الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلق في الفكر

يوسف الأخضر

2013 / 10 / 23
الادب والفن


نال الصمت بعضا من الهدوء وانشغل بصبر لم يعد معنىً له، فقد تراء في الأفق بصيص من أمل إنسانية تنفصل انفصالا عن عنف الطبيعة و أهواجها، لما يضيق الصمت من كسل اللسان يعتنق الفكر مذهب المجهول، فبالكلمات تصنع المعجزات، وبالأنامل تحرر الصحف الأولى. في رحم اليأس تولد بعض من الحكمة و إن بعضا منها ما يكبر مشوها و عليلا لكن تظل أهذابها تكاد تلامس الحقيقة بل تفسرها، فالحقيقة لا تقبل ما يحدها أو يحيط بها فهي الممتد الذي لا أول ولا آخر له، كل يمكن له رؤية بعض منها ليجعلها إطار حقيقته.
تهاذى بعض من الصمت الحكيم إلى أغوار النفس، فتكلم الأغنياء بسلطة المال، و الأغبياء انشرحوا فتكلموا بسلطة اللسان، أيهم الصبر و قد تعالت أصواتهم مكسرة جذار الحكمة! أيعشق اللسان بعضا من الكلام بعدما انسلخ الفكر عن التفكير! لقد صاروا عجائز رغم شبابهم و نقضوا الحكمة لأنها قاسية، فالقلوب الميتة لا تعطي الحياة لأصحابها بل تكرر فعل الموت و تجعل له مرادفات كثيرة كالحقد و التعب و الشيخوخة، أي مصير ينتظر المآسي غير المآسي نفسها و أي قطار يمكن أن يحمل الأموات غير الموت نفسها! على السرائر تظهر علامات تعب و وهن لا تصنع بالفكر غير ذمه و اختزاله إلى أقصر مسافة من العدم، فالفكر لا يحيى إلا بأمل يتجدد، و لا يثمر إلا بالسقى المستمر، فكما الأرض لا تنبت الزرع إلا بقطرات المطر، فهو شأن الفكر لا يعطى فكرا إلا بقطرات التجدد و الأمل، وأي أمل ممكن لا يعيش بنبضات القلوب و حبها بغد أفضل من أمس.
إن سلطة الفكر أرقى من فكر السلطة، لأن الفكر إن هو طغى و انتشر يستغرق الناس بمشاغل أعظم و أرقى من السلطة في ذاتها، أما السلطة فلا تقبل لفكر أو تجديد أن يطالها لأن من استهوى السلطة يختزل كل الأفكار في ذاته و لذاته فلا مواضيع تهمه سوى فرض ذاته على كل موضوع و كل حدث، يقتنص الفرص لتكريس حبه لنفسه و لا يهمه إلا تقدير ذاته و جعلها تسموا عاليا لتنال احتراما مزيفا و مصطنعا. أما سلطة الأفكار فتتطلع بالفكر نحو تحديث هياكله كل مرة و تبني مفاهيم إنسانية جديدة كلما اهترأت و بلت القديمة منها فالتقدير هاهنا ليس لذات محددة بقدر ما هو تقدير لكل الذوات كوحدة شاملة و متكاملة لا تقبل التجزيئ أو محاباة أحدها. نحن البشر نخلق ونموت بنفس الطريقة لكن ما يحز في النفس أننا نعيش مختلفين مع بعضنا ليس في سلطة الفكر بل في فكر السلطة وأهوائها الدنيئة.
من يسترسل بالكلام حتي الجنون فقد أحب ذاته لأبعد الحدود، و من جعل بين الكلمات بعضا من الصمت فذاك من أصابه بعض من جنون الحكمة، و ما أعقل الجنون الذي يلامس الحكمة و يهواها!
إن الخير و الشر حكمة و ما بينهما تديّن يترك الفعل لغائب متحكم... فتلك سلطة خفية ماكرة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق