الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب الدينى و الدولة الرأسمالية

أحمد أبوزيد

2013 / 10 / 21
الارهاب, الحرب والسلام


إن معركة دولة ضد إرهاب يستند الى أفكار رجعية عنصرية، هى معركة خاضعة بالأساس لعقيدة تلك الدولة السياسية، وانحيازاتها الاجتماعية، و الاقتصادية ، قبل أن تكون خاضعة لطبيعة قوى الارهاب، ومدى قدرته على نشر الرعب والفوضى فى المجتمع. فانحياز الدولة السياسى والاجتماعى وبكلمة واحدة "الطبقى" هو ما يشكل طبيعة الصراع ورد الفعل ضد أية مهددات للمجتمع، فإذا كانت الدولة تشكل بإنحيازاتها الاجتماعية ظلما وتهميشا لطبقة ما فى المجتمع، هى الغالبية العظمى منه، وفى المقابل توجد أقلية تتمتع بكافة الامتيازات، بل تصيغ وتتحكم فى سياسات هذه الدولة، فهى بذلك قد خلقت لها خصما تعلم جيدا أنها لن تستطيع الصمود تجاه انتفاضاته بدون العمل على إرباكه، و إضعاف أية قدرات محتملة له سواء فى الحاضر أو فى المستقبل، وبالتالى فهى تستمر فى قمع وإهمال خصمها الاجتماعى بكل الوسائل الممكنة. تلك الوسائل ليست بالضرورة التى تشمل الاعتقالات السياسية و قمع المظاهرات و فقط، ولكنها تعمل بنهج فعال، على رعاية الجهل، و تزييف وعى الجماهير تجاه حلول القضايا المجتمعية الملحة، كالحق فى المساواة، و الصحة، و التعليم، و المسكن، و باقى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بالأساس، هذا التزييف ليس بالضرورة موجها لخصمها الاجتماعى من الجماهير وفقط، ولكنه موجه الى جميع الطبقات الاجتماعية، خوفا من تعاطف وتأييد البعض لمثل هذه الحقوق، حتى وإن كانوا ممن يحصلون عليها بطبيعة الحال دون أى عناء.

إن أزمات الفقر، والبطالة، و البحث عن مسكن آدمى، وغيرها من أزمات تلك الدولة المنحازة لأقليه على حساب أغلبية، هى محاور الصراع اليومى للجماهير ضد سلطة الدولة السياسية، و لا تستطيع الدولة المواجهة، أو الاستمرار فى هذا الصراع، بدون تحييد الجانب الأكبر من الجماهير الممتعضة من بؤس الظروف الإجتماعية أو توجيهها الى عدو وهمى. الدين، و الأمية، و الجهل بالحقوق، والخوف من الأسوأ، و تقسيم حركة الجماهير المنتفضة، هم أسلحة يتفاوت استخدامها فى الصراع، وفقا لطبيعة كل مجتمع، ومعطيات هذا الصراع، ففى مجتمعاتنا العربية، يشكل الدين أهم عوامل إرباك الانتفاضة، بين أوساط كثيرة فى المجتمع، وعلى جانب آخر نرى استفزاز الدولة للمشاعر الوطنية لدى شريحة كبرى من الجماهير، عامل آخر يأتى بالسلب على تلك الانتفاضة، و من خلال هذه العملية ، يمكن للعاملين معا أن يدفعا باستقطاب آخر فى المجتمع، فيذهب كل طرف لينحاز ضد الآخر، مبتعدين عن طبيعة الصراع، و عدوهم الحقيقى، و المصلحة المشتركة التى تجمعهم.

تأتى ظاهرة الإرهاب الدينى، نتيجة طبيعية لمحاولات إرباك الإنتفاضة التى يقوم بها نظام الدولة القائم، فالجهل ، والفقر، والظلم الاجتماعى المستمر، والاحباط، يدفعون بالبعض الى الاحتماء بالدين، و ما يبشرهم به شيوخه، وتلعب التنظيمات والأحزاب الدينية تحت أنظار "الدولة" دورا أساسيا فى تحفيز وتنشيط هذا الاتجاه، وليس بالضرورة أن توجد هذه الظاهرة بمبادرة بعض الجماهير من تلقاء نفسها، ولكن من الممكن أن تساعد الدولة نفسها فى نموها، بل التحكم والتسويق لها أيضا، و بهذا يتم إنهاك المجتمع فى خوض حروبه ضد الرجعية و التمييز الدينى، وقضايا تؤجل و تضعف صراع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجماهير، ولكنها باتت مفروضة عليها بطبيعة الحال بكونها أصبحت جزءا من الصراع، لذلك فالدولة ونظامها السياسى، ومؤسساتها المتهربة باستمرار من خوض الصراع على أساس طبقى اجتماعى، هى المستفيد الأكبر من تلك الظاهرة، فهى من صنعتها بطريقة أو بأخرى، وهى تحيا على وقود هذه الحرب، ففى خضامها يزداد احتياج الجماهير للأمان، والعنف المسلح الذى تحتكره الدولة بطبيعة الحال، ويتم التسويق لخطاب اعلامى يعمل على استفزاز مشاعر الوطنية لدى الجماهير، بل و حشدها أحيانا للتصدى الى خطر الارهاب الذى يهدد المجتمع، و حثها على الحفاظ على المجتمع و "الدولة" وتماسكهما، وبذلك يتم تحييد جانب كبير ممن شاركوا فى انتفاضات اجتماعية سابقة، أو ممن يحتمل أن يشارك فى انتفاضات مستقبلية، يتم تحييدهم نظرا للظروف الجديدة و الحرب المدبرة التى اوقعت بهم وأضعفت انتفاضتهم الاجتماعية ضد الدولة الى حين.

إن سياسات دولة فى ظل نظام اقتصادى ينحاز دائما الى أقلية تحتكر كافة الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية ، تخلق على النقيض منها طبقة مفقرة، و مجهلة، تشكل الأغلبية، سياسات تجعل من هذه الدولة كيانا راعيا لأية وسيلة تعمل على تشتيت و إرباك انتفاضة هذه الطبقة المفقرة ضد سياسات تلك الدولة ، و الطبقة التى تصيغ تلك السياسات. إن القضاء على الارهاب الدينى لا يستدعى خطابات مزيفة عن الوطنية، أو ربما اتهامات متبادلة بالتواطؤ، أو إرهاب مقابل "للجميع" من قبل الدولة وأجهزتها الأمنية ، بقدر ما يستدعى انحيازا اجتماعيا واضحا لأغلبية المجتمع من المفقرين والمجهلين، و سياسات واضحة و محددة، ينتج عنها توفير مسكن، و فرص عمل، و تعليم جيد، وضمان اجتماعى، و علاج ملائم للجميع، دون تفرقة، مساواة فى الفرص، و رعاية للظروف الاجتماعية والاقتصادية للجميع، وحدها العدالة والمساواة فى الحقوق، هى من تقضى على الفقر، و الجهل، وما ينتج عنهما من ظواهر، تعيق تطور المجتمع، وتلهيه عن تحدياته الأساسية والتاريخية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط