الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب السياسي والمجتمع الماقبل وطني

محمد الحاج ابراهيم

2005 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


نتيجة للتناحر الطائفي التاريخي بمعنييه الثقافي والعسكري،كان البحث من قبل العقلاء في كل المجتمعات عن حلول لهذا النوع من الصراعات حقنا للدماء أولا، وصناعة للتلاقح الثقافي ثانيا بغاية خلق مشترك متطور وعقلاني، يحد من هذه الحروب التي كلفت المجتمعات البشرية عبر التاريخ ضحايا من خيرة أبناءها وخسارات مادية كبيرة.
الأحزاب السياسية أُسِّست على مبادئ غايتها الفعلية توزع الناس والملل والطوائف عليها، لتُشكّل تقاطع جديد شبه متحرر من العقلية التي أدت إلى تلك الصراعات. هذا التقاطع بُني على مشاريع ثقافية وسياسية تعني المجتمع بكامل تنويعاته، توافق ذلك مع الحراك السياسي والعقائدي العالمي عبر الثورة الفرنسية والثورة البلشفية، مضافا لها حركات التحرر القومي والتقدمي.كل هذه الإنجازات الثورية كان لها منعكسها على الساحة العربية لكنها لم تنجح لأسباب عديدة منها:
الحركة الشيوعية العربية والسورية على وجه الخصوص التي قاربت بنضالها قرنا من الزمان دون تحقيق أية فرصة نجاح، وذلك بأسباب مشروعها القادم من تجربة لم تستوعبها ليتم تفعيلها في الواقع العربي أو السوري، فتشاكلت مع الدين وكأن مشكلتها حصرا معه،حيث لم تستطيع التفريق بين الدين المُعاش في وجدان الناس الذي يصنع قيما وأخلاقا صارت جزءا لا يتجزأ من حياتهم، وبين الدين صانع التناحر عبر الفهم المغلوط له باستخدامه سلاحا ضد الآخر الإنسان بما يحمل من رؤى فلسفية وفكرية وسياسية، فكان التبني لأسس تناحريه أُضيفت لتناحرات المُنشق الديني، مما زاد في الحالة التناحرية في الواقع بدلا من انحسارها على يد ثوار اليسار أصحاب الحقيقة المطلقة والمعرفة الكلية، يعني تم الانتقال من تناحرات واقتتالات الدين إلى تناحرات واقتتالات الفكر والسياسة مع الدين، وإن غرّبتُ المشروع الشيوعي عن الواقع فلأنه لم يتمكن من الانغراز فيه ليكون أحد تعبيراته، بل اختار الانفصال عنه للتمايز السلبي وليس الإيجابي، وهذا أحد أبرز أركان الهوية الشيوعية في الساحة العربية عموما باستثناء السودان، حيث كان الحزب الشيوعي السوداني كان أكثر عمقا وتحليلا ومعرفة بالاندماج في واقع كان جزء منه وأحد تعبيراته الاجتماعية الأساسية، وهذا بحد ذاته كان مفتقرا في المحطات اليسارية العربية الأخرى.
الحركة القومية العربية التي حملت في رحمها الدين والعلمانية حسب التعريف الخمسيني لها على أنها نقيضه، وتوزعت على المجتمع الماقبل وطني لتقاطعه بها من خلال تنويعاته فكانت تعبيرا عما يتطلع له المواطن العربي من وحدة قومية عربية تعيد أمجاد الأمة وتوقظها من جديد، لتتحرر من الاستعمار متجهة نحو صناعة القوة المطلوبة حماية لأراضيها ومكونها الثقافي من محاولات أعداء الأمة التخريب في كل مواضعها،كل هذه الشعارات لم تتمكن من خلق هذا المتحد، ولم تتمكن من تقدم المجتمع الماقبل وطني نحو تشكيل الدولة الوطنية الحديثة، بل أعادته لما كان عليه من تناحر أضيف له التناحر السياسي،فبعد أكثر من خمسين عاما على تمكن القوميين من السلطة مع كل الامكانيات التي توفرت لهم دون غيرهم،نجد القومي نفسه تائها بين العروبة والدين أوالطائفة أو القبيلة أو العشيرة التي لم يستطع وعيه التحرر منها، فبقيت ناظمه الخفي يظهر لدى كل حالة تحدي من الواقع أو الخصوم الذين افترضهم، ومامرد ذلك إلا لأن الوعي القومي لم يستطع أن يكون بديلا، بسبب انتكاساته وهزائمه المتكررة في تاريخ العرب الحديث بدءأ من حرب 48و56 و61و67وصولا إلى احتلال العراق وخروج القوات السورية من لبنان، وبسبب من ذهنية الاستبداد التي تحكمت بالبلاد عبر إلغاء الحياة السياسية بإلغاء الأحزاب إبان الوحدة بين سوريا ومصر واستلام البعث السلطه في كل من العراق شباط 963 وسوريا آذار 963 بظل حكم حزب واحد قاد الدولة والمجتمع، وغيب السياسة الجادة عبر استزلام قادة أحزاب في جبهة لاحول لها ولاقوه، كذلك ماحدث في ليبيا 69 وسودان النميري عام 69،كل ذلك أدى إلى حالة من الاحباط لدى المواطن العربي القومي فدفع كتلة منه نحو دور العباده كردة فعل سلبية، والكتلة الأخرى نحو الماركسية وأحزابها التي تعاني نفس مايعاني منه بقية القوى السياسية في الساحة العربية، وبهذا لم تتمكن الأحزاب القومية من أن تعدل الماقبل وطني إلى بديل وطني بل العكس.
