص المعني الذي يحمل الجثث في سيارته وهو لا يدري،
صدقني لا اعرف عنها شيئا" لا بد أن احدهم وضعها هنا، فانا رجل محترم.
قال الشرطي :
اركن سيارتك جانبا وانضم إلى أولئك القتلة.
وتزايد الجمع بنفس الغرض وهم يصيحون
لسنا قتلة انتم القتلة
ثم يسري هذا الفيروس كما يقول المسؤولون في السلطة :
ثمة مؤامرة كبيرة تحاك في البلد وضدكم ، ودون أدنى شك بل بالتأكيد تقف وراءها القوى الغاشمة القوى الكبرى .و يستمر النص بشكله الرمزي دون إشارة إلى الهوية الشخصية للجثث وكأن الجثث ليس الا امتداد لصوت الموت الذي يستمر في حال سبيله ، ثم يستمر في حال الجثث .
" لا ندرك تماما إن كانت تعنينا أم لا ونخشى أن نسال مجرد سؤال، كيف حدث هذا في غفلة منا ؟
وان كانت الدلالة الرمزية قد شهدت إشارة واحدة أو موقف واحدا في قصة " القيد " فان الدلالات الرمزية في هذا القصة تتسع أكثر فمنذ البداية نجد المكان الرمزي وهو السيطرة وربما يشير إلى سيطرة القوى الكبرى ، إن الجثث التي دارت حولها القصة تتموج في دلالات رمزية و صورة قاتمة وهي توحي بعدة رموز و شكل يحول الدلالة اللفظية إلى رمز كلي ، وكان صلاح زنكنة " قائم على غرض إيصال الفكرة بطريقة سرية ومؤثرة وبجرأة سياسية واجتماعية ونفسية "
في قصة " لعنة الحمام " نجد الدلالة الرمزية أكثر عمقا حيث تجعل القارئ أمام التساؤلات العديدة والتي لا يمكنه حسمها مهما أوتي من عمق تفكير وبعد في الرؤية ، حيث تطالعنا القصة في نهايتها بذلك الوشاح الأسود الذي غطى الحمام
" استسلم الرئيس للحمام ليشمل عينيه ويهيم على وجهه وهو يتعثر بالجثث والحمام ينقر ينقر ينقر ... منذ ذلك اليوم كف الحمام عن الهديل والنحيب والنواح واختفى في ملجأ العامرية حيث أعشاشه "
فإذا ما حاولنا تأمل هذا الحمام ربما يكون موازيا لعنة الجثث في قصة " جثث لا تعنينا " ونصبح حينئذ أمام الصورة المرسومة طوال النص السردي ، وكأنها جاءت مرتين ، احدهما بشكل تفصيلي من وعي البطل ، والأخرى محملة من وعي البطل ذاته ولعل هذا التكاثر هو نفسه القوة الحقيقية المؤثرة في القصة الأمر الذي يجعلنا نقول انه الموت ، الذي جعل الإحداث تتحرك على هذا النحو ، أي القصة ذات ( البنية التكاثرية ) حيث مخلوقات القاص تبدأ من شيء واحد ثم ما يلبث أن يتكاثر ذلك الشيء ويتعدد ،فما الذي جعل الحمام بهذه القسوة اذ اصدر أمره إلى وزير الحربية بإبادة الحمام بالسلاح الكيماوي وليذهب الحمام وأهل الحمام إلى الجحيم ،
حلقت الطائرات فوق الحمام وراحت ترشه بالكيمياوي .
اضرب الحمام اللعين بالنووي
مات الشعب.. كل الشعب .. مات بالنووي
هنا اتسعت الدلالة الرمزية اذ يرمز إلى هذا الشعب الثائر الذي مات من قبل الرئيس الذي كان يسير على غير هدى ودون نظام وكأنهم يلعبون الشطرنج ولا يدرون مصالح بلادهم ، للقارى بعد ذلك حق التأويل والتفسير انه الكاتب فقط أراد أن يشير إلى واقعنا السياسي والفكري والاجتماعي فالعراق كله حلت عليه النوائب سواء على المستوى الواقعي أم الرمزي .
ان قصص " صلاح زنكنة " وخاصة الاولى .. في مجموعته البكر " كائنات صغيرة " كما قال الناقد د. فاضل التميمي " مشحونة بالرموز والشفرات التي تتيح لمن يقرؤها ان يتأول في دلالاتها "
في قصة " الكابوس " التي فجر ت شخصية رمزية من شخصية البطل الذي استطاع الهرب وانتقم الى كل اقرانه المسجونين ،
" المفوض ذو الوجه الكالح المجدور ، هو العائق الوحيد الذي يقف امام ما صممت عليه ، غرفته تطل على البوابة مباشرة ، والبوابة مفتوحة على مصراعيها والحراس لاهون ، والصمت يخيم على كل الاشياء .. ما الذي يمنعني من الهرب ..؟ "
التاكيد على رمز القناع الذي يراه البطل في وجه كل من يعرفه وفكرة القتل هي المسيطرة على مجمل الاحداث . فالقصة مطاردة مع حركة الفعل العادية عن طريق هرب السجين من المدينة .. يطارده الفعل " اقتله ... اقتله...... انتقم لنا .. والمفوض يتوسل خائفا : ارحمني أما قصة " كائنات صغيرة " من مجموعة كائنات صغيرة ....فنجد فيها راس الاستاذ فكري يكبر . وفي دهشة غيرمتوقعة ، في صورة غرائبية فنطازية .. صورة مقنعة لوجوه متعددة موغلة في الظلمة ,. ولوحاولنا امساك البطل في القصة فسنجده حالة عائمة . وان بدت غريبة .. وهي الظاهرة الاكبر بروزا في مجموعة : كائنات صغيرة : الحدث يبدو عاديا جدا ,, والغرائبية جاءت مقصودة بشكل يضع القارىء في موقف الدهشة والمفاجأة .. لما يمكن ان يحدث .
ان الكاتب صلاح زنكنة اعتمد على رؤى الاجيال السابقة والظروف التي ساعدته في طرح مضامين قصصية جديدة ولدت من ارحام الحرب والحصار . وهي المدة الادبية التي ولد فيها نصه . ولم يكتب بعدها اي نص قصصي . وهل يعني هذا ان الكاتب قد نضب ابداعه ...! لاشك ان الكاتب لابد ان يستمر ابداعه من زمن الى آخر .














الرمز في قصص صلاح زنكنة
يفرق " جون موريز " بين الرمز والدلالة ، فالأخيرة تتمثل في كون طائر أو شخصية ما في العمل تشير او تدل على ما يقابلها في الواقع ، أما الرمز إنما هو الشيء الموحى بمعان متعددة حين نربط به العمل الفني ونجد العمل الفني لا يشير الى الشيء إشارة مباشرة ، وإنما يشير إليه بطريقة غير مباشرة ومن وسيط ثالث يسمى الرمز "( 65)
وقد جاءت الرمزية.. حركة ادبية ثورية ، استهدفت تحطيم الاشكال القائمة وتفجيرها عبر اعتماد الرمز والايحاء ، مقدمة شحنات نفسية متوترة ادت الى ظهور ما عرف بالشعر الحديث ، وفي القصة يتقدم " ادجار ألن بو " رائد القصة الرمزية ومن الرمزية تنبثق السوريالية او ما نستطيع تحديده بالانتقال الى التجريد . كما ان قصاصينا لم يتخصصوا في كتابة نسق واحد واننا في ساحتنا المحلية نجد تداخلا لأكثر من مدرسة في القصة ذاتها ، أي ان القصة القصيرة لدينا سواء في الوطن العربي او في العراق مازالت تمر في حالة تجريب مستمر ،ولو حاولنا استعراض قصص الكاتب لوجدنا تطابقا" على هذه الحالة ، كما ان قصاصينا تعاملوا مع الرمز من تنوعه في الشكل الذي اتبعوه في بنية قصصهم . أعمال الكاتب تزخر بالدلالات الرمزية ، وان اجادة هذا النوع من القصة تتطلب مقدرة وتمكنا من الادوات الفنية خشية الوقوع في متاهات عديدة وقد تقع اما اسيرة الحالة النفسية للقاص نفسه او تصبح مجرد قصة عادية غير محددة لا تصل الى القارىء بنتيجة ، وانما احساسات مبهمة او عوالم من الفنتازيا . والكاتب صلاح زنكنة تعامل رمزيا في قصصه بطرح قضايا سياسية فكرية ذات تاثير وفاعلية في الواقع اليومي المباشر . كما انه وعبر حالة الادانة الحادة التي يطرحها يثير في القارىء رغبة بالتغيير ، ولكن درجة التغيير التي يدفعها لدى قارئه او لنقل ان ظاهرة الموت التي يبرزها في قصصه اكثر قوة من حالة الفعل الايجابية التي يدفعها لدى وجدان القارىء الأمر الذي نطالعه مع بداية أعماله .
في قصة " حق النباح " نجد الكلب يريد الرحيل إلى بلد فيه أن ينبح وهذا الرمز واضح أو شبه واضح ليرمز إلى حق الإنسان في التكلم والحرية في الكلام ، بعيدا عن سلطة القمع والتسلط ، " هذه القصة كتبت عام 1988 ونشرت عام 1990 ، لكنها شاعت كنكتة معارضة مسمومة في عام 2000 وهو عام صدور المجموعة " وكذلك " تحولت هذه القصة القصيرة جدا في الواقع الى طرفة ذات فعل سياسي ومتنفس اجتماعي استقر في الوجدان الشعبي " 0( 66) ،والقاص في هذه القصة وظف الرمز .. خوفا من سلطة الرقابة ، ورمز للمواطن او الشعب بالكلب حتى يبعد عن المعنى المباشر لها ويبعد نفسه عن سوط السلطة وسوط الرقيب ، عبر تجسيده بدلالات رمزية .
وينبغي أن نذكر أن أي كاتب في بلاد لا تسود فيها الحرية يصعب عليه أمران : الأول ، الكتابة عن أي موضوع بحرية سواء أكان الموضوع فكريا أم اجتماعيا ، والثاني الكتابة عن الحرية ذاتها بحرية ، لان أعداء الحرية هم القابضون على زمام الأمور المانعون لما يريدون ، ولهذا تحقق موضوعة الحرية ذاتها في النص الأدبي في تلك البلاد فإنها تضع قيدا على حرية الكاتب في التعبير من ناحية وتطلق حرية القارئ في التأويل من ناحية أخرى فالكاتب لا يتناول هذه الموضوعة مباشرة ولا يقول كل شيء بل يستعمل تقنيات الرمز والتلميح والإيحاء التي تتطلب أن يشحن القارئ خياله في الإضافة وملء الفراغات والتأويل بعبارة أخرى ، و من هذه القصص تبين لنا بوضوح تام كيف أن موضوع الحرية هي المحور التي تدور حوله القصص ، ولعل قصة " حق النباح " خير مثل على ذلك... و فيما مايلي نص القصة :
...... وأخيراً قرر الكلب الهزيل الرحيل عن البلاد بعد أن أنهكه الجوع، وفي منتصف الطريق إلى البلاد الأخرى التقى كلباً من تلك البلاد معتزماً الهجرة إلى بلاد الكلب الهزيل، فسأله الأخير:
-حدثني يا زميلي عن بلادكم.. يقال إن الخير فيها وفير.
أجاب الكلب الآخر:
-أجل.. أجل.. اللحم والعظام.. و.. و.. قاطعه الكلب الهزيل الجائع مندهشاً:
-إذن لماذا تريد الرحيل عن بلادك؟!
فهمس الكلب في أذن صاحبه:
-لأن النباح هنا محظور وأنا أريد أن أنبح.
حينذاك قفل الكلب الهزيل راجعاً إلى بلاده وبصحبته الكلب الآخر، وهما لا ينفكان عن النباح.
