الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسلمون في الانتخابات البريطانية

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2005 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لم تكن نتائج الانتخابات البريطانية التي أجريت هذا الشهر مفاجئة للمراقبين. فبشكل عام, كنا نتوقع فوز حزب العمال, بقطع النظر عن الجدل الدائر حول أحقية توني بلير بالزعامة أم لا. ولكن الانتخابات البريطانية قدمت من ناحية أخرى وجها ناصعا للديمقراطية التي تمكن الأقليات الدينية من الترشح والتصويت وبلوغ البرلمان أيضا...أي المشاركة في صنع القرار السياسي.
من ناحية أولى , تمكن طوني بلير رئيس الحكومة البريطانية، وزعيم حزب العمال، من الفوز بالانتخابات البرلمانية العامة للمرة الثالثة على التوالي، ليحقق لنفسه ولحزبه نجاحا منقطع النظير. إذ يكون بلير بفوزه في هذه الانتخابات أول زعيم عمالي ينجح في الفوز بثلاث دورات متتالية، وهو نجاح لم يحققه حزب العمال في تاريخه السياسي. وكشفت النتائج الأولية المعلنة أن حزب العمال حقق فوزا، مصحوبا بتراجع في حجم مقاعده في البرلمان، قياسا بالدورة البرلمانية السابقة، إذ تشير النتائج إلى أن عدد مقاعد حزب العمال قد تقلص مبـ91 مقعدا، عن آخر انتخابات عامة. وتشير النتائج الأولية إلى حصول حزب العمال على 353 مقعدا، متبوعا بحزب المحافظين بـ 197 مقعدا، فحزب الأحرار الديمقراطيين بـ 60 مقعدا.
واعتبر بعض المراقبين هذا النجاح مكسبا تاريخيا للعمال, لا سيما وأن اسقاط النظام البعثي في العراق عن طريق الحرب سبب احتجاجات واعتراضات كثيرة على سياسة توني بلير الخارجية, في الوقت الذي يعاني فيه جنود بريطانيا من كل ما يعاني منه زملاؤهم الأمريكيون في العراق, وربما زيادة... بسبب الترسبات التاريخية.
وقد رأينا هذا التيار الاحتجاجي ينجح الى حد ما في اضعاف المرشحين العماليين. ولعل الرسالة الأقوى في هذا الصدد جاءت من دائرة "بنتال غرين"، التي ألحق فيها جورج غالوي، هزيمة مرة وقاسية، بمرشحة حزب العمال، المقربة من بلير، والتي كانت تتقدم في انتخابات العام 2001 على منافسيها بأكثر من 10 آلاف صوت. ويبدو أن المسلمين البريطانيين اختاروا هذه الدائرة بالذات، ليوجهوا رسالة عتاب قاسية لبلير بشأن الحرب على العراق. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين في تلك الدائرة صوتوا على قاعدة الموقف من الحرب على العراق، وهي الحرب التي تزعم جورج غالوي معارضتها بقوة، وطرد بسببها من حزب العمال، وأيدتها بقوة فيونا كينغ، المرشحة التقليدية للعمال في تلك الدائرة.
ولم يخف غالوي، الذي يحظى بشعبية منقطعة النظير بين مسلمي بريطانيا، سروره بالفوز في الانتخابات، التي رأى فيها ردا للاعتبار لشخصه، وعقابا لبلير على مواقفه. وخاطب غالوي أنصاره، الذين يحتفون به كفاتح قادم من مرتفعات سكوتلاندا، بعد إعلان فوزه، بأن الشعب البريطاني سيطارد بلير، ولن يغفر له قرار الحرب على العراق. واعتبرت وسائل الإعلام البريطانية أن أكبر ضربة وجهت خلال الانتخابات لرئيس الحكومة جاءته من غالوي، الذي لا يتردد في انتقاد بلير بقسوة وسخرية لاذعة.
وكما نلاحظ , فإن المسلمين البريطانيين وجدوا طريقهم الى البرلمان مرة أخرى , وهو أمر ملفت للنظر. نجح مسلمو بريطانيا في مضاعفة عدد المقاعد البرلمانية التي تمثلهم، إذ انتقل عدد النواب المسلمين من 2 إلى 4، بعد أن وفق شهيد مالك، وصدّيق خان في الدخول للبرلمان، لأول مرة، في حين تمكن كل من محمد سروار وخالد محمود من الحفاظ على مقعديهما، وهو الأمر الذي رحب به المسلمون، لكن قطاعات منهم تسجل بأن العدد الذي يمثلهم أقل بكثير من نسبتهم السكانية، مشيرين إلى أنه يتوجب أن يكون في البرلمان 20 نائبا مسلما على الأقل، حتى يعكس حجم نسبتهم السكانية.
وإذا كان المسلمون يعتقدون أن الانتخابات جرت في ظروف استثنائية، بسبب استمرار تداعيات الحرب على العراق، فإنهم حققوا بحسب مسؤولين في الرابطة الإسلامية، وهي أحد أهم المنظمات الإسلامية العاملة على الساحة البريطانية، نتائج مرضية. واعتبرت الرابطة أنها دعمت ما يقرب عن 20 مرشحا عن مختلف الأحزاب السياسية، تمكن 18 مرشحا منهم من الفوز. ويبدو أن الرابطة الإسلامية عوّلت على قدرتها على التأثير في ما يقرب عن 40 دائرة انتخابية.
والواضح أن مسلمي بريطانيا برزوا في انتخابات مايو (أيار) 2005، كقوة مؤثرة، تنافست على الاقتراب منهم، وكسب دعمهم، كل الأحزاب البريطانية، لاسيما الأحزاب السياسية الرئيسية.
وعلى الرغم من محاولة تشويش بعض التيارات المتطرفة على دور المسلمين في الحياة السياسية، من خلال محاولة الترويج لمقولات من قبيل تحريم الانتخابات، إلا أن المسلمين ومن خلال اندراجهم الإيجابي والفاعل في الانتخابات البرلمانية، يكونون قد أسسوا لمرحلة جديدة من تاريخهم، ودورهم في الحياة العامة البريطانية. وهو تحد يفرض عليهم الخروج من العمل السياسي الهاوي وغير المدروس، إلى مرحلة تقوم على الاحتراف ودخول المعترك السياسي من بابه الواسع.
وأيا كان الأمر, فإن اشراك المسلمين في انتخابات دول ديمقراطية وعلمانية , يفترض أن يكون مسألة بديهية كإشراك اليهود أو الكاثوليك أو البوذيين... أي أنه حق يضمنه القانون, وليس منة من أحد. وليس الغريب بالتالي أن يصل بعضهم الى البرلمان , ولكن الغريب أن يستبعدوا ويهمشوا... في الدول الديمقراطية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رونالدو ينجو من مغامرة أحد معجبيه.. لأجل صورة


.. إسرائيل تعيد تشكيل مجموعات العمل المعنية بالبرنامج النووي ال




.. د. حسن حماد: المأساة أن يصبح رجل الدين بديلا للإله | #حديث_ا


.. انتشال جثث وجرحى وموجة نزوح جديدة.. عمليةٌ عسكرية ثالثة لإسر




.. فائق الشيخ علي: إيران اتفقت مع مقتدى الصدر على تشكيل الحكومة