التيار الديني بشقيه الإسلامي والمسيحي اللذين بقيا على حالهما دون التقدم باتجاه الحوار لخلق المشترك المعاش، الذي صار ضرورة العيش المشترك دون تكفير،من منطلق الاعتراف المتبادل بالرسائل السماوية المنزلة من الخالق على نبييه بل بقيت الأحكام على أساس الوراثة الحكميه.
التيار الديني الإسلامي الذي يُشكل الحالة الإسلامية العامة بشقيها(السني ومذاهبه والشيعي وطوائفه)، واللذين لم يتحررا من تكفير الآخر باستخدام مفردات التكفير الاستعمارية التي استخدمها المستعمر الفرنسي وقبله التركي بحق جميع الملل والطوائف والمذاهب، ولم تُستثنى واحدة منها من توصيف فيه أذية أو إساءة لها، وهومايُعتمد حتى اللحظة بتوصيف فئة(ما) لتحديدها أخلاقيا وعمالة ونضالا، وهذا متوفر على الساحة العربية والإسلامية كلها في كل الديار.
ماهي نتائج نضال هذه الأحزاب؟ وإلى أي حد طورت وعي المواطن نحو الإنتماءللوطن، خروجا من الانتماءات الماقبل وطنيه؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من التأكيد على أن الأحزاب شكلت كتلا بشرية غير متحررة من إرثها التقليدي، ولم تندمج بالوطن الذي تنشده وتتحدث عنه برامجها الفكرية والسياسية، بل شكلت حالة بديلة للطائفية التي نُعبّر عنها بالحالة الماقبل وطنية والتي تعني الانغلاق على نفسها، ولم تكن أحزابا سياسية إلا نظريا، لذلك على المجتمع مجددا أن يسعى نحو إنتاج الدولة الحديثة المتحررة من عقدة الطائفية والحزب غير المندمج بالوطن، فالصراع تحرر من العنف لكنه لم يُنتج دافعا يخلق مشتركا حقيقيا، إذ حتى الآن لم تتفق الأحزاب على تشجير طريق يخلق متعة للمواطن، فما أن يسعى أحدها للقيام بعمل يخدم فيه المجتمع حتى يعترضه آخر ويعيق هذه الفكرة، وبالتالي لافرق بين الحزب والطائفة بالمعايير الوطنية فالكل يعتمد مبدأ(إن لم أكن أنا الصواب فالآخر مخطئ حكما).
لو تابعنا حالة الانشقاقات التي تعرضت لها العديد من الأحزاب، ودققنا في التقييم الأخلاقي أو الفكري الصرف أو المعتقدي أو السياسي لكل طرف منشق أم أصيل، لسمعنا تعهير وتخوين كل طرف للآخر بشكل مريع، ولو كان للخارج حضور لعلمّنا مفردات من التخوين والتوصيف لاتقل بذاءة عن تلك التي تخص الطوائف وغيرها من الملل التي تُشكّل مجتمعنا، والتي تصنع حساسيات مجتمعية وفردية بوقت واحد وهذا له دلالات غير مُطمئنة من أن العقل السياسي لم يكن سياسيا وطنيا، بل كان سياسيا لكن ما قبل وطني.
التنوع والاختلاف بين القوى والأفراد خاضع لطبيعة الحياة، لكن الأذية والتخوين والتوصيف غير المعقول خاضع لإرادة الفرد العادي أو الذي يُمثل حزبا، أي لتخلف هذا الحزب أو ذاك أو هذا الفرد أو ذاك، إذ أن المتحد الوطني يصنعه أبناء الوطن وليس بعضهم، ولا يجوز من باب الأمانة الوطنية مصادرة مواطن أو حزب منشق صار معه خلاف، لأن لكل وجهة نظره وتحليله وتقديره، والعمل الوطني ليس قالبا يُصب فيه المواطنين على ضوء رؤية البعض لهذا العمل، وهذا ما يأخذنا نحو الديمقراطية التي تمنح الجميع حريتهم وليس بعض هذا الجميع، لكنها ذهنية الوصاية التي يفوض البعض نفسه بها لرسم الحدود وشكل الحزب وهيكله وفكره، وكأن لاأحد في هذا الكون غير هذا الوصي على البشر، ليرسم ويقرر ويحدد الكافر من المؤمن والوطني من غير الوطني.
مقارنة نقدية بين المجتمع الماقبل وطني الطائفي والسياسي
من خلال التجربة المريرة في الواقع المكون من الطوائف والأحزاب السياسية الماقبل وطنيه لم أجد فارقا كبيرا بينهما، بل على العكس فإن المجتمع الماقبل وطني الطائفي لا يختلف كثيرا عن المجتمع الماقبل وطني السياسي عندما لايبني فردا ومواطنا على أساس الحرية، وحالة الانغلاق التي يفرضها الحزب السياسي على نفسه تجعل منه حالة خاضعة لمفهوم الأقلية أو الأكثرية الطائفية، التي لاتكبر ولاتصغر بحكم انغلاقها، وهذا ما يدفع بالمواطن المنتمي للعودة للجذور التي يجد حمايته بها، وهو الموروث الديني بكل تنويعاته أكثر من الحزب السياسي المتخلف المتبني فكر انقلابي طوارئي، الذي يُخطّىء الآخر على أُسس مفترضة وليست حقيقية، وهذا مرتبط إلى حد بعيد بمدى التصاق الحزب السياسي بفكره ذو التوجه المجتمعي العام، وأداءه السياسي ذو الخدمة المجتمعية العامة التي تُربّي العضو على الوطنية العامة وليست المقولبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط