الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يكفي أنْ يريد الشعب شيئاً!

جواد البشيتي

2013 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
أربع كلمات مُزَلْزِلَة مُدَوِّيَة مَيَّزَت ما اصطُلِح على تسميته "الربيع العربي"، أيْ الشعوب العربية في "ربيعها السياسي الثوري"، والحكومات العربية الاستبدادية في "خريفها السياسي ـ التاريخي"؛ وهذه الكلمات هي "الشعب يريد إسقاط النظام".
ومع أنَّ "الربيع العربي"، بمعانيه الإيجابية، من وجهة نظر ثورية عامَّة، بدأ، ولم ينتهِ بَعْد؛ لكونه "عملية سياسية ـ تاريخية"، على ما أرى، فإنَّ "تجربته العملية (الواقعية)" أَتَت، حتى الآن، بما ينبغي لكل الحريصين عليه، وعلى ما اندلع من أجله، أنْ يَعْلَموا ويتأكَّدوا أنَّ عبارة "الشعب يريد"، ولو أَطْلَقَتْها حناجر عشرات الآلاف من الشباب الثوري الذين نزلوا إلى الشوارع، واحتشدوا واعتصموا في الميادين، لا تكفي، على أهميتها، لجعل "التغيير" الذي يريدون وينشدون، ولو في "صورته العامة"، والذي يبدأ، ويجب أنْ يبدأ، بـ "إسقاط النظام"، في متناول أيديهم؛ فَهُمْ كانوا كمثل من خَرَج إلى "الحرب (وأيُّ حربٍ)" مُصَلِّياً؛ لكن أَعْزَل من "السلاح"، بمعانيه غير العسكرية.
و"الشعب"، كالمَرْء، لا يكفي أنْ "يريد" حتى يصل إلى ما يريد؛ فإنَّ إجابته (وبلسان أحزاب سياسية تمثِّله وتقوده) عن سؤال "كيف أَصِلْ إلى ما أُريد؟"، هي وحدها "الميزان" الذي به يَزِن "واقعية" ما يريد، و"الطريق"، التي إنْ سار فيه، من ثمَّ، يَصِل إلى ما يريد، ولو كان دُون كل، أو جُل، ما أراد؛ فكثيراً ما أراد المرء شيئاً، وسعى إليه، لتَذْهَب "النتيجة النهائية العملية (الواقعية)" بما أراد، وتوقَّع؛ وكأنَّ يداً تشبه يد "القضاء والقدر" هي التي كانت لها السيادة في العمل والفعل.
ولو نَظَرَ "الشعب (في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية)" في "النتائج"، التي تمخَّض عنها (حتى الآن) نزوله إلى الشارع، صارِخاً "الشعب يريد"، وسأَلَ نفسه "هل هذا ما أَردت؟"، لتبيَّن له، وتأكَّد، من طريق "إجابته الموضوعية"، أنَّ جُلَّ ما حَدَثَ ووَقَع لا يُمت إلى ما أراد بصلة، وأنَّ "الإرادة وحدها"، ولو كانت إرادة شعوب، لا تكفي لعبورٍ، يشبه لجهة عواقبه أنْ يريد إنسانٌ ما عبور النهر "مشياً على قدميه"!
لقد نزل "الشعب (بشبابه على وجه الخصوص)" إلى "الشارع"، عارياً من أحزاب سياسية تمثِّله (في مطالب وغايات تسمو به دائماً عن كا انقسام، أو تعصُّب، مُدمِّرٍ لوحدته، ولدولة المواطَنَة التي كانت على هيئة جنين في دافعه الثوري) وتعرف كيف تقوده، صعوداً وهبوطاً، فتُرِكَ "الميدان"، مع الشعب الذي ركَّز في هذا الميدان قواه الشبابية الثورية، لـ "مؤسَّستين اثنتين" تَحَكَّمتا دائماً في حياتنا السياسية، في تصالحهما، وفي تعاركهما، ألا وهما: "المؤسَّسة العسكرية "، و"المؤسَّسة السياسية الحزبية الدينية (الإسلامية)".
لم يكن لدينا في حياتنا السياسية إلاَّ "الدكتاتور"، الذي جَعَل الدولة دولته هو، و"المؤسَّسة العسكرية، والتي لاشتغالها بالسياسة أكثر من الساسة كانت "الحزب السياسي الأوَّل" في البلاد، و"المؤسَّسة الحزبية الدينية (الإسلامية)"، التي استثمرت "رأسمالها السياسي" في "التربة الشعبية الدينية الخصبة"، فاقتسمت (موضوعياً) مع "الدكتاتور" السلطة، فكان له ما "فَوْق الأرض"، وكان لها ما "تحت الأرض"، في عهود طويلة من "نشاطها السِّري"؛ وإذا كانت "المؤسَّسة العسكرية (مع حليفتها "المؤسَّسة الأمنية")" قد احتكرت وسائل "فنِّ الإكراه"، فإنَّ "المؤسَّسة الحزبية الدينية" احتكرت وسائل "فن الإقناع (الشعبي)"، نافِثَةً في روع العامة من المواطنين أنْ لا خلاص للشعب إلاَّ من طريق "تسييس الدين (وتديين السياسة)".
وكانت "العاقبة"، التي تمخَّض عنها "الحراك الشعبي الشبابي الثوري (المُفْتَقِر إلى التنظيم، وإلى أحزاب سياسية، من جِنْس مطالبه وغاياته ودوافعه، تقوده)"، هذا "الخَلْع المزدوَج"؛ فـ "المؤسَّسة العسكرية" خَلَعَت "الدكتاتور" حتى لا يخلعها الشعب معه، وحتى تَقِي نفسها (وقيادتها البيروقراطية على وجه الخصوص) شرور التعاظُم الشعبي الثوري؛ أمَّا "المؤسَّسة الحزبية الدينية (الإسلامية)" فخَلَعَت "الشباب الثوري"، بما يُمثِّل من مطالب وغايات، يمكن، لو وجَدَت لها "روافع حزبية قوية"، أنْ تُبْتَنى منها "الدولة الديمقراطية المدنية (دولة المواطَنَة)"، والتي تَنازَعَت جسدها (بما نَزَعَ منها الروح) "المؤسَّستان العسكرية والدينية"؛ ولقد تَنازَعتا، في نزاعهما الذي قوَّض أساس "الدولة الديمقراطية المدنية"، الهيمنة على "الطرف الثالث"، ألا وهو "الشباب الثوري الديمقراطي"، فأُضيفَ التمزُّق في صفوفه إلى افتقاره إلى الأداة التنظيمية والحزبية الخاصة به.
ومع تمزُّق وانهيار القوَّة الشعبية الشبابية الثورية لـ "الربيع العربي"، واشتداد وتفاقُم "صراع السلطة" بين "المؤسَّستين العسكرية والدينية"، نَزَلَ إلى "الملعب" لاعبون دوليون وإقليميون كبارٌ، فاختلطت اختلاطاً مدمِّراً (لـ "الربيع العربي") مصالح فئوية ضيِّقة بمصالح دولية وإقليمية قوية بما يكفي لتسيير رياح التغيير بما تشتهي سُفُناً دولية وإقليمية ما كان لها أنْ تُبْحِر في مياه "الربيع العربي" نفسه، أو ترسو في موانئه.
لقد أراد الشعب "الحرية"، التي تبدأ بإسقاط النظام؛ لكنه لم يحصل منها إلاَّ على نَزْرٍ يَعْدِل نَزْر "وعيه للضرورة"؛ أمَّا "النظام" الذي أسقطه فلم يكن إلاَّ بـ "معناه اللغوي"، أيْ "ضديد الفوضى"؛ ومع ذلك، وربَّما بفضل ذلك، سيتعلَّم الشعب "كيف يَصِل إلى ما يريد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرشحو الدورة الثانية للانتخابات الفرنسية يحاولون جذب أصوات ا


.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي يسيطر على أكثر من ربع قطاع غزة| #نيو




.. إسرائيل توافق على أكبر عملية مصادرة لأراضي الضفة الغربية منذ


.. الإصلاحي بزشكيان والمحافظ جليلي.. تعرف على مرشحي رئاسة إيران




.. الجيش الإسرائيلي يواصل حرق منازل بحي الشجاعية شرق مدينة غزة