الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة العربية وتحالفها مع الطبقة الوسطى

جورج حزبون

2013 / 10 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


حسب التقسيمات السياسية الامبريالية ومصالحها تم اعتبار الشرق الاوسط منطقة جغرافية اسيوية واسعة تضم قوميات عدة ، كما تضم منابع النفط ، ويسودها الدين الاسلامي ، وفي هذا السياق اصبحت الامة العربية مجرد احد مكونات هذا الشرق الاوسط ، وكما خضعت للاسلام دون القومية ابان الفترة العثمانية الطويلة ، فانها يمكن ان تستمر بتأثير هذه العقيدة ، والتي يمكن توظيفها لمواجهة الافكار و العقائد العلمية و الايدلوجيات الناتجة او الوافدة ، و لعل الاهم يمكن تعطيل ان لم يكن ممكنا وقف تطور دور حركة المضطهدين (بالفتحة )، و الابقاء على دور الفئات العليا و الارستقراطية من المجتمع ، باعتبارها من أوليا الامر ، و من الملاكين الكبار القادرين على تولي الدور السياسي ، مع امكانية تاثيرها على الطبقة الوسطى الصاعدة بحكم الضرورة و الحاجة .
وبهذه القناعة عملت الامبراطوريات الاوربية ووريثتها اميركا على تقسيم البلدان العربية الى دويلات تم تنصيب قيادات اقطاعية او شبه اقطاعية عليها ، لتسهيل مهمة الاحتواء و تاخير التطور الاقتصادي و الاجتماعي ، ولقد اتت هذه المفاهيم اكلها على الشكل الافضل عند قيام اسرائيل و تقسيم الوطن و توظيف انظمته الحاكمة في دائرة الحرب الباردة امام الاتحاد السوفياتي ، و قمع حركاته الوطنية تحت مقولات الاستعداد لمعركة التحرير ، و ان القوى الديمقراطية تعيق و تلهي عن المهمة الاساسية .
و هكذا ايضاً غابت مشاريع التنمية على حساب القمع و العسكره ، و تاخرت فرص نهوض طبقة عاملة عريضة و منتمية لوطنها و مجتمعها و حتى طبقة لذاتها ، رغم حضور حركة نقابية عمالية ، حرصت الانظمة العربية على رصد حركتها و تفتيتها و اختراقها لدرجة ان اغلبها تحولت الى حركات نقابية منتمية للسلطة و تتلقى منها رواتب و مخصصات ، مما حولها الى هياكل بيروقراطية ، و موقع للمنتفعين بعد ان تم تفريغها من ثوريتها و ارهاب قيادتها الطلائعية .
وفي هذا المناخ كان من المحتم وجود غطاء ايديولوجي ، و لم يكن افضل من الدين ، حيث يدفع الى عدم الخروج على الحاكم ، و اطاعة ولي الامر ، فاقيمت وزارات و انشطة عام متعددة للدين و نشرت المطبوعات ، و اعطيت تراخيص لنشاط المجموعات الاسلامية و الدعوية خاصة جماعة الاخوان المسلمين ، وجاء سنوات السبيعنات لتعطي هذا النهج دفعة مالية و تنظيمة ، استفادت فيها من الطفرة النفطية و من هزيمة الانظمة العربية امام اسرائيل و اميركا ، حتى اصبح في الوطن العربي هناك فراغ مزعج و مريب نضالياً و وطنياً و قومياً ، و اتسعت دائرة الفكر الديني و متابعه و اخذت اشكالاً متعددة وصلت في بعضها للارهاب بعد ان انطلقت من مقولة / الاسلام هو الحل / .