إذا ما انتقلنا إلى قصة " القيد " فهي تتكلم بالرمز وتنتهي بالرمز ، ولا شك ان اسم القيد: يرمز الى السجن وهو نقيض الحرية ، وإذا ما حاولنا تأمل هذا الرمز ربما يكون موازيا لرمز قصة " حق النباح " فالزوج يجد نفسه مكبلا بقيود تحسبها الزوجة مزحة وهمية لا وجود لها ، يقول في القصة :
من الذي كبلني يا فاطمة ؟
ظننته يمزح فأجبته مازحة
الحب يا حبيبي.. الحب
صرح بوجهي مهتاجا
اللعنة عليك وعلى الحب هيا فكي وثاقي وابعدي عني هذه السلاسل.
وحين تجد الزوجة حقيقة هذه السلاسل، تصرخ فزعة، ليتجمع الجيران، وتستدعي الطبيب، ولا جدوى، تجهش بالبكاء وكادت تصاب بالجنون،
لقد خاطوا فمي يا فاطمة
ولما حاولت الزوجة ان تهرب وجدت السلاسل تقيدها ، ولما حاولت أن تصرخ وجدت فمها مخيطا .
إن الكاتب يتناول موضوعة ( الحرية ) في أبسط معانيها وادني مستوياتها ، تلك هي حرية الإنسان في الحركة والتنقل دون أن يخشى إكراها أو اضطهادا أو سجنا ، وهذا جزء مما يسمى ب( الحريات الطبيعية ) التي يمارسها الإنسان بصورة تلقائية غريزية بوصفه كائنا حيا تشكل الحركة بالنسبة إليه ضرورة بيولوجية حتمية لازمة حياته وإنسانيته ، إن من يقرأ هذه القصة يحس أول مرة.. قصة مباشرة تتسم بالوضوح ولكن من الداخل تتفجر برموز ودلالات عميقة تبعد عن المباشرة ، وعلى المتلقي .. يتوقف تأويل رمز القصة ابتداء" من العنوان " القيد " الاسم المضاد للحرية وهنا دلالة الرمز أعمق من سابقتها ،
وفي قصة " جثث لا تعنينا " نجد الرمز مكملة للقصص التي قبلها، فالشخص المعني الذي يحمل الجثث في سيارته وهو لا يدري،
صدقني لا اعرف عنها شيئا" لا بد أن احدهم وضعها هنا، فانا رجل محترم.
قال الشرطي :
اركن سيارتك جانبا وانضم إلى أولئك القتلة.
وتزايد الجمع بنفس الغرض وهم يصيحون
لسنا قتلة انتم القتلة
ثم يسري هذا الفيروس كما يقول المسؤولون في السلطة :
ثمة مؤامرة كبيرة تحاك في البلد وضدكم ، ودون أدنى شك بل بالتأكيد تقف وراءها القوى الغاشمة القوى الكبرى .و يستمر النص بشكله الرمزي دون إشارة إلى الهوية الشخصية للجثث وكأن الجثث ليس الا امتداد لصوت الموت الذي يستمر في حال سبيله ، ثم يستمر في حال الجثث .
" لا ندرك تماما إن كانت تعنينا أم لا ونخشى أن نسال مجرد سؤال، كيف حدث هذا في غفلة منا ؟
وان كانت الدلالة الرمزية قد شهدت إشارة واحدة أو موقف واحدا في قصة " القيد " فان الدلالات الرمزية في هذا القصة تتسع أكثر فمنذ البداية نجد المكان الرمزي وهو السيطرة وربما يشير إلى سيطرة القوى الكبرى ، إن الجثث التي دارت حولها القصة تتموج في دلالات رمزية و صورة قاتمة وهي توحي بعدة رموز و شكل يحول الدلالة اللفظية إلى رمز كلي ، وكان صلاح زنكنة " قائم على غرض إيصال الفكرة بطريقة سرية ومؤثرة وبجرأة سياسية واجتماعية ونفسية "
في قصة " لعنة الحمام " نجد الدلالة الرمزية أكثر عمقا حيث تجعل القارئ أمام التساؤلات العديدة والتي لا يمكنه حسمها مهما أوتي من عمق تفكير وبعد في الرؤية ، حيث تطالعنا القصة في نهايتها بذلك الوشاح الأسود الذي غطى الحمام
" استسلم الرئيس للحمام ليشمل عينيه ويهيم على وجهه وهو يتعثر بالجثث والحمام ينقر ينقر ينقر ... منذ ذلك اليوم كف الحمام عن الهديل والنحيب والنواح واختفى في ملجأ العامرية حيث أعشاشه "
فإذا ما حاولنا تأمل هذا الحمام ربما يكون موازيا لعنة الجثث في قصة " جثث لا تعنينا " ونصبح حينئذ أمام الصورة المرسومة طوال النص السردي ، وكأنها جاءت مرتين ، احدهما بشكل تفصيلي من وعي البطل ، والأخرى محملة من وعي البطل ذاته ولعل هذا التكاثر هو نفسه القوة الحقيقية المؤثرة في القصة الأمر الذي يجعلنا نقول انه الموت ، الذي جعل الإحداث تتحرك على هذا النحو ، أي القصة ذات ( البنية التكاثرية ) حيث مخلوقات القاص تبدأ من شيء واحد ثم ما يلبث أن يتكاثر ذلك الشيء ويتعدد ،فما الذي جعل الحمام بهذه القسوة اذ اصدر أمره إلى وزير الحربية بإبادة الحمام بالسلاح الكيماوي وليذهب الحمام وأهل الحمام إلى الجحيم ،
حلقت الطائرات فوق الحمام وراحت ترشه بالكيمياوي .
اضرب الحمام اللعين بالنووي
مات الشعب.. كل الشعب .. مات بالنووي
هنا اتسعت الدلالة الرمزية اذ يرمز إلى هذا الشعب الثائر الذي مات من قبل الرئيس الذي كان يسير على غير هدى ودون نظام وكأنهم يلعبون الشطرنج ولا يدرون مصالح بلادهم ، للقارى بعد ذلك حق التأويل والتفسير انه الكاتب فقط أراد أن يشير إلى واقعنا السياسي والفكري والاجتماعي فالعراق كله حلت عليه النوائب سواء على المستوى الواقعي أم الرمزي .
ان قصص " صلاح زنكنة " وخاصة الاولى .. في مجموعته البكر " كائنات صغيرة " كما قال الناقد د. فاضل التميمي " مشحونة بالرموز والشفرات التي تتيح لمن يقرؤها ان يتأول في دلالاتها "
في قصة " الكابوس " التي فجر ت شخصية رمزية من شخصية البطل الذي استطاع الهرب وانتقم الى كل اقرانه المسجونين ،
" المفوض ذو الوجه الكالح المجدور ، هو العائق الوحيد الذي يقف امام ما صممت عليه ، غرفته تطل على البوابة مباشرة ، والبوابة مفتوحة على مصراعيها والحراس لاهون ، والصمت يخيم على كل الاشياء .. ما الذي يمنعني من الهرب ..؟ "
التاكيد على رمز القناع الذي يراه البطل في وجه كل من يعرفه وفكرة القتل هي المسيطرة على مجمل الاحداث . فالقصة مطاردة مع حركة الفعل العادية عن طريق هرب السجين من المدينة .. يطارده الفعل " اقتله ... اقتله...... انتقم لنا .. والمفوض يتوسل خائفا : ارحمني أما قصة " كائنات صغيرة " من مجموعة كائنات صغيرة ....فنجد فيها راس الاستاذ فكري يكبر . وفي دهشة غيرمتوقعة ، في صورة غرائبية فنطازية .. صورة مقنعة لوجوه متعددة موغلة في الظلمة ,. ولوحاولنا امساك البطل في القصة فسنجده حالة عائمة . وان بدت غريبة .. وهي الظاهرة الاكبر بروزا في مجموعة : كائنات صغيرة : الحدث يبدو عاديا جدا ,, والغرائبية جاءت مقصودة بشكل يضع القارىء في موقف الدهشة والمفاجأة .. لما يمكن ان يحدث .
ان الكاتب صلاح زنكنة اعتمد على رؤى الاجيال السابقة والظروف التي ساعدته في طرح مضامين قصصية جديدة ولدت من ارحام الحرب والحصار . وهي المدة الادبية التي ولد فيها نصه . ولم يكتب بعدها اي نص قصصي . وهل يعني هذا ان الكاتب قد نضب ابداعه ...! لاشك ان الكاتب لابد ان يستمر ابداعه من زمن الى آخر .


















الرمز في قصص صلاح زنكنة
يفرق " جون موريز " بين الرمز والدلالة ، فالأخيرة تتمثل في كون طائر أو شخصية ما في العمل تشير او تدل على ما يقابلها في الواقع ، أما الرمز إنما هو الشيء الموحى بمعان متعددة حين نربط به العمل الفني ونجد العمل الفني لا يشير الى الشيء إشارة مباشرة ، وإنما يشير إليه بطريقة غير مباشرة ومن وسيط ثالث يسمى الرمز "( 65)
وقد جاءت الرمزية.. حركة ادبية ثورية ، استهدفت تحطيم الاشكال القائمة وتفجيرها عبر اعتماد الرمز والايحاء ، مقدمة شحنات نفسية متوترة ادت الى ظهور ما عرف بالشعر الحديث ، وفي القصة يتقدم " ادجار ألن بو " رائد القصة الرمزية ومن الرمزية تنبثق السوريالية او ما نستطيع تحديده بالانتقال الى التجريد . كما ان قصاصينا لم يتخصصوا في كتابة نسق واحد واننا في ساحتنا المحلية نجد تداخلا لأكثر من مدرسة في القصة ذاتها ، أي ان القصة القصيرة لدينا سواء في الوطن العربي او في العراق مازالت تمر في حالة تجريب مستمر ،ولو حاولنا استعراض قصص الكاتب لوجدنا تطابقا" على هذه الحالة ، كما ان قصاصينا تعاملوا مع الرمز من تنوعه في الشكل الذي اتبعوه في بنية قصصهم . أعمال الكاتب تزخر بالدلالات الرمزية ، وان اجادة هذا النوع من القصة تتطلب مقدرة وتمكنا من الادوات الفنية خشية الوقوع في متاهات عديدة وقد تقع اما اسيرة الحالة النفسية للقاص نفسه او تصبح مجرد قصة عادية غير محددة لا تصل الى القارىء بنتيجة ، وانما احساسات مبهمة او عوالم من الفنتازيا . والكاتب صلاح زنكنة تعامل رمزيا في قصصه بطرح قضايا سياسية فكرية ذات تاثير وفاعلية في الواقع اليومي المباشر . كما انه وعبر حالة الادانة الحادة التي يطرحها يثير في القارىء رغبة بالتغيير ، ولكن درجة التغيير التي يدفعها لدى قارئه او لنقل ان ظاهرة الموت التي يبرزها في قصصه اكثر قوة من حالة الفعل الايجابية التي يدفعها لدى وجدان القارىء الأمر الذي نطالعه مع بداية أعماله .
في قصة " حق النباح " نجد الكلب يريد الرحيل إلى بلد فيه أن ينبح وهذا الرمز واضح أو شبه واضح ليرمز إلى حق الإنسان في التكلم والحرية في الكلام ، بعيدا عن سلطة القمع والتسلط ، " هذه القصة كتبت عام 1988 ونشرت عام 1990 ، لكنها شاعت كنكتة معارضة مسمومة في عام 2000 وهو عام صدور المجموعة " وكذلك " تحولت هذه القصة القصيرة جدا في الواقع الى طرفة ذات فعل سياسي ومتنفس اجتماعي استقر في الوجدان الشعبي " 0( 66) ،والقاص في هذه القصة وظف الرمز .. خوفا من سلطة الرقابة ، ورمز للمواطن او الشعب بالكلب حتى يبعد عن المعنى المباشر لها ويبعد نفسه عن سوط السلطة وسوط الرقيب ، عبر تجسيده بدلالات رمزية .
