الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حدجنة السياسة من داخل القبة البرلمانية-

ياسين كريكر

2013 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



تشهد اليوم حدجنة السياسة من داخل القبة البرلمانية، تحولاً مهماً في طبيعة الاغتيالات السياسية بين التاريخ والأزمنة الحديثة. ويكاد يكون ثمة إجماع على أن الاغتيالات كانت، قبل صعود الديمقراطية الشكلية الأوروبية، تتوجه بشكل أكبر إلى المستبدين والحكام والأعداء خارج فضاء السيطرة. أي خارج الأراضي التي يمكن للدولة استخدامها للمحاسبة والمعاقبة. في حين أنها أصبحت في الأزمنة الحديثة موضوع شراكة بين الظالم والمظلوم والحاكم ومعارضيه. ببساطة، يعزى أمر ذلك إلى اتساع فضاءات العمل العام خارج قيود السلطة الحاكمة واتساع نفوذها وامتلاكها الشرعية السياسية والقانونية التي تحول دون الاعتقال أو الملاحقة، ما يضطر السلطة السياسية الحاكمة والجماعات المنظمة، اقتصادية أو سياسية أو عقائدية، للجوء أكثر فأكثر إلى أساليب خارجة عن القانون. هذا الخروج عن القانون يخضع، مع توافر الوسائل الرخيصة للقتل، لما يمكن تسميته "دمقرطة" الموت. بتعبير آخر، دخول قانون نيوتن للفعل ورد الفعل بقوة في الوقائع المجتمعية، كون القدرة على المحاسبة كقضية الأمن، مسألة نسبية.
يخوض الناس اليوم في مضاربات لا منتهية عن السيناريو الذي سيوضع قيد التنفيذ من قبل السلطة أو أصحاب القرار فيها. وواضح أن علامات الاستفهام التي غرق المحللون في محاولات الإجابة عليها هي: هل السيناريو هو التمديد للرئيس خارج حدود الظل في اقتراحاته اليومية من داخل القبة، تعد منتهكا للحقوق التي نادت بها الثورة الفرنسية على رأسها جان جاك روسو، أم هو سيناريو آخر جديد؟ أنا لا أدري ولكن أعرف أن هناك ما لا ينبغي أن يحدث. ما لا ينبغي أن يحدث هو تنظيم انتخابات رئاسية وتزويرها مرة أخرى. تلك ستكون كارثة أخرى. وما ينبغي تفاديه أيضا هو انتقال السلطة إلى جماعات المصالح المتحالفة مع أطراف نفوذ سلطوي في الرئاسة أو في غيرها. إن ما حدث في تونس ومصر بالخصوص يعلمنا أن احتكار السلطة وما ينتهي إليه من فساد ومن احتكار للثروة، يؤدي بالضرورة للانهيار ويؤدي إلى الفوضى السياسية والحلول المكلفة جدا. لهذا لا ينبغي تكرار سيناريو انتخابات رئاسية غير مضمونة النزاهة والمصداقية مهما كان اسم المرشح أو حتى المرشحين الذين ترضى عنهم السلط.
ولكن هل يمكن القول باطمئنان كبير اليوم إن شروط انتخابات حرة قد توفرت؟ هل هناك ساحة سياسية فاعلة ومؤثرة مستقلة تماما عن السلطة أو عن عصبها وعن المصالح التي تتحلق حولها؟ وهل هناك زعيم سياسي قادر على بناء توافق وطني، سواء رئيس خارج الظل، أو اسم آخر؟ مقابل هذا هل هناك رغبة في بناء توافق سياسي وطني، وحول ماذا، وحول من، وكيف، وهل هناك قدرة على إنجاز مثل هذا التوافق من داخل القبة البرلمانية.
الإشكالية اليوم ليست في المفاضلة بين اسم وآخر، وليست في التحالفات التي يمكن أن تبنى في كواليس السلطة والدوائر المختلفة المؤثرة، مهما كان التوجه الذي ستأخذه. لا تلك مشكلة وليست الإشكالية الحقيقية، بل هناك أشياء خارج الظل يعرفها المتمعن في كنه رواقها.
لأن الحكمة والواقعية تحتم اليوم بدء عملية إعادة بناء الدولة وشرط ذلك إعادة بناء المجال السياسي، وهو في حاجة لمسار سياسي آخر، بل أقول إنه في حاجة للتوافق على موعد بداية في اليوم والزمن. الدولة اليوم تقريبا بلا مؤسسات. وتكاليف الاستيراد بلغت حدا مخيفا والتبذير والنهب والاستحواذ صار نظاما.
فهل في البلاد من يملك ما يكفي من الحكمة وما يكفي من السلطة وما يكفي من النزاهة وما يكفي من حب الوطن، لكي يعمل على إطلاق مسار سياسي آخر يقوم على توافق بين السلطة والمصالح ومختلف القوى الاجتماعية؟ لست أدري ولكن بكل الواقعية التي تتطلبها النزاهة الذهنية أقول: المخارج التي يتطوع البعض باقتراحها تقوم كلها على منطق واحد وهو منطق سلطوي غير سياسي وغير وطني. انتظار ما سينتهي إليه صراع الأجنحة، أو انتظار ما ستستقر عليه الرغبات السلطوية للرئيس.
هذا المنطق هو المشكلة ولا بد من الخروج منه. منطق التلاعب داخل القبة البرلمانية، حتى ينطبق مع رغبات أو مع حسابات ومنطق التجارة السياسية وانفراد مجموعة من أصحاب السلطة والنفوذ والمصالح التي توجههم أو تلك التي صنعوها ويحركونها، ومنطق إقصاء عصبة لأخرى أو حتى لعصب أخرى، كل هذا المنطق يشكل مشكلة المشكلات.
لا أرى من مخرج غير منطق سياسي آخر ومسار سياسي جديد يقوم على منطق سياسي وطني بل أقول منطق إنقاذي توافقي، لأن المغرب صار فعلا في حاجة عاجلة للخروج من هذا المنطق ومن كل محاولات الاستحواذ الواضحة ومن كل محاولات الإقصاء ومن كل الرغبات السلطوية، لتبدأ مرحلة جديدة بمسار جديد. ولتكن مرحلة انتقالية أخرى خير من تكرار منطق التزوير والترقيع والتحايل على التاريخ والناس والتلاعب باستقرار البلاد.
كل هذه الأشياء إذا انساقت خارج القضاء تعتبر انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، حيث يمكن القول إن الاغتيال السياسي يشكل واحدا من أهم تعبيراته على الصعيد العالمي. هذه الظاهرة عالمية الطابع للأسف، على رغم إدانتها من قبل الفلسفات والأديان الكبرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ثاني يوم لزيارته: بوتين يؤكد الرغبة بزيادة التعاون مع الص


.. المحامون غاضبون في تونس • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أجرى عملية لطفل فقد 3 من أطرافه.. طبيب أمريكي محاصر في غزة ي


.. تواصل أعمال النسخة الـ 29 من معرض الكتاب في المغرب وسط إقبال




.. تقدم ساحق لروسيا في أوكرانيا والناتو يهب للنجدة... فهل تحدث