الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تؤثر تكنولوجيا المعلومات في قدرة الإنسان على التفكير؟

جودت هوشيار
كاتب

2013 / 10 / 21
العولمة وتطورات العالم المعاصر


التغير المستمر في وسائل الأعلام تحت ضغط ثورة تكنولوجيا المعلومات، يؤثر، ليس في طرق الحصول على المعلومات فقط، بل في عملية التفكير أيضاً. واذا رجعنا الى الوراء قليلا، نجد أن اختراع الآلة الطباعة سنة 1450م، من قبل يوهان غوتنبرغ (1398- 1468م). قد غير أسلوب تفكير المجتمع بأسره. واجبر الناس لأول مرة على التركيز على افكار محددة. والذي كان سابقاً حكراً على النخب العلمية والثقافية ورجال الدين، أصبح بعد ظهور الطباعة ميسورا لكل المجتمع. آلة الطباعة لعبت دورا بالغ الأهمية في تطور نماذج تفكير جديدة غيرت المجتمع في القرون اللاحقة، واليوم نجد شبكة الإنترنيت تلعب دورا لا يقل أهمية عن اختراع الطباعة في تغيير المجتمع.

إن أهم ما تتميز به شبكة الإنترنيت عن وسائل الإعلام الأخرى مثل الراديو والتلفزيون، ليس نقل الصوت والصورة فقط، بل انتاج النص ايضاً. والنص المكتوب يلعب دوراً جد مهم في التطور الفكري والثقافي للإنسان. وحتى وقت قريب كان النص ينتشر بشكله المطبوع، وكان القاريء يغرق في عالم المؤلف ويتأمل أفكاره، وبظهور الأنترنيت أخذ النص ينتشر بشكله الألكتروني، كما الصوت والصورة، وبهذا رجع الإنسان الى عادته القديمة أي الى التفكير العشوائي، وتلقي المعلومات على نحو سريع وسطحي.

لماذا يحدث كل ذلك ؟ يقول العلماء ان دماغ الإنسان يتمتع بمرونة عالية ويستطيع التكيف مع الظروف المستجدة. وكان عالم وسائل الاتصال الجماهيري -الكندي -مارشال ماكلوهان(1911 ـ 1980م) اول من بيَن كيف أن التكنولوجيا تغير وعينا ببطء ولكن بثبات.

وقد أجريت خلال السنوات الأخيرة أبحاث كثيرة حول تأثير التكنولوجيا الحديثة وبخاصة الإنترنيت في الدماغ البشري وظهرت كتب عديدة من بينها كتاب «المياه الضحلة»(The Shallows) لنيكولاس كارر. ويعد العلماء هذا التأثير مسألة مهمة وجادة لسببين:

-الأول، تعاظم قدرة البحث عن المعلومات وتلقي كم هائل منها ومعالجتها، عن طريق محركات البحث في الإنترنيت (غوغل، ياهو، اوبرا، يانديكس وغيرها كثير).

ثانيا، أصبحنا قادرين على القيام بعدة مهام في آن واحد بأستخدام الكومبيوتر والأجهزة الذكية، مثل كتابة وصياغة نصوص ،إجراء حوارات عبر الشات في الفيسبوك، تبادل الرسائل عبر الإيميل، وقراءة آخر الأخبار في التويتر. ولكن في الوقت نفسه، نفقد معظم قدراتنا علي الأنتباه والتركيز والتأمل والتحليل المعمق، ولن يكون بوسعنا التفكير بهدوء في أمر محدد واحد، ومن يعيش في العالم الإفتراضي أو يقضي ساعات طويلة في تصفح المواقع الألكترونية ونوافذها الكثيرة وروابطها المتعددة، لن تكون لديه الرغبة في قراءة الكتب الجادة وتأمل محتواها.

ان الحصول الفوري على المعلومات وتدفق تيارات غزيرة ومتنوعة منها، عبر نوافذ كثيرة -عن طريق محركات البحث- قد ادى الى انخفاض القدرة على تذكرها وحفظها لمدة طويلة. ولم يعد لدى المتصفح الوقت الكافي والرغبة في قراءة النصوص المطولة، ولهذا السبب لجأ بعض المواقع الألكترونية الأجنبية الى نشر نصوص لا يزيد طول احداها عن (400) حرفاً. ومع كل هذا التأثير السلبي لتكنولوجيا المعلومات، فمن الصعب العيش بمعزل عن شبكة الإنترنيت، التي أخذت تقتحم كل مجالات الحياة وأصبحت النافذة التي يطل منها الإنسان المعاصر على ما يحدث في العالم من حولنا في شتى المجالات الفكرية والعلمية والثقافية والسياسية والإجتماعية، ناهيك عما توفره الشبكة من شتى أشكال التسلية والترفيه.

القدرة على التفكير تعني في المقام الأول استخدام المعارف المتوفرة للتوصل الى استنتاجات منطقية أكثر تعقيداً، واذا أردنا تبسيط الأمر، يمكننا القول ان نوعية الإستنتاجات الفكرية هي حاصل ضرب للمعرفة في القدرة التفكيرية. وبتعبير آخر لا يمكنك الحصول على استنتاجات صحيحة، الا بأستخدام كلا العاملين معاً على حد سواء، وحتى اذا كانت لديك معرفة واسعة فلن تكون قادراً على تنظيمها بشكل صحيح من دون القدرة على التفكير بنفس المستوى، وفي نهاية المطاف تحصل على كومة مواد مهضومة الى هذا الحد او ذاك ولكن مكدسة في كومة غير متجانسة، ومن جهة ثانية مهما كانت قدراتك العقلية عظيمة فإن عملك الفكري لن يكون اكثر من مجرد تعبير عن الرأي، اذا لم يستند الى المعرفة.

الثورة الصناعية الأولى وفرت للإنسان وسائط نقل جديدة مثل القطار والسيارة وأدت الى اضعاف قدرات الإنسان الجسدية والحركية والى تغيير مظهره الخارجي، وقد انتبه الناس الى التأثير السلبي لهذه الوسائط على أبدانهم ولجأ الكثير منهم الى ممارسة رياضة المشي والركض لتدريب الجسم والتغلب على الضعف الذي لحق به. ما يحدث اليوم نتيجة لثورة تكنولوجيا المعلومات، ربما أشد خطورة، لأنه يحرمنا القدرة على التركيز والتفكير، وبعد سنوات قليلة ستكون الحاجة ماسة الى وسائل جديدة لتدريب الدماغ الإنساني.


j








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز