الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن يموت فينا الأمل … ولكن!

رمضان متولي

2005 / 5 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا أستطيع حتى أن أسترجع ما حدث يوم الأربعاء الحزين، يوم الاستفتاء المسخرة على تعديل المادة 76 من الدستور، وما جرى فيه على الملأ.

كلنا نعلم أن مصر تحكمها عصابة، لصوص وبلطجية لا تردعهم قيم ولا أخلاق ولا قوانين، وأنهم يمارسون أبشع ألوان التعذيب والتنكيل بالمعارضين وغير المعارضين، والذي يصل إلى حد القتل في أقسام الشرطة على أيدي الزبانية، وفي السجون.

ولم يكن ما حدث لمظاهرة كفاية أمام نقابة الصحفيين وضريح سعد زغلول أو مرة تمارس فيها العصابة التي تحكم مصر هذا السلوك، فقد قام نفس نوعية البلطجية بنفس الممارسات البشعة ضد فلاحي قرية سراندو ونسائهم، وتواطأت الشرطة والمحافظة ضدهم. ولكن الفرق أن فلاحي سراندو ردوا على هجوم البلطجية الذين قتل أحدهم في الأحداث، كما قتلت إحدى الفلاحات لدى ضربها في بطنها وهي حامل.

وهناك فرق ثاني، أن ما حدث لمظاهرة كفاية حظي بتغطية إعلامية واسعة، على عكس ما حدث لفلاحي سراندو الذين لفقت ضدهم التهم وتعرضوا وما زالوا يتعرضون لترويع وإرهاب الشرطة والعصابات.

ومهما يكن، فما زالت هذه الفضيحة وصمة عار أخرى تضاف إلى عار سلطة العصابات التي تحكمنا، ولكن من يستطيع مواجهة هذه السلطة؟ وهل نواجهها بالبطولات الفردية أم تحتاج القوى السياسية التي تسعى حقا إلى رفع هذا الكابوس إلى إعادة التفكير في رؤيتها وبرنامجها واستراتيجيتها وتكتيكاتها وأهدافها؟ لن أستطيع الآن الحديث باستفاضة في هذا الموضوع بسبب الشعور الشديد بالغضب والحزن الذي يطغى على أعصابي، وإنما فقط أسجل ملاحظات بسيطة.

ربما يساهم في توضيح ما أقصده بالمواجهة التي لا تعتمد على مفهوم "البطل" النخبوي أن أشير إلى أن مظاهرات الإخوان المسلمين لم يحدث أن ووجهت بمجموعة من الحثالة والبلطجية والمسجلين خطر الذين يستأجرهم الأمن والحزب الوطني، ذلك أن مظاهرات الإخوان غالبا ما تضم أعداد تصل إلى الآلاف، ولا يمكن لمثل هؤلاء البلطجية أن يواجهوها، لأنهم ببساطة سيموتون فيها، ولن يستطيع الأمن حمايتهم. هذا مقابل مظاهرات كفاية الضعيفة التي اعتمدت على تسامح السلطة معها لفترة، وعندما بدأت هذه السلطة تتخذ قرارا حاسما في عدم التسامح معها، تعاملت معها بهذا الأسلوب القذر، وهو أسلوب ليس بغريب على هذه العصابة. هذه ملاحظة.

أما الملاحظة الثانية فتتمثل في فكرة الرهان على تحالف النخب، وهنا أقصد تحديدا مجموعة مركز الدراسات الاشتراكية المشاركة في "كفاية"، بدلا من الرهان على الجماهير، وذلك الوهم الذي تحاول هذه المجموعة ترويجه بأن الإخوان المسلمين متحالفة مع هذه النخب التي تشكل "كفاية"، والذي نصطدم بزيفه باستمرار كلما رأينا مظاهرات الإخوان المستقلة وحجمها بغض النظر عن القضية التي يرفعونها في هذه المظاهرات. فقد خرج الإخوان بمظاهرات مستقلة لهم ضمت الآلاف في عشر محافظات على الأقل رغم أنها رفعت نفس شعارات المطالبة بالإصلاح السياسي، ثم أنهم لم يشاركوا في مظاهرة "كفاية" يوم الأربعاء الحزين مشاركة حقيقية، حيث لم يزد عدد المتظاهرين عن 100 في أكثر التقديرات تفاؤلا. وفي يوم الجمعة الماضي قام الإخوان بمظاهرات كبيرة في الإسكندرية والقاهرة ضد تدنيس الجيش الأمريكي للمصحف في جوانتنامو! فهل مازلتم تصرون على الرهان على مشاركة الإخوان في "كفاية"؟

ملاحظة ثالثة، إذا كان لا يوجد بديل للمراهنة على حركة الجماهير، وإذا كان البطل النخبوي لا يستطيع أن يحقق أكثر مما حققه دون كيشوت في معاركه الوهمية ضد طواحين الهواء، ألا ينبغي أن نقترب من جماهير العمال والفلاحين وفقراء المدن ومن مشكلاتها الحقيقية وآمالها وطموحاتها وأن نتبنى مصالحها ومطالبها هي بدلا من مطالب ومصالح النخب من أمثال أيمن نور وأبو العلا ماضي التي ترغب في نصيب من كعكة السلطان؟ حتى وإن كان ذلك لن يحظى بنفس الضجيج الإعلامي الذي تحظى به "كفاية"؟

ملاحظة رابعة، وإذا كنا ندعي أننا نريد ذلك، ألا يجب أن نبدأ من حيث يقف هؤلاء الناس، وألا نسبقهم أو نتخلف وراءهم بآلاف الخطوات؟ هل يطالب هؤلاء الناس بجمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد؟ هل يطالبون بإصلاحات انتخابية وبرلمانية في إطار النظام القائم؟ أم أنهم لا يثقون في هذه اللعبة تماما؟ أم أنهم لا يشعرون بأنهم قادرون عليها؟ وهل هذه الإصلاحات قابلة للتحقق؟ وهل تمثل حلا لمشكلات الجماهير التي نزعم أننا نرغب في تمثيلها؟ كل هذه أسئلة ينبغي أن نجيب عليها حتى نتسق مع أنفسنا، ثم يجب علينا بعد ذلك أن نجيب عن سؤال بم نبدأ؟ وكيف نبدأ؟

إنها دعوة لأن نكون أمناء مع أنفسنا، ومع الرؤية التي نزعم أننا نتبناها إذا كنا اشتراكيين، فهل من مجيب؟!

القاهرة في 29 – 5 – 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد