الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بلاد ما وراء الشرعية والانقلاب

محمد الحمّار

2013 / 10 / 18
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


على عكس ما حلاَ ومازال يحلُو لجهاتِ أجنبية ولجهات محلية أن تروّجه عبر التاريخ، ليس الشعب العربي الإسلامي عموما غير ديمقراطي أو غير قابل للديمقراطية وليس شعبا ينفر من الديمقراطية. لقد أثبت التاريخ المعاصر أنه كلما كانت هنالك ثورة من أجل الديمقراطية كانت القوى العظمى بالمرصاد لقمع مثل هذه الحركات (الانقلاب على الدكتور مصدق في إيران في سنة 1953، و حل برلمان عراقي عمره شهرين فقط كلن قد تأسس بعد ثورة بهاء الدين النوري الشيوعية).

إذن غاية ما في الأمر هو أننا شعب ليس في أتمّ لياقته الصحية. وكما أنّ الشخص المريض لا يتمتع بكامل إمكانياته الجسمانية ومداركه العقلية أثناء فترة مرضه فإنّ الشعب لمّا يكون طريح الفراش لا يتسنى له أن يتمتع بكامل قدراته الديمقراطية قبل أن يعافى.

في هاته الحالة يتوجب أن يتخلص الشعب من العلة حتى تلوح بوادر النقاهة وتُسترد المهارات الضرورية لاستبطان الديمقراطية وتمَثُّلها عبر الفكر والمؤسسات.

أما العلة التي تعوق شعوبنا وتسد أمامها الطريق إلى الممارسة الديمقراطية، لئن ليس لها اسم فلها أعراض وهي خطيرة جدا. و أهم هذه الأعراض في الوقت الراهن هي الانقسام. المجتمع المصري منقسم والمجتمع التونسي منقسم والمجتمع السوري منقسم والمجتمع اللبناني منقسم والمجتمع الليبي منقسم والمجتمع الصومالي منقسم، علاوة على الانقسام الترابي على غرار السودان والعراق، ولو بصفة نسبية، وليبيا، نسبيا أيضا. هؤلاء يمثلون فقط الذين يوجدون في حالة انقسام، أما عن عدد المجتمعات ذات القابلية للانقسام في يومٍ ما فحدّث ولا حرج حيث إنها تُعَدّ بعدد المجتمعات العربية الإسلامية بتمامها وكمالها.

لو اعتنينا الآن بمعْول الانقسام الضارب اليوم و هو الذي بمفعوله انشطر المجتمع المصري إلى أنصار "الشرعية" وإلى أنصار "الانقلاب" والمجتمع التونسي إلى تقريبا نفس الشيء مع فارق في نوعية "الانقلاب"، للاحظنا أنه انقسام جدُّ خطير سيما أنّ بحسب مقاييسه لا الشرعية شرعية بحق ولا الانقلاب انقلاب بحق، مما يضطرنا للجزم بأنّ حتى الديمقراطية ليست حقيقية.

و إلا فكيف يكون المجتمع الواحد في نفس الوقت شرعي و منقلب على نفسه ويزعم اقتداره على السير بخطى ثابتة على درب الديمقراطية. وإلا فكيف يحصل القبول بوجود شرعية حقة وانقلاب حق في ذات الوقت كطريق إلى تثبيت الانقسام نكاية في الذات، بينما من المفترض أن يكون الخيار الأفضل هو غض البصر عن وجود شماعتَي الشرعية والانقلاب ثم الانصراف إلى البحث عن الجذور العميقة للأزمة، ومنه تقرير الثبات على موقف واحد. وهو الخيار الأفضل لأنه الطريق إلى وحدة المجتمع.

أن تتوخي المجتمعات المنقسمة لمقاربةِ غض البصر عن الشيء الواقع، المرئي والمسموع، وبالتالي أن تثبت على أمرٍ واحد مع تجنّب الثبات على نقيضه، فهذا عمل يندرج في إطار معْول الخلاص، المبطل لِما أفسده معْول الانقسام، وهو ذاك الذي له من النفوذ ما يُذيب الجليد ويكسر الصخر، معولُ التجاوز وما يتطلبه من ثقة بالنفس ومن تعالٍ على الواقع المشين دون تكبر على الناس ومن اتعاظ و تدبر، وهي صفات تسند العزم وتسهل الثبات على الأمر الموحّد.

لا أعتقد أن حوارا سياسيا سينجح في تونس أو في مصر أو في بلد متأزم مثلهما، و لا وفاقا سيتحقق بين الفرقاء والأطياف وعلى الأخص بين إسلاميين وغير إسلاميين، سوى في صورة تغيير العقليات وتوجيه الناس كافة نحو الأهداف الحيوية التي يخدمها التجاوز الإيجابي للواقع الرديء والهش.

لكننا في بلداننا المعلولة نعيش مفارقة صعبة لن تسمح لمثل هذه الدعوة الإصلاحية بأن تلقى بكل سهولة طريقها إلى التنفيذ. و تتمثل المفارقة في كوننا من جهة نسعى إلى ممارسة الديمقراطية بينما نحن نفتقد إلى الآلية التجاوزية، إن صح التعبير، التي من شأنها أن تسهّل هذه الممارسة، ومن جهة ثانية نرفض حتى التفكير في الإصلاح، ناهيك أن نشرع فيه، مع أنّ هذه الآلية رهنٌ بتنفيذٍ إصلاحي أكيد وعاجل.

وهذا مما يعني أنه يتوجب علينا إما التضحية بالديمقراطية لتنفيذ الإصلاح في مناخ سيكون حينئذ أشبه ما يكون بالوصائي أوالشمولي، وإما التضحية بالإصلاح مع الاستمرار في الانقسام واللهث وراء وهمِ الديمقراطية بعدما تكون مبررات الديمقراطية الحقة قد فشلت وشروطها لم تتوفر. وهنا تكمن جذور الاحتقان السياسي في مجتمع مثل مجتمعنا التونسي.

فطالما تبيّن أننا في الأصل لسنا ديمقراطيين شرعيين ولا ديمقراطيين انقلابيين وإنما نحن أناس منتمون إلى بلاد ما وراء الشرعية وما وراء الانقلاب بموجب التوعك الصحي الذي طال أمده والذي أوشك على أن يصبح عضالا، تُرى ما ذا عسى أن نفعل لكي تطأ أقدامنا مجددا وطننا الذي نأمل أن يكون فيه هذه المرة للشرعية معنًى وللانقلاب معنًى، كما نأمل أن يكون للخير معنًى وللشر معنًى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تشتبك مع المتظاهرين الداعمين لغزة في كلية -


.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا




.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا