الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة بدون فلسفة هدر للطاقات البشرية والطبيعية

محمد بوجنال

2013 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


الحكومة ،أية حكومة، سواء كانت في أمريكا أو أروبا أو آسيا أو افريقيا ترتكز أساسا على تصور فلسفي وإلا استحال تسميتها حكومة؛ فالحكومة ،أية حكومة، بنية مجتمعية مصغرة تنطلق فلسفيا من مقدمات ومبادئ قصد التأسيس لبرمجة وتحديد أهدافها وغاياتها .والقاعدة في المنطق والابستيمولوجيا تقول أن النتائج بمقدماتها وأوالياتها؛ لذا، فالعلاقة متينة بين المقدمات والنتائج والأهداف والغايات. ومن هنا القول ،على المستوى الفلسفي، أن الحكومة جهاز متماسك تحكمه مبادئ تتمثل في ضرورة استحضارها دلالة الوجود في عامته وخصوصيته المتمثلة في الاستجابة المعقولة لحاجيات الكائنات البشرية دون تمييز بهدف بناء الشخصية البشرية المبدعة وبالتالي تحقيق الغاية المتمثلة في الكرامة والحرية. قلنا أن الحكومة ذات المقدمات الواضحة والمنسجمة لا يمكن أن تنتج منطقيا سوى النتائج التي تفرزها المقدمات تلك والتي قلنا أنها ترمي تحقيق الأهداف والغايات السابقة الذكر. ومن المؤكد أن حكومة بهذه النوعية تعتمد أساسا قوة وإبداع المجتمع أو قل مستوى الوعي الأقصى للمجتمع بمعنى ودلالة الوجود وبالتالي بمعنى ودلالة الحكومة نقاشا وحوارا ونقدا ومشاركة وصياغة ومتابعة ومحاسبة. لذا، نقول أن الحكومة تلك تكون مؤهلة معرفيا وتنظيميا ومنهاجيا وذات رؤية استراتيجية تحترم وتستجيب لدلالات وجود البشر والحيوان والنبات .
إلا أن توضيحنا للدلالات الفلسفية للحكومات يقتضي منا القول،كما هو في الواقع، افتقار الحكومات للدلالات الفلسفية للوجود التي يحل محلها نسبة كبيرة من الإنحراف على المستويات المعرفية والتنظيمية والمنهاجية والاستراتيجية؛ وهذا راجع إلى مختلف الانحرافات التي عرفتها المراحل التاريخية، فتم التأسيس لتدبير الشأن العام بأشكال ماكرة على حساب إنسانية الانسان ؛ ومن هنا سنعمد على توضيح، لفهم حكومة بنكيران الأولى والثانية، لماذا ركزنا على أن النتائج تكون مرهونة بالمقدمات أو الأواليات .فالمرحلة الراهنة، مرحلة القرن الواحد والعشرين – دون الدخول في مناقشة المراحل السابقة عنها - تخضع لنظام اقتصادي ذو طبيعة محددة ولا إنسانية هو النظام الرأسمالي في شكله الحالي العولمي الذي يتبنى قانون الربحية والاستغلال. لذا، صاغ مقدمات فلسفة مشروعه الرأسمالي العولمي في التالي: الانسانية فئات متفاوتة دينيا وبيولوجيا وبالتالي عقليا؛ لذا، فاللزوم يقتضي التراتب والتفاوت من حيث الوجود والمشروعية؛ فعلى رأس الهرم توجد الفئة الموهوبة المطالبة بتحمل المسؤولية بالسيطرة على كل المرافق والمؤسسات التي منها الحكومة خوفا من تخريبها من طرف من ليست لهم الأهلية الإلهية والبيولوجية؛ فقيام الدولة ونموها في نظر النظام الرأسمالي ذاك يقتضي حكومة تتميز بالحكامة والكفاءة التي لا يمكن توفرها إلا في الفئة التي سبق ذكرها لتأمين العيش لغيرها من الفئات التي هي دونها. فعلى الرغم من عدم صحة هذه الأطروحة وبالتالي مقدمتها، فالنظام الرأسمالي الحالي في شكله العولمي، وأمام التفنيد العلمي لتلك الأطروحة، ما زال يدافع بشكل مستميت عن صحتها لضمان استمرار تمسكه بالحكومة مستخدما ومستثمرا مختلف أساليب وأشكال المكر؛ هذه الأساليب الماكرة تتمثل في اعتماده ما يسمى بالانتخابات الكفيلة وحدها بفرز خريطة برلمانية تفرز حكومة أغلبية؛ وهذه العملية هي ما يسميه النظام الرأسمالي ذاك" بالنهج الديموقراطي" أو قل "الديموقراطية" حيث أن المجتمع في نظره، هو الفاعل الذي له قدرة اختيار والتصويت على من يراه أحق وأكفأ وأنسب للدفاع عن مصالحه – وهنا نسجل التناقض الصريح مع مقدمته -. هذا ما يحدث في الدول المتقدمة التي تسمي نفسها "بالديموقراطية". لا شك أن هذه الحكومات المستندة على هذه الدعاوى لا تتجسد فيها التمثيلية الصادقة لقضايا وخيارات وطموحات المجتمع. فهي حكومات غير ديموقراطية على الرغم من ادعائها الديموقراطية ما دامت تعتبر فئات كبيرة من مكونات المجتمع متخلفة طبيعيا، وما دامت في نفس الآن هي التي تمتلك أساليب وإمكانات هائلة يستحيل على باقي الفئات امتلاكها؛ أما من يمثلون الاستثناء ، فبفعل دعم الفئة القوية لاستثمار ذلك . إذن فمقدمة أو أوالية التأسيس للحكومة لا يمكن أن تعطينا سوى النتيجة التي مؤداها تأكيد التفوق العرقي والجنسي باعتباره النتيجة الديموقراطية. هذا هو التصور الفلسفي لدلالة الحكومة في الدول المتقدمة التي هي أساسا دولا محكومة بقوانين وقواعد النظام الرأسمالي.
أما في المغرب ،كدولة متخلفة، فسوف نجد بناء الحكومة بشكل مشوه وأضعف تنظيما. فلا أحد يشك في أن القوى – الطبقة الكمبرادورية وأذيالها – المسيطرة في المغرب هي قوى متخلفة؛ فأهم ما يميزها هو عداؤها الشبه المطلق للفلسفة باعتبارها فكرا لا يمارسه سوى المتخلفون طبيعيا؛ ومن هنا هجومها وتهحمها وعرقلتها لكل أدوات ومناهج الإبداع الشرط الأساسي والحيوي لحصول النمو والتنمية. لذا، فدلالة حكومة بنكيران الأولى والثانية لا يمكن أن تخرج، بفعل طبيعة مكوناتها وكذا المحيطين الإقليمي والدولي، عن القاعدة؛ فالاختلاف هو فقط أنها أكثر انحرافا وتشويها وتبعية بحكم طبيعة مكوناتها؛ مكونات منها المنتمي إلى الطبقة الكمبرادورية ومنها الذي ينوب عن بعض فئاتها التي تحبذ البقاء خلف الستار. وفي كل الأحوال، فهي من يدافع، من خلال الحكومة ومختلف المؤسسات عن مرجعية تفوقها المتمثل في الموهبة، حسب طرحها، التي وهبها إياها الإله والتي تم حصرها في عرقها دون غيره؛ بمعنى أن الله هو من فوضها أمر تسيير غيرها بتشكيل حكومة عملت على تأسيسها باعتماد مختلف أشكال المراوغات والنفاق والتدليس والحيل التي ألبستها لباس المشروعية الدينية تارة والتركيب المشوه بين الديني والديموقراطي تارة أخرى وهو ما يؤكد جهل حكومة بنكيران الأولى والثانية بجهل معنى الإنسان والطبيعة، التي هي علاقات بأبعاد تشاركية مسؤولة وعادلة. وقد اعتمدت في هذا فكرة عكس المفروض فعله وممارسته ،فاستغلت أمية المجتمع المغربي الذي ما زال معظمه يؤمن بالشعبويات من قبيل أقوال سيدي رحال البودالي وكذا أقوال مختلف المشعودين الذين عرفهم تاريخ الدول العربية-الإسلامية ، والخوف من عذاب النار ولعنة الأولياء والصالحين ...الخ. لذا، عملت وتعمل هذه الفئات على خلق شروط استمرار هذا النوع من الفكر الشعبوي وبالتالي الحفاظ على إبقاء جل مكونات المجتمع المغربي في مستوى درجة الوعي الأدنى الذي يبقى رهن إشارة المتاجرين به. بهذه الدلالة تفهم الانتخابات البرلمانية – وكذا الجماعية – بمعزل عن احترام معنى الإنسان المغربي على كافة مستويات الوجود: الاقتصادي منه والسياسي والاجتماعي والمعرفي وهي بالأساس،في حقيقتها، مستويات لا يمكن فصلها عن المعرفة الفلسفية. لذا، اعتبر زكريا إبراهيم الفلسفة بمثابة "البعبع" المخيف لأعداء حقيقة معنى الوجود. وعوضا عن ذلك، تعتبر حكومة بنكيران الأولى والثانية فئات المجتمع المغربي بمثابة فئات دونية لا يتعدى مستوى وعيها المستوى الأقرب من الصفر وهو ما يعنى اعتبارها مجرد سلعة كباقي السلع يمكن استثمارها وقتما يريدون وخاصة أثناء عملية الانتخابات البرلمانية والجماعية. هكذا ،فتشكيل الحكومة من طرف الحزب الذي حصل مكرا في الانتخابات على المرتبة الأولى، ستكون، وباللزوم المنطقي، حكومة معاقة تفتقر الأسس المعرفية والابستيمولوجية اللازمة لتشكيل الحكومة،لصالح نقيضها المتمثل في التبعية للنظام الرأسمالي وطاعة الفئات الأقوى في الهرم الاجتماعي المغربي وبالتالي ضمان الحصول على المصالح الشخصية والعمل على تقويتها وتوسيعها؛ وعليه، فالموضوع/البؤرة الذي هو المجتمع المغربي، بقي بالنسبة لهذه الحكومة، في نسختيها، موضوعا غائبا مصداقا للقاعدة المنطقية: نفس المقدمات تنتج نفس النتائج؛ وهذا يدفعنا إلى طرح المثال المغربي الشائع : "مع من شفتك مع من شبهتك "؛بمعنى