الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء من ذلك

فيحاء السامرائي

2013 / 10 / 16
الادب والفن



1) لعْبة أطفال
للأسبوع الثالث، تأتيه وتشتري نفس اللعبة، سيارة أطفال صغيرة...يلحّ عليه فضوله أن يسألها، لماذا تشتري هذا العدد من السيارات في كل مرّة؟ غير أن وجهاً ساهماً لها لا يسمح بحديث ولاتطفل...يظن أنه يعرفها، ربما هي كنّة جاروصديق له يسكن عند ناصية الشارع، عنده حفيد صغير يشبه أمه...من الجائز أن لدى صغيرها هواية جمع السيارات، يحفظها في مرآب من كارتون ويطالب أهله بشراء أخريات، غير أن بيتهم صغير بعد أن سكنوا في الملحق وأجّروا الدار الكبيرة، كيف يمكن أن يحتملوا اكتظاظ هذا الكم من لعب الأطفال؟ لعنة على فضوله، لماذا يفكر بمشتريات زبائنه وأين يضعون ما يشترونه...لن يشغل باله ثانية وينسى الموضوع...كاد أن يتناسى أسئلته لكنها جاءته بوجهها الساهم، وطلبت منه ماتريد مؤشرة بيدها نحو سيارة أطفال صغيرة...يقفز سؤال من حنجرته لم يكن بمقدوره تداركه:
- اغفري لي سؤالي وفضولي يا ابنتي، ماذا تفعلون بهذا العدد الكبيرمن السيارات؟ أراك لا تشترين غيرها...
أجابته بوجه لا يتحرك فيه شيء سوى شفتين يابستين:
- لا مانع لدي من الإجابة، تعرف يا عم ضيق تحرك الأطفال في بلاد بلا حدائق ولا أماكن ترفيه، ونحن انقطعنا عن الزيارات الاجتماعية من زمن كما يفعل الجميع، لذلك لا يحب ابني سوى هذه السيارات ولا يلعب بغيرها، وكلما آخذ له واحدة، يكسرها مقلداً عملية تفخيخ السيارات صارخاً: بم، بم مفخخخة...

2) عبد الطائع عبد الآمر
يقولون له، عليك أن تبقى جالساً في تلك البقعة ولا تتحرك...يظل متشبثاً بمكانه حتى تتنمل عجيزته، وحين يمتلكه احساس بضرورة قضاء حاجة له، تحمرّ وجنتاه مقاوماً، ويظل جالساً على مقعده كما أمروه...
يوم رأى والده يوبّخ أخاً متمرداً له، صار يعمل ما باستطاعته لإرضاء والد ينشد كمالاً في ذريته...يصغي لنصائحه وينفذّها حرفياً، لا يرفع صوته ولايجادل، وكلمة "لا" يمحوها من رأسه وقاموسه، لا يتأخر ليلا، لا يصاحب غير مرغوب بهم منتقين، يحترم مدرّسيه ويطبّق تعاليمهم بحذافيرها، يذاكر دروسه بصرامة ليحصل على معدلات عالية، يجتاز مراحل دراسية، يدخل جامعة يختارها أبوه...وفي خدمته العسكرية بعد تخرجه، يطيع أوامر قائد كتيبته، وحينما يأخذه المد السياسي، ينتمي لحزب يفضّله والده...يتبع توجيهات مسئوليه بصرامة وبدون نقاش، يعتقلوه فيصمد كما أوصاه تنظيمه الحزبي متحملا تعذيباً وحشياً، وبعد فكّ أسره يبلغونه أن يحمل بندقية ويناضل في جبال بعيدة، لا يتذمر من ثلوج وأكلة برغل وحرمان جسدي، يبقى هناك لسنوات عصيبة...يوعزون له بمغادرة بلاده الى أخرى، يحمل سلاحاً آخر لشعب مضام آخر...ثم يهاجر بعدها مع آخرين، بناءً على توجيهاتهم، الى بلاد بعيدة...يشتغل كما أوصوه ويعيش، غير أنه لا يحيا لأنهم لم يطلبوا منه ذلك، أخبروه أن يؤجل حياته حتى يرجع الى هناك...
وهاهو هنا اليوم، لم يزل ينتظر الـ (هناك) والتوجيهات، ولا يترك مقعده...

3) وردة
تستيقض ذات صباح مبكرة وتهرع نحو الشرفة...من خلال زجاج باب مطلّ عليها، ترى زهرتها تزهو بنضارة وبهاء، تتلألأ على أوراق حمراء قانية لها، قطرات ندى وامضة شفيفة...
تتذكر يوم جلبتها من بعيد، من حديقة أختها، ساق غضة فيها براعم وأشواك طرية، لفتّها بورق مبلل ونايلون، وخبأته بين ملابس في حقيبة سفرها، بعد أن عبقت رائحتها بقلبها وظلت تتنشق شذا زهر الشجرة الأم، وبعد أن تمنّت أن تنبتها في بلاد بعيدة تسكنها...
تختار لها أحسن تربة وأكبر وأفضل أصيص، تسقيها كل يوم، توجّهها نحو أشعة شمس شحيحة، ولايفوتها يوم دون أن تتطلع اليها وتحكي معها جذلة، حتى كبرت وتبرعمت وأزهرت، وهاهي اليوم تتفتح فيه أول زهرة، تخالها تفوح بعطرها لتملأ شرفتها وكل الشرفات...
تمضي نحوها ووجيف قلبها يتقدمها نابضاً بمشاعر وجل وفخر، تحدّق في زهرتها ملياً، تحوّطها بكفيها بأناة ودعة، وحين تقرّبها من أنفها، لا تشمّ لها أي رائحة...تبدو لها كأي وردة اصطناعية بلا روح...

فيحاء السامرائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