الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(صنعائي) لناديه الكوكباني

أنس القاضي

2013 / 10 / 19
الادب والفن


من ذروةِ الحُلم يهبط نسر الكلام ... الجناح المهيض لن يمنع القلب من الدوران وزم الغيوم نبيذاً من الحِبر ولون الغروب الشفيف كإيماءة الرمش للروح ... هذا ما ألمَ بيّ وأنا أقراء (صنعائي ) لــ (نادية الكوكباني) ، -لم اعرف اسمها من قبل- استعرت الرواية من أحد الرفاق للقراءة ولم اعرف أني أستعيره للسفر ... كان سفراً إلى التاريخ إلى الخنادق من رائحة البارود إلى روائح الروح وهي تحترقُ شوقاً.. من تخثر الجُرح إلى تخمر الرحيق في شفاه مُراهقةِ تتخيل القُبلة الأولى ..، من "قصر السلاح" إلى "جبل صَبر" من عبق الورد وأنفاس المشمش إلى صرير القيود وصراخ المقهورين والمجانين في السجون .. من تنقل العاشق بين النساء كالفراشة بين الورود، من وصايا والده بشأن النساء وهو صغير ينتظره أمام أبواب خليلاته، إلى القصر الجمهوري وحفل تكريم لأبناء الشُهداء والمناضلين برعاية "الفندم" وهؤلاء المناضلين الذين يمشون على العكاز وأجسادهم النحيلة المغبرة تخبرك أن سيادته يتذكرهم هذا اليوم للدعاية الانتخابية وللصحافة.. كل هذا بروايةٍ واحده قرأت الكثير من الروايات اليمنية -التي هي بالأساس مازالت شحيحية -لكني لم اشعر بهذا الجذل إلا عندما قرأت رواية (عرق الآلهة) لــ (حبيب عبد الرب سروري) .
لا أزعم أني بذالك القارئ الواسع أو الناقد الفذ لكني قرأت ما يكفي من الروايات العالمية لنخبة الروائيين والشُعراء ،لأشعر أني حين بدأت بقرائه (صنعائي) أني أقراء للمرة الأولى! وكأني نسيت ما هي الرواية !، إنه شعور القارئ انه يشارك في الكتابة ويصيغها من جديد .
أحاول أن لا ابدوا ناقداً أفضل كوني مغرماً بالآداب وفقط ، لكن اللغة السردية والشعرية والوصفية للرواية تجبرك أن تعيد النضر في بنيوية النص هل أنتَ من يقرأ النص أم تستمع إليه. أكملت الرواية واعدت قراءتها ولم أجد الإجابة بعد ..
من أم الدنيا أم التحضر والتحرر المكللة بخطى ((عبد الناصر)) القاهرة إلى صنعاء تدخل بك الرواية في الشخصي للروائي شعوره المكنون الذي لا يحاول كتابته إنما يبوح به إلى صديقٍ مُقرب وأنتَ هو أيها القارئ ،وفجأة ودون أن يحدث ارتباك لديك أو ينقطع شغفك تنقلك الرواية إلى العام وتناقش قضايا عميقة لتاريخٍ زُيف حتى الصمم...
تبدأ بنقاش "حصار السبعين" و"أحداث أغسطس الدامية 68" بطرح عميق نقدي وجوهري لقضية سياسيه ولكن ليس بلغه سياسية ،إنها من مميزات الرواية أن تنقلك من قارئ يُمسك بالكتاب إلى شاهد على ما يدور ويبدأ المقاتلون يعبرون أمامك ،تشم البارود... تخاف حين تنفجر قنبلة... تود لو تسعف هذا المقاوم النازف ، لو تحذر الجمهوريين من عدد المرتزقة والقبائل التي حشدها الملكيين، تود لو تصرخ بتلك المرأة لا... ابتعدي الجدار سينقضُ عليك ،تود لو تصرخ يا رفيق ألتفت للوراء إنه يوجه البندقية نحوك... رفيقي أنتَ تقاتل عن صنعاء وهو يقاتل ليأخذ صنعاء .