وينبغي أن نذكر أن أي كاتب في بلاد لا تسود فيها الحرية يصعب عليه أمران : الأول ، الكتابة عن أي موضوع بحرية سواء أكان الموضوع فكريا أم اجتماعيا ، والثاني الكتابة عن الحرية ذاتها بحرية ، لان أعداء الحرية هم القابضون على زمام الأمور المانعون لما يريدون ، ولهذا تحقق موضوعة الحرية ذاتها في النص الأدبي في تلك البلاد فإنها تضع قيدا على حرية الكاتب في التعبير من ناحية وتطلق حرية القارئ في التأويل من ناحية أخرى فالكاتب لا يتناول هذه الموضوعة مباشرة ولا يقول كل شيء بل يستعمل تقنيات الرمز والتلميح والإيحاء التي تتطلب أن يشحن القارئ خياله في الإضافة وملء الفراغات والتأويل بعبارة أخرى ، و من هذه القصص تبين لنا بوضوح تام كيف أن موضوع الحرية هي المحور التي تدور حوله القصص ، ولعل قصة " حق النباح " خير مثل على ذلك... و فيما مايلي نص القصة :
...... وأخيراً قرر الكلب الهزيل الرحيل عن البلاد بعد أن أنهكه الجوع، وفي منتصف الطريق إلى البلاد الأخرى التقى كلباً من تلك البلاد معتزماً الهجرة إلى بلاد الكلب الهزيل، فسأله الأخير:
-حدثني يا زميلي عن بلادكم.. يقال إن الخير فيها وفير.
أجاب الكلب الآخر:
-أجل.. أجل.. اللحم والعظام.. و.. و.. قاطعه الكلب الهزيل الجائع مندهشاً:
-إذن لماذا تريد الرحيل عن بلادك؟!
فهمس الكلب في أذن صاحبه:
-لأن النباح هنا محظور وأنا أريد أن أنبح.
حينذاك قفل الكلب الهزيل راجعاً إلى بلاده وبصحبته الكلب الآخر، وهما لا ينفكان عن النباح.
إذا ما انتقلنا إلى قصة " القيد " فهي تتكلم بالرمز وتنتهي بالرمز ، ولا شك ان اسم القيد: يرمز الى السجن وهو نقيض الحرية ، وإذا ما حاولنا تأمل هذا الرمز ربما يكون موازيا لرمز قصة " حق النباح " فالزوج يجد نفسه مكبلا بقيود تحسبها الزوجة مزحة وهمية لا وجود لها ، يقول في القصة :
من الذي كبلني يا فاطمة ؟
ظننته يمزح فأجبته مازحة
الحب يا حبيبي.. الحب
صرح بوجهي مهتاجا
اللعنة عليك وعلى الحب هيا فكي وثاقي وابعدي عني هذه السلاسل.
وحين تجد الزوجة حقيقة هذه السلاسل، تصرخ فزعة، ليتجمع الجيران، وتستدعي الطبيب، ولا جدوى، تجهش بالبكاء وكادت تصاب بالجنون،
لقد خاطوا فمي يا فاطمة
ولما حاولت الزوجة ان تهرب وجدت السلاسل تقيدها ، ولما حاولت أن تصرخ وجدت فمها مخيطا .
إن الكاتب يتناول موضوعة ( الحرية ) في أبسط معانيها وادني مستوياتها ، تلك هي حرية الإنسان في الحركة والتنقل دون أن يخشى إكراها أو اضطهادا أو سجنا ، وهذا جزء مما يسمى ب( الحريات الطبيعية ) التي يمارسها الإنسان بصورة تلقائية غريزية بوصفه كائنا حيا تشكل الحركة بالنسبة إليه ضرورة بيولوجية حتمية لازمة حياته وإنسانيته ، إن من يقرأ هذه القصة يحس أول مرة.. قصة مباشرة تتسم بالوضوح ولكن من الداخل تتفجر برموز ودلالات عميقة تبعد عن المباشرة ، وعلى المتلقي .. يتوقف تأويل رمز القصة ابتداء" من العنوان " القيد " الاسم المضاد للحرية وهنا دلالة الرمز أعمق من سابقتها ،
وفي قصة " جثث لا تعنينا " نجد الرمز مكملة للقصص التي قبلها، فالشخص المعني الذي يحمل الجثث في سيارته وهو لا يدري،
صدقني لا اعرف عنها شيئا" لا بد أن احدهم وضعها هنا، فانا رجل محترم.
قال الشرطي :
اركن سيارتك جانبا وانضم إلى أولئك القتلة.
وتزايد الجمع بنفس الغرض وهم يصيحون
لسنا قتلة انتم القتلة
ثم يسري هذا الفيروس كما يقول المسؤولون في السلطة :
ثمة مؤامرة كبيرة تحاك في البلد وضدكم ، ودون أدنى شك بل بالتأكيد تقف وراءها القوى الغاشمة القوى الكبرى .و يستمر النص بشكله الرمزي دون إشارة إلى الهوية الشخصية للجثث وكأن الجثث ليس الا امتداد لصوت الموت الذي يستمر في حال سبيله ، ثم يستمر في حال الجثث .
" لا ندرك تماما إن كانت تعنينا أم لا ونخشى أن نسال مجرد سؤال، كيف حدث هذا في غفلة منا ؟
وان كانت الدلالة الرمزية قد شهدت إشارة واحدة أو موقف واحدا في قصة " القيد " فان الدلالات الرمزية في هذا القصة تتسع أكثر فمنذ البداية نجد المكان الرمزي وهو السيطرة وربما يشير إلى سيطرة القوى الكبرى ، إن الجثث التي دارت حولها القصة تتموج في دلالات رمزية و صورة قاتمة وهي توحي بعدة رموز و شكل يحول الدلالة اللفظية إلى رمز كلي ، وكان صلاح زنكنة " قائم على غرض إيصال الفكرة بطريقة سرية ومؤثرة وبجرأة سياسية واجتماعية ونفسية "
في قصة " لعنة الحمام " نجد الدلالة الرمزية أكثر عمقا حيث تجعل القارئ أمام التساؤلات العديدة والتي لا يمكنه حسمها مهما أوتي من عمق تفكير وبعد في الرؤية ، حيث تطالعنا القصة في نهايتها بذلك الوشاح الأسود الذي غطى الحمام
" استسلم الرئيس للحمام ليشمل عينيه ويهيم على وجهه وهو يتعثر بالجثث والحمام ينقر ينقر ينقر ... منذ ذلك اليوم كف الحمام عن الهديل والنحيب والنواح واختفى في ملجأ العامرية حيث أعشاشه "
فإذا ما حاولنا تأمل هذا الحمام ربما يكون موازيا لعنة الجثث في قصة " جثث لا تعنينا " ونصبح حينئذ أمام الصورة المرسومة طوال النص السردي ، وكأنها جاءت مرتين ، احدهما بشكل تفصيلي من وعي البطل ، والأخرى محملة من وعي البطل ذاته ولعل هذا التكاثر هو نفسه القوة الحقيقية المؤثرة في القصة الأمر الذي يجعلنا نقول انه الموت ، الذي جعل الإحداث تتحرك على هذا النحو ، أي القصة ذات ( البنية التكاثرية ) حيث مخلوقات القاص تبدأ من شيء واحد ثم ما يلبث أن يتكاثر ذلك الشيء ويتعدد ،فما الذي جعل الحمام بهذه القسوة اذ اصدر أمره إلى وزير الحربية بإبادة الحمام بالسلاح الكيماوي وليذهب الحمام وأهل الحمام إلى الجحيم ،
حلقت الطائرات فوق الحمام وراحت ترشه بالكيمياوي .
اضرب الحمام اللعين بالنووي
مات الشعب.. كل الشعب .. مات بالنووي
هنا اتسعت الدلالة الرمزية اذ يرمز إلى هذا الشعب الثائر الذي مات من قبل الرئيس الذي كان يسير على غير هدى ودون نظام وكأنهم يلعبون الشطرنج ولا يدرون مصالح بلادهم ، للقارى بعد ذلك حق التأويل والتفسير انه الكاتب فقط أراد أن يشير إلى واقعنا السياسي والفكري والاجتماعي فالعراق كله حلت عليه النوائب سواء على المستوى الواقعي أم الرمزي .
ان قصص " صلاح زنكنة " وخاصة الاولى .. في مجموعته البكر " كائنات صغيرة " كما قال الناقد د. فاضل التميمي " مشحونة بالرموز والشفرات التي تتيح لمن يقرؤها ان يتأول في دلالاتها "
في قصة " الكابوس " التي فجر ت شخصية رمزية من شخصية البطل الذي استطاع الهرب وانتقم الى كل اقرانه المسجونين ،
" المفوض ذو الوجه الكالح المجدور ، هو العائق الوحيد الذي يقف امام ما صممت عليه ، غرفته تطل على البوابة مباشرة ، والبوابة مفتوحة على مصراعيها والحراس لاهون ، والصمت يخيم على كل الاشياء .. ما الذي يمنعني من الهرب ..؟ "
التاكيد على رمز القناع الذي يراه البطل في وجه كل من يعرفه وفكرة القتل هي المسيطرة على مجمل الاحداث . فالقصة مطاردة مع حركة الفعل العادية عن طريق هرب السجين من المدينة .. يطارده الفعل " اقتله ... اقتله...... انتقم لنا .. والمفوض يتوسل خائفا : ارحمني أما قصة " كائنات صغيرة " من مجموعة كائنات صغيرة ....فنجد فيها راس الاستاذ فكري يكبر . وفي دهشة غيرمتوقعة ، في صورة غرائبية فنطازية .. صورة مقنعة لوجوه متعددة موغلة في الظلمة ,. ولوحاولنا امساك البطل في القصة فسنجده حالة عائمة . وان بدت غريبة .. وهي الظاهرة الاكبر بروزا في مجموعة : كائنات صغيرة : الحدث يبدو عاديا جدا ,, والغرائبية جاءت مقصودة بشكل يضع القارىء في موقف الدهشة والمفاجأة .. لما يمكن ان يحدث .
ان الكاتب صلاح زنكنة اعتمد على رؤى الاجيال السابقة والظروف التي ساعدته في طرح مضامين قصصية جديدة ولدت من ارحام الحرب والحصار . وهي المدة الادبية التي ولد فيها نصه . ولم يكتب بعدها اي نص قصصي . وهل يعني هذا ان الكاتب قد نضب ابداعه ...! لاشك ان الكاتب لابد ان يستمر ابداعه من زمن الى آخر .














الرمز في قصص صلاح زنكنة
يفرق " جون موريز " بين الرمز والدلالة ، فالأخيرة تتمثل في كون طائر أو شخصية ما في العمل تشير او تدل على ما يقابلها في الواقع ، أما الرمز إنما هو الشيء الموحى بمعان متعددة حين نربط به العمل الفني ونجد العمل الفني لا يشير الى الشيء إشارة مباشرة ، وإنما يشير إليه بطريقة غير مباشرة ومن وسيط ثالث يسمى الرمز "( 65)
وقد جاءت الرمزية.. حركة ادبية ثورية ، استهدفت تحطيم الاشكال القائمة وتفجيرها عبر اعتماد الرمز والايحاء ، مقدمة شحنات نفسية متوترة ادت الى ظهور ما عرف بالشعر الحديث ، وفي القصة يتقدم " ادجار ألن بو " رائد القصة الرمزية ومن الرمزية تنبثق السوريالية او ما نستطيع تحديده بالانتقال الى التجريد . كما ان قصاصينا لم يتخصصوا في كتابة نسق واحد واننا في ساحتنا المحلية نجد تداخلا لأكثر من مدرسة في القصة ذاتها ، أي ان القصة القصيرة لدينا سواء في الوطن العربي او في العراق مازالت تمر في حالة تجريب مستمر ،ولو حاولنا استعراض قصص الكاتب لوجدنا تطابقا" على هذه الحالة ، كما ان قصاصينا تعاملوا مع الرمز من تنوعه في الشكل الذي اتبعوه في بنية قصصهم . أعمال الكاتب تزخر بالدلالات الرمزية ، وان اجادة هذا النوع من القصة تتطلب مقدرة وتمكنا من الادوات الفنية خشية الوقوع في متاهات عديدة وقد تقع اما اسيرة الحالة النفسية للقاص نفسه او تصبح مجرد قصة عادية غير محددة لا تصل الى القارىء بنتيجة ، وانما احساسات مبهمة او عوالم من الفنتازيا . والكاتب صلاح زنكنة تعامل رمزيا في قصصه بطرح قضايا سياسية فكرية ذات تاثير وفاعلية في الواقع اليومي المباشر . كما انه وعبر حالة الادانة الحادة التي يطرحها يثير في القارىء رغبة بالتغيير ، ولكن درجة التغيير التي يدفعها لدى قارئه او لنقل ان ظاهرة الموت التي يبرزها في قصصه اكثر قوة من حالة الفعل الايجابية التي يدفعها لدى وجدان القارىء الأمر الذي نطالعه مع بداية أعماله .
في قصة " حق النباح " نجد الكلب يريد الرحيل إلى بلد فيه أن ينبح وهذا الرمز واضح أو شبه واضح ليرمز إلى حق الإنسان في التكلم والحرية في الكلام ، بعيدا عن سلطة القمع والتسلط ، " هذه القصة كتبت عام 1988 ونشرت عام 1990 ، لكنها شاعت كنكتة معارضة مسمومة في عام 2000 وهو عام صدور المجموعة " وكذلك " تحولت هذه القصة القصيرة جدا في الواقع الى طرفة ذات فعل سياسي ومتنفس اجتماعي استقر في الوجدان الشعبي " 0( 66) ،والقاص في هذه القصة وظف الرمز .. خوفا من سلطة الرقابة ، ورمز للمواطن او الشعب بالكلب حتى يبعد عن المعنى المباشر لها ويبعد نفسه عن سوط السلطة وسوط الرقيب ، عبر تجسيده بدلالات رمزية .
وينبغي أن نذكر أن أي كاتب في بلاد لا تسود فيها الحرية يصعب عليه أمران : الأول ، الكتابة عن أي موضوع بحرية سواء أكان الموضوع فكريا أم اجتماعيا ، والثاني الكتابة عن الحرية ذاتها بحرية ، لان أعداء الحرية هم القابضون على زمام الأمور المانعون لما يريدون ، ولهذا تحقق موضوعة الحرية ذاتها في النص الأدبي في تلك البلاد فإنها تضع قيدا على حرية الكاتب في التعبير من ناحية وتطلق حرية القارئ في التأويل من ناحية أخرى فالكاتب لا يتناول هذه الموضوعة مباشرة ولا يقول كل شيء بل يستعمل تقنيات الرمز والتلميح والإيحاء التي تتطلب أن يشحن القارئ خياله في الإضافة وملء الفراغات والتأويل بعبارة أخرى ، و من هذه القصص تبين لنا بوضوح تام كيف أن موضوع الحرية هي المحور التي تدور حوله القصص ، ولعل قصة " حق النباح " خير مثل على ذلك... و فيما مايلي نص القصة :
...... وأخيراً قرر الكلب الهزيل الرحيل عن البلاد بعد أن أنهكه الجوع، وفي منتصف الطريق إلى البلاد الأخرى التقى كلباً من تلك البلاد معتزماً الهجرة إلى بلاد الكلب الهزيل، فسأله الأخير:
-حدثني يا زميلي عن بلادكم.. يقال إن الخير فيها وفير.
أجاب الكلب الآخر:
-أجل.. أجل.. اللحم والعظام.. و.. و.. قاطعه الكلب الهزيل الجائع مندهشاً:
-إذن لماذا تريد الرحيل عن بلادك؟!
فهمس الكلب في أذن صاحبه:
-لأن النباح هنا محظور وأنا أريد أن أنبح.
حينذاك قفل الكلب الهزيل راجعاً إلى بلاده وبصحبته الكلب الآخر، وهما لا ينفكان عن النباح.
إذا ما انتقلنا إلى قصة " القيد " فهي تتكلم بالرمز وتنتهي بالرمز ، ولا شك ان اسم القيد: يرمز الى السجن وهو نقيض الحرية ، وإذا ما حاولنا تأمل هذا الرمز ربما يكون موازيا لرمز قصة " حق النباح " فالزوج يجد نفسه مكبلا بقيود تحسبها الزوجة مزحة وهمية لا وجود لها ، يقول في القصة :
من الذي كبلني يا فاطمة ؟
ظننته يمزح فأجبته مازحة
الحب يا حبيبي.. الحب
صرح بوجهي مهتاجا
اللعنة عليك وعلى الحب هيا فكي وثاقي وابعدي عني هذه السلاسل.
وحين تجد الزوجة حقيقة هذه السلاسل، تصرخ فزعة، ليتجمع الجيران، وتستدعي الطبيب، ولا جدوى، تجهش بالبكاء وكادت تصاب بالجنون،
لقد خاطوا فمي يا فاطمة
ولما حاولت الزوجة ان تهرب وجدت السلاسل تقيدها ، ولما حاولت أن تصرخ وجدت فمها مخيطا .
إن الكاتب يتناول موضوعة ( الحرية ) في أبسط معانيها وادني مستوياتها ، تلك هي حرية الإنسان في الحركة والتنقل دون أن يخشى إكراها أو اضطهادا أو سجنا ، وهذا جزء مما يسمى ب( الحريات الطبيعية ) التي يمارسها الإنسان بصورة تلقائية غريزية بوصفه كائنا حيا تشكل الحركة بالنسبة إليه ضرورة بيولوجية حتمية لازمة حياته وإنسانيته ، إن من يقرأ هذه القصة يحس أول مرة.. قصة مباشرة تتسم بالوضوح ولكن من الداخل تتفجر برموز ودلالات عميقة تبعد عن المباشرة ، وعلى المتلقي .. يتوقف تأويل رمز القصة ابتداء" من العنوان " القيد " الاسم المضاد للحرية وهنا دلالة الرمز أعمق من سابقتها ،
وفي قصة " جثث لا تعنينا " نجد الرمز مكملة للقصص التي قبلها، فالشخص المعني الذي يحمل الجثث في سيارته وهو لا يدري،
صدقني لا اعرف عنها شيئا" لا بد أن احدهم وضعها هنا، فانا رجل محترم.
قال الشرطي :
اركن سيارتك جانبا وانضم إلى أولئك القتلة.
وتزايد الجمع بنفس الغرض وهم يصيحون
لسنا قتلة انتم القتلة
ثم يسري هذا الفيروس كما يقول المسؤولون في السلطة :
ثمة مؤامرة كبيرة تحاك في البلد وضدكم ، ودون أدنى شك بل بالتأكيد تقف وراءها القوى الغاشمة القوى الكبرى .و يستمر النص بشكله الرمزي دون إشارة إلى الهوية الشخصية للجثث وكأن الجثث ليس الا امتداد لصوت الموت الذي يستمر في حال سبيله ، ثم يستمر في حال الجثث .
" لا ندرك تماما إن كانت تعنينا أم لا ونخشى أن نسال مجرد سؤال، كيف حدث هذا في غفلة منا ؟
وان كانت الدلالة الرمزية قد شهدت إشارة واحدة أو موقف واحدا في قصة " القيد " فان الدلالات الرمزية في هذا القصة تتسع أكثر فمنذ البداية نجد المكان الرمزي وهو السيطرة وربما يشير إلى سيطرة القوى الكبرى ، إن الجثث التي دارت حولها القصة تتموج في دلالات رمزية و صورة قاتمة وهي توحي بعدة رموز و شكل يحول الدلالة اللفظية إلى رمز كلي ، وكان صلاح زنكنة " قائم على غرض إيصال الفكرة بطريقة سرية ومؤثرة وبجرأة سياسية واجتماعية ونفسية "
في قصة " لعنة الحمام " نجد الدلالة الرمزية أكثر عمقا حيث تجعل القارئ أمام التساؤلات العديدة والتي لا يمكنه حسمها مهما أوتي من عمق تفكير وبعد في الرؤية ، حيث تطالعنا القصة في نهايتها بذلك الوشاح الأسود الذي غطى الحمام
" استسلم الرئيس للحمام ليشمل عينيه ويهيم على وجهه وهو يتعثر بالجثث والحمام ينقر ينقر ينقر ... منذ ذلك اليوم كف الحمام عن الهديل والنحيب والنواح واختفى في ملجأ العامرية حيث أعشاشه "
فإذا ما حاولنا تأمل هذا الحمام ربما يكون موازيا لعنة الجثث في قصة " جثث لا تعنينا " ونصبح حينئذ أمام الصورة المرسومة طوال النص السردي ، وكأنها جاءت مرتين ، احدهما بشكل تفصيلي من وعي البطل ، والأخرى محملة من وعي البطل ذاته ولعل هذا التكاثر هو نفسه القوة الحقيقية المؤثرة في القصة الأمر الذي يجعلنا نقول انه الموت ، الذي جعل الإحداث تتحرك على هذا النحو ، أي القصة ذات ( البنية التكاثرية ) حيث مخلوقات القاص تبدأ من شيء واحد ثم ما يلبث أن يتكاثر ذلك الشيء ويتعدد ،فما الذي جعل الحمام بهذه القسوة اذ اصدر أمره إلى وزير الحربية بإبادة الحمام بالسلاح الكيماوي وليذهب الحمام وأهل الحمام إلى الجحيم ،
حلقت الطائرات فوق الحمام وراحت ترشه بالكيمياوي .
اضرب الحمام اللعين بالنووي
مات الشعب.. كل الشعب .. مات بالنووي
هنا اتسعت الدلالة الرمزية اذ يرمز إلى هذا الشعب الثائر الذي مات من قبل الرئيس الذي كان يسير على غير هدى ودون نظام وكأنهم يلعبون الشطرنج ولا يدرون مصالح بلادهم ، للقارى بعد ذلك حق التأويل والتفسير انه الكاتب فقط أراد أن يشير إلى واقعنا السياسي والفكري والاجتماعي فالعراق كله حلت عليه النوائب سواء على المستوى الواقعي أم الرمزي .
ان قصص " صلاح زنكنة " وخاصة الاولى .. في مجموعته البكر " كائنات صغيرة " كما قال الناقد د. فاضل التميمي " مشحونة بالرموز والشفرات التي تتيح لمن يقرؤها ان يتأول في دلالاتها "
في قصة " الكابوس " التي فجر ت شخصية رمزية من شخصية البطل الذي استطاع الهرب وانتقم الى كل اقرانه المسجونين ،
" المفوض ذو الوجه الكالح المجدور ، هو العائق الوحيد الذي يقف امام ما صممت عليه ، غرفته تطل على البوابة مباشرة ، والبوابة مفتوحة على مصراعيها والحراس لاهون ، والصمت يخيم على كل الاشياء .. ما الذي يمنعني من الهرب ..؟ "
التاكيد على رمز القناع الذي يراه البطل في وجه كل من يعرفه وفكرة القتل هي المسيطرة على مجمل الاحداث . فالقصة مطاردة مع حركة الفعل العادية عن طريق هرب السجين من المدينة .. يطارده الفعل " اقتله ... اقتله...... انتقم لنا .. والمفوض يتوسل خائفا : ارحمني أما قصة " كائنات صغيرة " من مجموعة كائنات صغيرة ....فنجد فيها راس الاستاذ فكري يكبر . وفي دهشة غيرمتوقعة ، في صورة غرائبية فنطازية .. صورة مقنعة لوجوه متعددة موغلة في الظلمة ,. ولوحاولنا امساك البطل في القصة فسنجده حالة عائمة . وان بدت غريبة .. وهي الظاهرة الاكبر بروزا في مجموعة : كائنات صغيرة : الحدث يبدو عاديا جدا ,, والغرائبية جاءت مقصودة بشكل يضع القارىء في موقف الدهشة والمفاجأة .. لما يمكن ان يحدث .
ان الكاتب صلاح زنكنة اعتمد على رؤى الاجيال السابقة والظروف التي ساعدته في طرح مضامين قصصية جديدة ولدت من ارحام الحرب والحصار . وهي المدة الادبية التي ولد فيها نصه . ولم يكتب بعدها اي نص قصصي . وهل يعني هذا ان الكاتب قد نضب ابداعه ...! لاشك ان الكاتب لابد ان يستمر ابداعه من زمن الى آخر .
.............................................................................................
المقال من كتاب " بنية الخطاب السردي في قصص صلاح زنكنة " للكاتب سمير عبد الرحيم اغا

































التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في