أنه لا بد، لفهم دلالة وطبيعة حكومة بنكيران الأولى والثانية بشكل أدق، من الوقوف على مكوناتها. فالحكومة ،أية حكومة، لأن هذا هو المنطق الصحيح للوجود، هي عبارة عن علاقات بين المكونات يمكن أن تكون صادقة ويمكن أن تكون مجانبة على مستويي الوعي واللاوعي للصدق وهو حال حكومة بنكيران بنسختيها باعتبارها حكومة مرقعة ومشلولة ؛ فهناك فئة حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلاموية، الحاصل مكرا على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية والعدو اللذوذ للمعرفة الفلسفية وبالتالي الفقر المعرفي؛ وهناك فئة حزب الاستقلال الذي يتقاطع والعدالة والتنمية في النظرة الرجعية والاستغلالية للدين وتفضيل المصالح الشخصية وكذا العداء للمعرفة الفلسفية ؛ وهناك فئة حزب الحركة الشعبية التي عمل على تأسيسها القصر الملكي والمعروف بنزعته القبلية وعدائه المبطن لغيرها وهي مؤشرات سلوك الفكر الإقطاعي ؛ وهناك فئة حزب التقدم والاشتراكية الذي يعاني الغموض والتداخل بين مختلف المواقف المتناقضة ليفرض عليه ذلك اتخاذ موقف نفعي وتلفيقي؛ وهناك فئة الوافد الجديد ، فئة حزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب ذو الأصول الإدارية والذي يعتبر رئيسه الحالي متهما بقضايا الفساد خلال حكومة عباس الفاسي.
قلنا أن الحكومة،وفق منظور المنطق، هي شبكة علاقات، نحددها في مغربنا بمستويين: المستوى الظاهري حيث الخلافات والاختلافات بين مكونات الحكومة بفعل الاختلافات الجزئية بصدد مرجعياتها، في الوقت الذي نجد أن علاقاتهم تلك، على المستوى العميق، هي نقيض ذلك. فعلى المستوى الظاهري يختفي التماسك ليطغى التناقض فيما بين مكوناتها وهو تناقض مرتبط بمرجعياتها الثانوية؛ فكلما بقينا على المستوى الظاهري، كلما بقينا على مستوى التناقض الثانوي بين مكونات الحكومة والمتمثل في السعي إلى الاستفادة من الصفقات والرفع من مستوى الأرباح والعمل على توسيع المصالح الشخصية واستغلال النفوذ.أما على المستوى العميق، فهناك منطق آخر يتمثل في وحدة وتوحد وتماسك مكونات الحكومة استجابة لمتطلبات مبادئ النظام الرأسمالي؛ ففي هذا المستوى يختفي التناقض لتصبح كل مكونات حكومة بنكيران سواء الأولى أو الثانية في خدمة ذلك النظام الذي بفعله وقوته وجدت وتوجد، وبغير الاستجابة تلك يتم العمل على إسقاطها. وإجمالا ،سواء بقينا على المستوى الأول أو الثاني، فهناك ضحية هي بالكاد مكونات المجتمع المغربي حيث نجد أن حكومة بنكيران في واد والمجتمع المغربي في واد آخر. والسبب عدم وجود حكومة بالمعنى الفلسفي الذي يفرز حتما وبشكل مسؤول، مهما كانت الأخطاء، معنى اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا لإمكان حصول النمو والتنمية بعيدا عن خرافة التفوق العرقي.
وعموما، فشروط ولادة حكومة متوازنة وعادلة يقتضي، وبالضرورة، تغييرا عميقا على مستويي الإنتاج المادي والبشري على السواء وهو ما يفترض ضرورة حصول الارتقاء الفعلي لحكومة بنكيران إلى درجة الوعي الأعلى بمستوى دلالة مكونات المجتمع المغربي؛ إنه الطرح الذي يقتضي من حكومته، تبني نقيض مقدماتها؛ إلا أن ذلك يعتبر من باب المستحيلات لتستمر الحكومة في إفقار المجتمع. فالتغيير العميق له مقدماته النوعية.
باحث مغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل