الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي الذاتي المأزوم و الوعي الموضوعي الحر

باقر جاسم محمد

2005 / 5 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لئن كان العالم العربي يعيش محنة متعددة الوجوه و واسعة التأثير فإن أثرها لم يقتصر على الافتقار إلى تحديد الهوية فحسب ، بل امتد ليشمل الفشل في ما أنجزه هذا العالم العربي في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و التنموية و الثقافية كافة . و قد انعكس ذلك بشكل واضح في تقارير التنمية البشرية الثلاث التي صدرت عن الأمم المتحدة في السنوات الثلاث الأخيرة .و قد أثر ذلك على مكانة البلدان العربية إقليميا و دوليا فأنحسر دورها في المحافل الدولية و لم بعد صوتها ذا أثر ملحوظ حتى في القضايا التي تخصها تحديدا . و لعل أهم أسباب هذه المحنة هو وجود أزمة وعي عميقة الجذور يعيشها المجتمع العربي .و نعتقد أن البحث في أبرز مظاهر أزمة الوعي سيسهم في بلورة وعي الأزمة ،وهذا الأخير هو ما سيجعل من إمكانات الحل متاحة في المستقبل.
لعل أبرز مظاهر أزمة الوعي هو شيوع نمط من الوعي الذاتي المأزوم الذي يتحكم بالحاكمين و كثير من الحركات و الأحزاب السياسية المعارضة فضلا عن شيوعه بين طبقات المجتمع وفئاته . و الوعي الذاتي المأزوم هو نقيض الوعي الموضوعي الحر ؛ و لذلك فأن البحث المنهجي في خصائص الوعي السائد ، أو الوعي الذاتي المأزوم ، يفرض حكما مقارنتها بخصائص الوعي المغيب و البديل ، و أعني به الوعي الموضوعي الحر. فما هي أهم هذه الخصائص ؟
قبل أن نبدأ الإجابة ، ينبغي التنويه بأن ما سنورده من آراء يمثل رأيا أنضجته الملاحظات المستمرة للظاهرة ؛ وهي بلا شك تحتاج للإغناء و التطوير من الكتاب و المثقفين كافة. و يمكن أن نجمل الإجابة بالآتي:
إن الوعي الذاتي المأزوم هو وعي ينتسب إلى الماضي . وهو يبني موثوقيته على إعادة إنتاج خطاب متشنج و أصولي لا يعبأ بمتغيرات العصر وهو إذ يعيش في الماضي و يرى أنه النموذج الذي يجب أن يعاد إنتاجه فإنه يعجز عن فهم الواقع . بينما يستمد الوعي الموضوعي الحر موثوقيته من صلته العميقة بالعصر و متغيراته دون أن يغفل عن ضرورة وعي الماضي بسلبياته و إيجابياته ، لذلك فأن خطابه يكون أكثر موضوعية و مرونة ؛ و هو لذلك أكثر قدرة على معالجة قضايا الواقع الراهن .
إن الوعي الذاتي مأزوم وعي تتلبس فيه الذاتية الفردية لبوس الذات الجمعية . و هو في كثير من الأحيان يعبر عن مشكلة في الوعي الذاتي نفسه للأفراد الذين ينتسبون لهذا النمط من الوعي . أما الوعي الموضوعي الحر فإنه ينطلق من وعي ذاتي فردي متقدم و حر ثم يأتي الارتباط بالتيارات الفكرية المعبرة عن الوعي الموضوعي الحر ليجعل منه أكثر نضجا و تأثيرا .
الوعي الذاتي المأزوم لا يؤمن بالآخر سواء أكان الآخر شخصا أو حركة سياسية أو فكرا اجتماعيا مغايرا . وهو وعي يخشى الحوار لأنه يرى في الانغلاق على الذات وسيلة لحماية نقاء المنظومة الأيديولوجية . أما الوعي الموضوعي الحر فأنه يعدّ الآخر جزءا لا يتجزأ من عملية الوعي نفسها . لذلك فهو يحرص على الآخر ليس بوصفه عدوا بل بوصفه جهة يثمر الحوار معها نتائج إيجابية للطرفين . كما أنه يرى في تجارب الآخرين منهلا فكريا لا بد من الاستفادة منه .
الوعي الذاتي المأزوم يمثل غطاء للطموحات الشخصية و الزعامات الكارزمية لأنه يقوم على فلسفة القوة و الغلبة و هي فلسفة ترى أن الأمر بحاجة إلى شخصية تتجسد فيها آمال الأمة ؛ بينما يؤكد الوعي الموضوعي الحر على أن الحركة الاجتماعية أكبر من الأشخاص ، و أن الحراك التاريخي للمجتمع يتجاوز الأفراد لأنه نتاج صيرورة اجتماعية معقدة .
لعل ما أوردناه يشكل بداية متواضعة للإعادة البحث في أزمة الوعي التي نجد أنها جديرة بأن تحظى باهتمام المفكرين عامة ، و المهتمين بالفكر الاجتماعي خاصة . و نأمل أن تلقى منهم ما تستحقه من جهد فكري يسهم في تطوير رؤية أكثر رصانة لهذه القضية المهمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