ومع التطورات العالمية العاصفة ، في شتى مناحي الحياة ، فان السكون هنا يعتبر موت ، فلم تعد تستطيع القوى المهيمنة و شركاتها العابرة للقارات الاستمرار بالنمطية الراهنة ، فالاسواق تتقلص و الاستهلاك يقل و الازمة المالية العالمية تهدد ، فان كانت في العصور السابقة تحل الازمات بالحروب و الاستعمار ، فان المعطيات الراهنة لم تعد تسمح بحرية الاستخدام الكيفي للسلاح ، و ان ابقت فرص تكاد تضيق على السياسية كاسلوب للاحتواء ، فكان خيار اعادة النظر بمفهوم الشرق الاوسط ضرورياً و مهماً ، و ان لم يعد بسبب النفط كما كان سابقاً حيث هناك اكتشافات هائلة في مناطق اخرى من العالم ، لكنه يظل ممراً اجبارياً للتواصل بين العالم سواء بالمواصلات او بانابيب النفط و الغاز و السلع الاستراتيجية ، و حيث ان هذه المنطقة تحفل بقوميات مختلفة ذات طموحات صاعدة ، فان تحريكها يحقق غايات ظلت مطلوبة لسنوات و في مقدمة ذلك الطموح التركي ( العثماني ) و الطموح الايراني ( الفارسي ) و دفعها للصراع على النفوذ ، و دفع البلدان العربية الى التأكل و الانقسام لتشجيع الطموحات و لمنع اية فرص لوحدة قومية عربية ظلت هدفاً استراتيجيا منذ 1830 لمنعها من قبل الاستعمار الصاعد و الصهيونية القادمة .
وتظل العقبة الاساسية لتنفيذ مثل هذه المخططات العدوانية ،مصر و سوريا فالاولى الدولة المركزية و الثانية الدولة القومية ،ذات الموقع المركزي و منع تواصل الدولتين اساسي ، كما كانت تقسيم الشام في مطالع القرن العشرين اساسي ، و لا اعتداد هنا بالاطراف العربية ، فكل منها له حساباته سواء المغرب العربي او بلدان الخليج المواجهة لايران ، و المسكونة بالمواطنة الشيعة و الحركات الاسلاموية و قدراتها الاستراتيجية المحدودة ، بما في ذلك الدولة المركزية في تلك المنطقة و هي المملكة العربية السعودية ، و التي تمتلك في داخلها من الازمات اكثر مما تمتلك من الثروات .
و لقد ادت التطورات العاصفة ايضاً الى بروز حتمي لدور الطبقة الوسطى ، تلك الطبقة التي بحكم عوامل ثورة المعرفة و الاتصال ، و افلاس الاستعراضات العربية ، و غياب طبقة برجوازية منظمة نامية او استثمارية بل كمبرادورية ، فان الطبقة الوسطى طامحة و تستحق و واسعة و تمتلك القدرات للفعل ، و استلام مسؤولية تاريخية يحتاجها الوطن العربي ، فتلك الطبقة تستند الى هوامش مهمة من الطبقة العاملة الاكثر نضوجاً ، و تمتلك بحكم طبائع الامور مجالاً واسعاً لاخذ دورها بدل ان تظل تابعة لمجريات قدرية لمطامع عثمانية و فارسية ، وحتى تابعية مباشرة للقوى الطامعة ،وبقائها في الظل تراقب تقسيم اوطانها و اضعاف مكانتها بحجج انشاء دويلات اثنية و قومية في نواحي الوطن العربي ، ليساهم التمزيق في الغاء كياناتها ، و أنهاء فرصة تطور و قيام طبقة عاملة عربية تكون قادرة على مواجهة مصالح الاستعمار و شركاته و شركائه لتقيم وطنها بحرية و ديمقراطية .
ان المرحلة التاريخية الراهنة لا تمتلك اي درجة من ترف الانتظار و ان كانت الطبقة العاملة ممزقة و مستهدمة لكنها تمتلك قدرة النهوض و الفعل و تحتاج الى قوة طليعية افتقدتها طويلاً ، بل و ممزقة بين المهادنة و الانكفاء ، و هنا فان الطبقة الوسطى باحتوائها فئات متعددة من الكفاءات تستطيع ان تكون الشرارة التي يندلع منها اللهب .
لم يعد هذا هذيان فكري بل ان منطق التطور وحقائق الامور ، بعد ان غابت عناصر الفعل المباشر والقوى الطليعية التقدمية القادرة على قيادة قوى المجتمع ، فان قانون التطور والطبيعة يعرض بالضرورة لوجود قوى تمتلك الفعل والقدرة ولو بالطموح والدافعية الاجتماعية الى مواجهة تمزيق الوطن لتؤكد حضورها وتواصل مهامها التاريخية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة