الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من النافذة

محمد النعاس

2013 / 10 / 20
الادب والفن


• أتذكر، في طفولتي الأولى اهتمامي الشديد بما يدور حولي من أشياء، كنت أدقق في تفاصيل التفاصيل وأندهش جداً من كل ما يستطيع التنفس غيري أنا ابن الإنسان، أتذكر أنني ذات صيف قمت بزراعة حديقة صغيرة من الذرة أعلى سطح المنزل، أصعد كل يوم صباحاً لأسقي نباتاتي الصغيرة وأشاهد نموها البطيء، كنت مأخوذاً بقدرتها على النمو داخل الرمل الذي لا يزيد طوله على قدم ونصف، كانت السيقان الخضراء تنمو وينمو الحبور داخل قلبي الأخضر الصغير الملفوف بعناية بيْدي الله، وكنت أجلس بجانبها الساعات أقوم فقط بملاحظتها وهي تنمو والحديث مع أوراقها التي تزداد طولاً، تلك النشوة الطفولية التي تنشأ داخلك.. كنتُ أملكها في عيني وثغري، وذات عشية صعدت للعلية لأجد نباتاتي الصغيرة قد اجتثت، كنت أرى أكواز الذرة التي بدأت في الخروج إلى عالمنا القاسي ملقاة على الأرضية الخرسانية الحارقة، السيقان التي بلغت طولي كانت مقطوعة الأشلاء ومبعثرة تحتي، كنتُ أبكي؛ أبكي بحرقة حتى أنّ دمعي كان يتبخر على الأرضية الساخنة التي كانت تزداد سخونةً، كانت أولى انكساراتي!

• أتذكر أيضاً تلك السلحفاة الصغيرة التي كانت تسرح وتمرح في جنان البيت، كنتُ أسميها " السيدة ملعقة" تيمناً بشخصية السيدة ملعقة الكارتونية، كانت صغيرة إلى حد يتوجب عليْ يومياً أن أبحث عنها منادياً عليها باسمها لأجدها متسللة تحت دولاب السيارة أو بين الخِرَب وداخل أزهار الدفلى أو تلك النباتات الأخرى التي لا أحفظ اسمها، تتقوقع داخل بيتها الجميل كأنها تختبئ منّي، أمسكها وأضعها على راحة يديْ القلقتيْن ثم أقوم بملاطفتها لكيْ تخرج، أسحب بعض الخضار لأستحثها على الخروج، فتخرج رأسها خائفة ومرتجفة ثم أضعها على حافة النافذة حتى لا تستطيع الهروب مني لكنّ أمي أو أختي الكبرى تلفتانها منه ، ذات مرة، وأنا أطعمها عضت إصبعي، بكيت، بكيت بحرقة حتى أنّ دمعي أزهر الدفلى، كانت هذه ثاني انكساراتي!

• ثالث هذه الانكسارات، كانت مع حيوان آخر، مجموعة من الأرانب اللطيفة بيضاء اللون تحصلنا عليها وأخي هدية من أحد أصدقاء والدي، كنتُ أتحرق شوقاً كل يوم للذهاب للمزرعة فقط لأطعمها البرسيم الذي أقوم بنزعه بالمنجل حيث أقطعها من منتصف الساق لأخلف غضب والدي خلفي، كانت أربعة من الأرانب ألقي البرسيم لأشاهدها تأكل وأمسك بأحدها لأضعه على فخذيْ المرتجفيْن وأمرر يدي على وبره الذي كان يبعث في بعض اللذة الخفية – ذلك النوع من اللذة الجنسية الذي يتأتى لك وأنت بين المراهقة والطفولة- ثم أضعه، وذات صباح صحوت باكراً لأصحب والدي إلى المزرعة، كان أول شيء أفكر فيه هو أرانبي اللطيفة التي وجدتها جثثاً متعفنة ولم يتبقى منها إلا واحد، كان في زاوية وحيداً عليه مسحة من الحزن يحاول أن يأكل ما تبقى من البرسيم، لم أعرف سبب موتها ولكني أتذكر أنني بكيت، بكيت حتى أنّ لذة خفية انبعثت مع دموعي.

• هناك انكسارات أخرى، مع عصفور دوري، مع مجموعة من الحمامات، انكسار حارق مع ألعاب الطفولة، وانكسار آخر انبعث من فرار جرو لي أهداه صديق أبي لي، انكسار عندما ثُقبت كرتي الأولى وعندما تحطمت دراجتي الأولى، وانكسار لا يُحتمَل عندما كنتُ أرى تلك الفتاة الصغيرة تلعب مع غيري من الأولاد دوني... انكسارات لا تحصى لكنها قد تبدو لذيذة.

• الله ما أجمل انكسارات الطفولة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!