الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب تكتب ايامها

جمال الهنداوي

2013 / 10 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تنسب الكثير من الامور للتاريخ, وفي موروثنا اللغوي نلصّق له العديد من الملحقات التي تتمايز حسب المثابات الني ننطلق منها في رؤيتنا للاحداث, فللتاريخ عندنا سجل وايام ووقائع ومفاخر, بل وحتى "مزبلة"تكون المكان الذي يوضع فيه ما يدان ويستحق هذا المآل من قبل الذاكرة الشعبية ويحكم عليه بالضعة والصغار الابدي.
وكذلك للتاريخ صفات وافعال فهو يقول ويرحم ويعلم,وبعض الأحداث توصف بأنها تاريخية للتأكيد على أهميتها، دون ان أن يعني هذا ان هناك من الحوادث ما هو غير تاريخي، ولا يوجد تعريف محدد للتاريخ, الا ان جميع الشعوب اتفقت على بديهية انه تعبير عن ذاك الماضي الذي مضى، وليس عن ذاك الذي سيأتي..
لكن التاريخ عند الشعوب العربية كان دائما ساحة تشتبك فيها الحوادث والوقائع التي غالبا ما تكون مادة للعبر والتفاخر بالهوية والانتماء، إلى جانب أنه كان يشكل كوة توجه انظاره نحو المستقبل بعد ان استغلقت امامه ابواب الحاضر المغيب بقوة الاستبداد والسلطة الغاشمة.
فالتاريخ كان دائما هو الدليل النابه الذي يقود الذهنية الشعبية نحو المستقبل والغد الافضل والمناقض للحاضر المحاصر بالتاريخ الآخر الذي يمثل استلالات السلطة من الحوادث الغابرة لما يؤسس لشرعية زائفة تلقي بثقلها على امن وكرامة وحياة الناس, وحتى تلك الوقائع المنتقاة كانت تغربل وتفرز وتخضع للرقيب المدقق وتقدم كاحجيات ملغزة عصية على الفهم-والتصديق- للشعب الذي يجد عزاءه فيما اختزنته الجوانح من ايام-وحتى اساطير- تتنقل بين الاذهان خلسة وشفاها كمنشور سري يناكف التاريخ السلطاني الذي لا يرى في الماضي الا ما يمتثل لاشتراطات الحكم الظالم، وسياسات الاستبداد.
فالانسان العاجز الواهن الذي افتضت كرامته سنين التسلط والديكتاتورية كان لا يجد له بطلا ومنقذا الا التاريخ الذي سيحاكم الظالم في يوم ما وسينتقم منه ولو في بطون الكتب,ولابد له ان يدوِّن جرائمه التي لا تقوى الناس على التهامس بها ولو بعد رحيله المحتوم عن هذه الحياة، وعندها تجد الشعوب عزاءها في كلمة التاريخ وحكمه العادل.
فالشعوب محاصرة بحاضر لا فكاك منه مأزوم بالعجز والقهر, وماضٍ مقنن مستلب من قبل الحكم وعسسه, وليس هناك الا في انتظار ما سيأتي, وما ستبشر به الايام حتما, لانها كلمة التاريخ والتي يجب ان يتردد صداها في جنبات الدهر مهما طالت الايام.
وقد يكون هذا الواقع الذي رزحت شعوب المنطقة تحت وطأته للكثير من الاعوام والحيوات والانفس هو السبب في فرادة اللحظة التاريخية التي بدأت بها الجماهير الوعي بالحاضر وبقدرة الارادة الشعبية الحرة في تغيير مسار الاحداث معلنة ولادة الزمن الجديد الذي يكتب فيه التاريخ بالحناجر الهاتفة الضاجة التي تملأ الساحات حالمة باستجابة القدر للايادي الصلبة التي تدق على ابواب الحياة, ولتلك الجموع التي تخرج مكشوفة الصدر والضمير غير عابئة بقوة البطش، ولا قسوة التخذيل الذي تفرضه الايام المكرورة الراكدة للحاضر الملغى المرفوض.
قد يقال الكثير في الاحتجاجات الشعبية التي ضجت بها ساحات وشوارع المنطقة, ولا نقسر على التاريخ حكمه في المآلات التي قد تستقر عندها الاحداث ولا في نتائجها على مستقبل الشعوب, ولكن حتى التاريخ, لن يكون في امكانه التغافل عن أن هذه الايام هي بداية مصالحة الجماهير مع حاضرها, وانها الاسطر الاولى التي تكتب بايدي الشعوب, معلنة حكمها الواعي الحر بالمستبدين والطغاة, وانها المرة الاولى التي تنتفض بها الارادة الشعبية على ممارسات الحكم القبلي العائلي الذي امتهن كرامة الانسان واسر مستقبله ضمن دائرة القهر والشعور بالنقص والعجز والخوف.
رعم كل شئ, ورغم كل ما سوف يقال , ولكنها ستظل المرة الاولى التي تنطق الشعوب بكلمة التاريخ وبحكمه, وتكتب رؤاها وهتافاتها واحلامهم في سفر ايامه, ولو بالكثير من العرق والدماء والاشلاء المقطعة على الارض التي لطالما احتضنت آمال الانسان بالحرية والحقوق ,والاهم بانصاف التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا


.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2




.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.