وكسينما بتقنية الأبعاد الثلاثة بل وابعد من ذالك تشعر انك أنتَ المقاتل وأنت الضحية، تتماها لتصبح جزئاً من مما يجري .. حصار صنعاء المقاومة الشعبية الضباط الأحرار ،الخلايا والتنظيمات الشيوعية والقومية الطلاب والعمال والفلاحين ،عاملات مصنع الغزل والنسيج، سكان الأحياء الجميع يستبسل في الدفاع عن صنعاء...
وفجأةً تحس بللاً في الورق تحس لزوجة وحميمية النجيع في أصابعك إنه الدم الألم الذي يرافق الرواية جراح الحب ، طعنات خيانات رفاق السلاح/الانتهازيون، العائدون من المخابئ إلى الكراسي ،بنادق وكلاب السُلطة الرجعية حين تحكم. وحين ترى رفاقك في السجون حين يصفى الشيوعيون مِمَن يُقاتلون معهم في ساحة المعركة، وبعد النصر حين يساقوا جميعا شيوعيون وقوميون ووطنيون للمقابر والمنافي والسجون ، لتنعم الرجعية والإمبريالية بالحكم بعيدا عن شبح مشروعهم الوطني وحلمهم الثوري بالعدالة ..
تقف عند صنعاء في الستينات لتبدأ في صنعاء اليوم لتكمل قصة الحب التي لا تنتهي .."يمنحنا الحُبُّ الجرأة لمواجهةِ ذَوَاتِنا ومواجهةِ الآخرين، كما يمنحنا الخَوفَ مِن القضاءِ عليه بِتلّكَ الجراءة" تقول الروائية وفي موقع آخر :"قلبي خاوياً مِنهُ كإناءٍ نحاسيٍ تدخُلهُ رِيحُ الحياةِ فيُصدر أنيناً جَارحاً" وفي موقع آخر -أنتِ الحياةُ التي لم أَعِشهَا ،المَزحةُ التي تحولت جِدّ . والتسليةُ التي انتهت بألم أنتِ الحُلم الناقص بالحياةِ الذي لم يتحقق ليَّ"
تتهرب الرواية من السطور لتحملك كبساط الريح بين العواطف فمن أنانية العاشق الصادق إلى عاشقةٍ تُحبهُ بقدر المدينة التي أحبها والدها كثيراً إلى عاشقةٍ أحبت أن تراهما معاً ،وصنعاء تواعد عشاقها في المقاهي المحطمة القديمة وتعطيهم غروباً جميلاً شروقاً جميلاً وبعض البهاء ولو أكل الإسمنت ما تيسر من وجهها... إنها صنعاء القديمة والصغار الذين يتعلمون في أزقتها ومزارعها وبركها أبجديات الحب إلى ما يشاء لهما الحبُ أو ما يشاءان له .
هل تتذكر صنعاء عشاقها هذا سؤال لم تسأله الكاتبة ربما لوضوح الإجابة.. لكنها تتركك في صالة حمام تركي تتصاعد منه رائحةُ ألِحنا والعَرق الأنثوي والرغبة ...، غرفة يجعل منها الجنس معبد هكذا تناقش الرواية الجنس بجماليات توحد الأرض بالسماء بتلك النزعة الأسطورية للأيروسي بقداسة ومضاءة من (كاما سوترا)، وبتلك البساطة لعاشقان يمتلئان ببعضهما.. وبالجو الخُرافي والوعي الشعبي البسيط المملوء بشخصيات تخرج ليلاً من حكايات الجدات وبعيون العادات والتقاليد التي تلاحق العشاق وتمعن في كل امرأة ترفع عن ساقها وفي كل رجل يمشيء برفقتها ، تنقلنا الصورة من مجتمع لم يذق القُبلة في الريح الطلق إلى مرسم ينضح باللون وبالحياة وإلى فنانة تغزو هذه الكآبة وكلها فرح وحرية .. ولها فؤادٌ يحملها ما لا طاقة به أو كما يقول محمود درويش "يُحملنا الحُب ما لا نحب ..."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??