الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصاد الرؤوس الكبيرة

خالد قنوت

2013 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في السنوات الأولى من دراستي الجامعية, جمعتني صداقة جيدة بزميلة منذ السنة الأولى و بسبب بعد كليتنا عن دمشق و حالة المواصلات السيئة آنذاك, حيث كانت باصات المنطقة الصناعية محدودة للغاية و ميكروباصات الست زينب عصفورية متنقلة و باص الكلية المتجه لباب توما محدود الرحلات و العدد الممكن لاحتماله.
كل ذلك كان يتحتم على الطالبات أن يشاركن زملائهم الطلاب طريق العودة ليلاً بعد انتهاء الدوام. كان هذا العمل محبب لدينا بحكم أنه عمل رجولي في حماية زميلاتنا و بنفس الوقت حالة اكتشاف مشتركة لأفكارنا و أحلامنا كطلاب يعيشون أحلى فترات حياتهم التي لن تتعوض.
كانت لطيفة و خلوقة للغاية و صار بيننا وحدة حال و ثقة. من خلال الأحاديث الكثيرة المتبادلة كان من الطبيعي أن أحدثها عن عائلتي و تحدثني عن عائلتها, في إحدى المرات أخبرتني بأن والدها مساعد في المخابرات فكان لهذه المعلومة أثراً سلبياً كبيراًعلى علاقتنا.
كنا كسوريين, قد خرجنا لتونا من أحداث الثمانينات بكم كبير من المجازر, مجزرة جسر الشعور, مجزرة تدمر, مجازر حلب, مجازر حماة....
كان زملائنا القادمون حديثاً من أحداث حماة, لا يزالون أموات أحياء. صديقي طارق, لم يستطع أن يتذكر أحداث الشهرين المنصرمين, عندما سألته: ماذا حدث معك؟. كان حليق الشارب و قد كان مصدر فخره قبل الأحداث.
كنا كسوريين قبل أحداث الثمانينيات, نرتعد من كلمة مخابرات و نغير وجهة طريقنا عندما نشاهد عنصر مخابرات يتبختر و على خصره مسدس يتقصد إظهاره للجميع.
في طريق مشوارنا المسائي على طريق أبورمانة, كنا نبتعد عن فرع المخابرات الواقع بإحدى ساحات النجمة أمام مبنى إدارة أسر الشهداء, حيث كان من الطبيعي أن نسمع صرخات المعتقلين الواقعين تحت التعذيب من نوافذ الطابق الأرضي. نفس الأمر يحدث عندما نعبر فرع المخابرات الواقع في منطقة الشعلان في القبو تحت محل فلافل الشعلان. أذكر يوم أخبرتنا صديقة شقيقتي المقيمة في نفس البناء, أنها سمعت صراخ أحد المعتقلين طوال الليل و عند الفجر توقف الصراخ مع صوت رصاصة دوت في الأرجاء.
كل سوري, لديه قصص مباشرة و شخصية مع أحد أجهزة الأمن أو الاستخبارات السورية و كل من يتجاوز هذه المحنة يعتبر نفسه إنساناً جديداً فالداخل مفقود و الخارج مولود, أصدقاء كثر مروا بهذه التجربة و بعدها هاجروا بعيداً في بلاد الله الواسعة.
مع كل هذا الإرث الوطني الكبير من الخوف و الرعب, لم استطع أن أهضم موقع و عمل والد صديقتي. رغم كل اللطافة و الأنوثة و حتى الجمال التي تتمتع به. لم يكن يخطر في ذهني سوى سؤال واحد كلما التقيت بها: (كم عدد السوريين القتلى في رقبة والدها؟) لم يكن سوى صدى صراخ المعتقلين المعذبين بيننا عندما نتحدث لبعضنا. قد أكون ظالماً بأني لم أغفر لها كونها إبنة مساعد في المخابرات و لكن لم أتمكن من أن أفصل بين الحالتين, رغم محاولاتها الحثيثة لزيارة بيتهم و للتعرف على أهلها.
تذكرت هذه القصة اليوم, بعد سماعي لخبر مقتل أحد أكبر ضباط الاستخبارات السورية في مدينة دير الزور بكل ما يحمله من تاريخ أسود في لبنان قبلاً و ما حدث و يحدث في سورية إثر قيام الثورة و تابعت حالة التشفي التي يتداولها السوريين بل حالة الفرحة و الغبطة.
مالذي يمكن أن يتوقعه المرء من ردة فعل لشعب عاش الرعب على أيدي أجهزة الأمن و الاستخبارات السورية, منذ قدوم آل الأسد لقمة هرم السلطة و التصاقهم بها و كأنها ورثة أو مزرعة لنسلهم؟
و كيف هي الحال اليوم, بعد مجازر يومية منذ سنتين ونصف يقوم بها عناصر و ضباط الاستخبارات الذين لا يعرفون من الوطن سوى حماية عائلة الأسد و لعق أحذية أفرادها على حساب دم سوريين يطالبون باسترجاع انسانيتهم المسلوبة؟ لقد حولهم النظام إلى قتلة و مجرمين و لصوص و قطاع طرق و وضعهم فوق المحاسبة و المساءلة القانونية, و قد ارتضوا هذه الأعمال فصاروا جزءاً منها.
يبدأ أي عنصر أو ضابط مخابرات مهنته بتعلم فنون القتل و التعذيب و سلب الناس ارزاقهم, لينتهي مقتولاً غير مأسوف عليه أو شريكاً لأحد محدثي النعمة أو يتحول إلى شيخ أو رجل دين كما حدث مع والد صديقتي, يوزع الحكمة و الوطنية ممزوجة بالطائفية و الحقد و الجهل.
صديقتي تزوجت طبيباً و لديها أولاد و هي اليوم تمارس فنون التشبيح مع زوجها و أولادها بفضل حكمة والدها المساعد المتقاعد و رجل الدين حالياً.
لن يبدأ السوريين مشوار استرجاعهم لانسانيتهم و وطنهم سوى بتحطيم نظام قام على رعب تصنعه أجهزة فوق القانون و فوق الوطن و تحطيم هذه الأجهزة من جذورها و بناء أجهزة وطنية محترفة عقيدتها حماية و صيانة الوطن و الشعب و المواطن السوري الفرد و تخضع لسلطة قانونية مستقلة عادلة و نزيهة, و المشوار مازال في بدايته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحيفة إيرانية تلوح بنظرية المؤامرة في تحطم مروحية الرئيس الإ


.. تعرف على ظاهرة “الدوكسينغ- التي يستخدمها مؤيدو إسرائيل لحرب




.. سوناك يدعو لإجراء انتخابات مبكرة في بريطانيا خلال يوليو المق


.. جثامين الشهداء متناثرة فيها.. الاحتلال يفرض حصارا على معظم ش




.. شاب يطعن شقيقته خلال بث مباشر على -الإنستغرام-