الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أصدقائى الماركسيين

داود روفائيل خشبة

2013 / 10 / 25
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



قـَدَرى أن أغضِب أصدقائى. أغضِب أصدقائى الملحدين لأنى، وإن كنت أرفض كل الأديان المؤسسية وأرفض فكرة الإله الخالق وأستسخف فكرة الخلق من عدم، إلا أنى أرى أن هناك شيئا يمكن أن نسميه الدين بمعنى ما، أو أن نسميه الحياة الروحية، وهذا الشىء أراه ضرورة لكمال الحياة الإنسانية. وكذلك أغضِب أصدقائى الماركسيين لأنى، وإن كنت شديد الإعجاب بمؤسّسى الماركسية وشديد الحماس لمثالياتهم وأهدافهم، إلا أنى آخذ على أصدقائى الماركسيين أصوليّتهم. وأرجو ألا يُغضِبهم استخدامى لهذه الكلمة، فأنا لا أريد إساءة، بل أستخدمها استخداما اصطلاحيّا موضوعيّا.
فى شبابى، أى منذ ما يكاد يقرب من سبعين عاما، قرأت بعض أعمال كارل ماركس وعلى رأسها كتابه العمدة "رأس المال"، وقرأت بعض كتابات إنجلز. وفى شبابى كان من الممكن أن أنضم للحزب الشيوعى لولا أنى لم أستسِغ أن تكون هناك توجيهات تـُطاع وأن تكون هناك أفكار لا تناقـَش ولا تراجَع. (إلى جانب كونى بطبيعتى لست مهيّأ للعمل فى جماعة ولا أصلح إلا للعمل فى عزلة.)
لقد كان ماركس إنسانا عظيما فى إنسانيته، وكان إنسانا عظيما فى فكره، وكانت أهدافه وغاياته نبيلة، لكنه كوّن نظرياته على أساس معطيات عصره وموضعه من الزمان والمكان، مستندا إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتقنية فى أوروپا القرن التاسع عشر، فترك لنا نظريات وبصائر يمكن أن نستلهمها، لكن ليس مما يقبله العقل أن نتوقع أن نجد فيها ما يمكن أن نحدّد على أساسه خططنا ومساراتنا فى عالم تغيّرت فيه كل الأوضاع، اجتماعية واقتصادية وإنتاجية. ولا أرى لزوما لأن أستفيض فى هذا.
مؤخـّرا نـُشِر لى فى هذا الموقع مفال بعنوان "ما هى الفلسفة؟" وجاءتنى تعليقات من ماركسيين، تكرّموا بأن وضـّحوا لى فيها مبادئ وأسس "علم الفلسفة". وأنا أستميحهم عذرا فأنا لا أستطيع أن أقبل أن تـُعَدّ الفلسفة علما. ولقد كان المفكرون فى الغرب على مدى زمن طويل يعدّون الفلسفة علما، وكان على رأسهم مفكـّرو الكنيسة الكاثوليكية. ولكن كل ذلك انتهى إلى لا شىء. وهناك بالطبع فروع تـُلحق بالفلسفة يمكن أن تـُعَدّ بين العلوم بالمعنى الدقيق، من بينها المنطق و ميثودولوچيا (منهجية) البحث العلمى ومباحث أخرى مستحدثة يقحمونها على الفلسفة. لكن ليست هذه هى الفلسفة التى تتعامل مع ما يؤرّق الإنسان حين يحار فى معنى وجوده وغاية وجوده، وحين يتأمل القِيَم والمثل التى تجعل لحياته قيمة برغم يقين فنائه المحتوم. وقد يكون علم الفلسفة الذى يحدثنى عنه أصدقائى الماركسيون بين هذه العلوم التى تلحق بالفلسفة كفروع متخصصة، لكن حتى فى هذه الحالة لا أستطيع أن أصدق أن يكون هذا العلم كاملا ثابتا مستقرّا يقينيا كما يوحى حديث أصدقائى الماركسيين.
أرجو ألا أكون قد أغضبت أصدقائى الماركسيين كثيرا. وأنا أعلم أنى لا يمكن أن أكون قد أقنعتهم. لكن يمكن أن نتفق على أمر يرضيهم ويرضينى: أترك لكم علمكم الفلسفى واتركوا لى فلسفتى اللاعلمية التى لا يقين فيها ولا ثبات ولا دوام. وإذا سأل سائل: فما قيمة هذه الفلسفة؟ أجيبه أن قيمتها أنها تتيح لى أن أعجَب وأن أحار وأن أتساءل وأن أفكر وأعمِل عقلى، فهذه هى الحياة الجديرة بالإنسان فى نظرى. أنا لا أريد فلسفة تريح عقلى وتسلبنى الحيرة والدهشة والريب والقلق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرة أخرى : معنى الفلسفة
رمضان عيسى ( 2013 / 10 / 25 - 23:04 )
الفلسفة نشاط عقلي إنساني هادف إلى المعرفة , هي حالة الرغبة للمعرفة التي تثيرها حالة الاندهاش والتساؤل التي تصيب الإنسان ، من ملاحظته للظواهر الكونية والطبيعة
والمجتمع والإنسان والعضويات النباتية والحيوانية
من كتابي المنشور في مكتبة الحوار المتمدن بعنوان :
- المادية الجدلية ، أيديو لوجيا ومنهاج علمي للتفكير - الكاتب : رمضان محمد عيسى
بينما تعريف الفلسفة في كتاب : ياخوت - المادية الجدلية :
الفلسفة هي العلم عن القوانين الأكثر شمولا التي تخضع لها جميع الظاهرات في الطبيعة والمجتمع والفكر البشري .
ومن خلال ما ورد في مقالك تتفق معي في تعريفي للفلسفة بأنها نشاط عقلي هادف الى المعرفة ينشأ نتيجة لحالة الاندهاش والتساؤل
ولكن الفلسفة الماركسية باعتمادها قوانين الجدل : التراكم وصراع الأضداد ونفي النفي والمكتشفات العلمية تصبح لها منهاج لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع المنهجية العلمية في البحث وتقصي المعرفة وفك طلاسم الكون ،
أوضحت هذا في كتابي : المذكور ، بأن فلسفة المادية الجدلية والتي هي فلسفة الماركسية هي منهاج علمي للتفكير .

اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي