الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنما يخشى الله من عباده العلماء

لؤى هارون

2013 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


إنما يخشى الله من عباده العلماء

استرعى انتباهى النص القرآنى أعلاه لإتفاقه باطنياً مع اعتقادى بالتناسب العكسى بين الأديان و العلم. بالنظر لهذا النص نظرة ناقدة مستبطنة بعيدة عن التقديس قد نجد أن الخشية التى يتحدث عنها هى خشية من علماء ليسوا كعلماء الأديان كما وقد يوحى النص و إنما علماء يخرجون من الجامعات و المرافق العلمية و يقدمون علوماً تسهم فى حل مشكلات الإنسانية. علوماً تقدم أمصالاً للأمراض, أنظمة زراعية انتاجية تحل مشاكل الغذاء و الجوع, أنظمة صناعية تحول الخام إلى منافع, أنظمة مالية و مصرفية تدعم اقتصادات الدول و عمليات التنمية و الأسواق, أنظمة إنسانية تقدم حلولاً لمشكلات التمييز العنصرى, التمييز الدينى, التمييز ضد المرأة, استغلال الأطفال, حقوق العمل, الطبقيات الإجتماعية و العرقية, التهميش السياسى و الإجتماعى, أنظمة دولية تكبح من الاستعمار السياسى و الاقتصادى و الفكرى الذى تعانى منه الدول الضعيفة و النامية.

هذا النوع من العلماء لا ينتمون في الأغلب لأديان و لا يعبدون آلهة الأديان بل تجد أكثرهم قد انتهج مسلكاً عقلانياً مجافياً للأديان و ثقافة الغيب. علومهم تنذر بتقليص سلطان الآلهة و تؤسس لملكوت العقل و مدرسة المنطق.

يشكل العلم و الدين عنصرين مهمين فى حياة الناس. يشغل كلاهما حجماً يتراوح بين المنعدم أو القليل أو الكثير بحسب الواقع الدينى والثقافى و السياسى و الانتاجى فى المجتمعات.
قد يشغل الدين حجماً أكبر فى بعض المجتمعات و يكون ذلك ملموسا فى كلام الناس و المعابد و الشعائر الدينية و اللباس والعادات و التقاليد و التكوين الاجتماعى و الثقافى و الزواج و العلاقات الإقتصادية. قد يكون هذا الحجم خصماً على دور العلم والعقل فى كثير من الحالات.

تطورت علاقة العلم و الدين فى بعض الدول و المجتمعات إلى علاقة تجاور، يقوم العلم فيها بدور عملى مسير و محرك للمؤسسات العامة و ملبياً لحاجات الناس المعاشية ومحفزاً و ممولاً ودافعاً للثقافة و التعلم و الآداب بحيث لا يتقاطع مع الدين حيث يقوم الاخر بدور غالباً ما يكون على المستوى الفردى بممارسة شعائر التعبد للتواصل مع الرب وتزكية النفس أو الجماعى فى المعابد بغرض إستشعار خواص التجمع الدينى من سكون و ركون الى صحبة المؤمنين والإله و الإبتعاد عن صخب و مشاغل الحياة اليومية أو بصورة إختيارية تفضيلية كالزواج الدينى بهدف المباركة الإلهية بدلاً عن الزواج المدنى على سبيل المثال.

قد تكون العلاقة تنافسية فكرية فى أحيان أخرى بحيث يعمل الدين على إختصار دور العلم فى قالب استهلاكى بزعم أن الأسئلة الكبرى كوجود الرب وضرورة الأديان و مصير الكون تُعجز العلم و لا يستطيع لها جوابا و لا جواب الا بين صفحات الكتب الدينية وأن العلم منحة من الإله.
يقوم العلم فى المقابل بتقديم نظريات معملية إختبارية أو فلسفية لاتخضع للغيب و لا تسجد للإله الكبير أو الأعظم و لا تبتغى مرضاته أو ثوابه و من ثم تقدم أنساقاً جديدة و متجددة تعمل على تفسير بدايات و استمرار الكون و تؤرخ للوجود بحسب ما يتوافر لديها من آثار تاريخية أو عمليات حسابية علمية.
قد تؤدى حالة التنافس بين الاثنين إلى عمليات إقصاء قد تجد حليفاَ فى المؤسسة السياسية أو العسكرية فى بعض الأقطار مما يفضى إلى حسم الصراع لصالح أحدهما.

عندما يوضع الدين فى غير مكانه و يحاول أن يقوم بدور العلم قد يحدث هذا لغطاً كبيراً. من أمثلة المسائل التى أحدث الدين فيها إضطراباً يشوش على عقول كثير من المتدينين: كروية الأرض, حركة الشمس والقمر و النجوم بالنسبة للأرض, نقل الدم, التبرع بالأعضاء, زرع الأعضاء, ختان الذكور و الإناث, التقويم القمرى, أصل و تطور الإنسان, الظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين والرياح والأمطاروالسيول...إلخ.

ألخص ما سبق بأن علاقة الدين و العلم قد تتراوح فى الإطار العام الرسمى و الخاص بين التناقض التام و التضاد الى التعايش السلمى أو الشراكة.

أعود إلى النص القرانى أعلاه و أقدم تفسيراً لا يخدم أغراضه و يفترض بأن العلم يقوم بعملية إحتلال تدريجية لكثير من المساحات التى كان و ما زال يشغلها الدين و يتقدم بخطى حثيثة فى إتجاه إستبعاد الأديان من مضامير عدة مما قد يؤدى إلى عمليات مراجعة شاملة للثوابت الدينية التى تشكل عائقاً فى طريق التقدم العلمى و الإنسانى. وهكذا فكلما تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين و العكس صحيح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