الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة فلسفيّة وروحانيّة عميقة – قراءة في الرواية القصيرة -الرب موجود في المطر- للكاتب العراقي الشاب محمّد عامر

كلكامش نبيل

2013 / 10 / 25
الادب والفن


رحلة فلسفيّة وروحانيّة عميقة – قراءة في الرواية القصيرة "الرب موجود في المطر" للكاتب العراقي الشاب محمّد عامر

لطالما أحاطني المطر بالسعادة، لدرجة أشعر معها بنوستالجيا عميقة تجتاحني إذا ما طال إنقطاعه، ولقد كانت دهشتي عميقة عندما عرفت بأنّ هذه المشاعر يتشاركها العديد من الكتّاب والروائيّين معا. لقد لعبت الصدفة دورها بأن أقرأ رواية "ثلج" للكاتب التركي أورهان باموق و رواية "الرب موجود في المطر" للكاتب العراقي الشاب محمّد عامر بالتعاقب، ليحيطني العملان بسعادة غامرة وينقلانني إلى عالم روحاني لم أكن قد زرته منذ وقت طويلٍ جدّا.

المطر عنصر أساسي في تركيب هذه القصّة القصيرة، ويكاد يكون موجودا في أدقّ تفاصيلها، بدءا من النظرة المقدّسة للماء في الكتاب المقدّس والقرآن، ومرورا برمزيّة أسماء الشخصيّات وليس إنتهاءا بهطول المطر في اللحظات التي يتوق فيها أبطال الرواية إلى السلام الداخلي. معظم أسماء الشخصيّات يشير إلى أسماء توراتيّة، وفي الغالب ذات صلة من نوعٍ ما بالمياه كما هو حال البطل زاك أو زكريا، فيما يشير إسمٌ آخر هو أفيتا إلى إسم إلهة مياه سلتيّة قديمة، فيما إستوحيت أسماء أخرى مثل كاي من اللغة اليابانيّة والتي تعني المحيط، وإن ترك الكاتب كل هذا لنبحث عنه بأنفسنا. أجواء الرواية تذكّرنا بالأساطير النهرينيّة وأهميّة الماء والتعميد في الفكر الرافديني والذي أثّر بعمق في الفكر الديني للأديان الإبراهيميّة الكبرى.

الرواية تزخر بمناقشات حول الوجود والأديان وفكرة الإله ووجهات النظر المتباينة لتلك الأديان بالإضافة إلى القدر والموت. ويقودنا التفكير العميق في رسالة العمل إلى أن نتقبّل الموت كجزء من حياتنا وإنتقالة إلى مكان آخر، مستوحيا الفكرة من المعتقدات البوذيّة في التيبت ومحترما كل وجهات النظر الأخرى سواء أكانت دينيّة أم ملحدة. إنّ مناقشة موضوع الموت بعمق وكيفيّة تقبّله بسعادة منذ اللحظات الأولى للرواية وحتّى آخر كلمة في الخاتمة ما هي إلاّ دعوة لنا لأن نكترث أكثر بالحياة وأن نتمتّع بكل لحظة منها من خلال قيامنا بالعمل الخيّر.

يحاول محمّد عامر أن يرينا الفكرة الأساسيّة للتديّن وأن يميّر بين الأديان وكتبها المقدّسة من جهة والرجال الذين يدّعون تمثيلهم لأيّ منها من جهة أخرى. الكاتب لا يرفض فكرة التديّن ولكنّه يرفض فكرة أن تحتكر إحدى الأديان الحقيقة، فهو يشدّد على أنّ الرب فكرة وقد تختلف التعريفات لهذه الفكرة وبأنّ ما يهم هو أن نكون طيّبين ولا يهم في ذلك أيّ ديانة قد نعتنقها ما دمنا قد حققنا الهدف المنشود ألا وهو الخير. وأجدني أتّفق معه في أن يكون إهتمامنا بالأخلاق مقدّما على الأديان وأهميّة التفريق بين الأمرين.

تناقش الرواية دور الحروب الطائفيّة والفقر في تجريد الرجال من إنسانيّتهم ويحاول توضيح أنّ جميع الأديان قد تورّطت ولا تزال متورّطة في مثل هذه الجرائم. وتذكرنا الأجواء الموصوفة في الرواية بالأوضاع السائدة في العراق طوال العقد المنصرم من خلال سرد قصّة قصيرة ولكنّها وافية للإيضاح كيفيّة تحوّل إنسان طيّب إلى وحش وفق أجندة معدّة مسبقا من أجل تحقيق ذلك. يمكننا أن نلمح كيف تساهم حروب خارجيّة وغزو أجنبي في تعكير سلم مجتمع آمن وكيف تؤثر أحداث كتلك على مجموعة من الأصدقاء من طوائف مختلفة، قضوا حياتهم معا كإخوة إلى أعداء ليهجّر أحدهم الآخر ويقتل بعضهم بعضا، وفي ذلك إشارة واضحة على أنّ الإنسان بطبعه قادر على التعايش ولكنّ السياسة والمصالح هي ما يفسد حياة البشر.

للنساء مساحة معتبرة في هيكل الرواية، فهي تحاول تصوير عظمة النساء كأمّهات وأخوات وزوجات وعاشقات، فالكاتب يحاول إيضاح أنّ المرأة هي ما يمكن أن يحطّم الرجل أو يرتفع به إلى مصاف الآلهة، فقد صوّرت المرأة في العمل على أنّها مصدر إلهام وقوّة ونجاح عظماء الرجال.

إنّ مناقشة الأديان والعقائد، الموت والأبديّة، الخير والشر، الصداقة وقوى عالمنا تشير إلى التأثير العميق للفكر النهريني القديم على كتّاب العراق الشباب بطريقة تذكّرنا بمدى تأثير الأساطير القديمة بالقدر نفسه على فنّاني العراق التشكيليّين بطريقة قد تكون دليلا على الوراثة الثقافيّة أو لربّما تأثيرات البيئة المحيطة. كما يمكن ملاحظة تأثيرات الفلسفة اليونانية وبعض أفكار نيتشه أيضا في العمل من خلال رفض فكرة الحقيقة المطلقة وتشبيه الإنسان بالماء تارة والفراغ تارة أخرى بالإضافة إلى بعض الأفكار الحلوليّة التي تمنح العمل عمقا أكثر.

ختاما، العمل الذي نشر بالإنكليزيّة ككتاب إلكتروني ويأخذ في تركيبه هيكل سرد الحكايا بطريقة شفهيّة سينجح في نقلنا إلى أماكن إسطوريّة قديمة ووأخرى حديثة بشعة في محاولة لتوضيح بأنّ معاناة وآلام البشر واحدة عبر العصور. ذكّرني إسلوب السرد لوهلة برواية الخيميائي للكاتب البرازيلي "باولو كويلو"، لا سيّما خيالها وروحانيّتها وحكمتها، إنّها دعوة لإتّحاد القوى الكونيّة من جديد أملا في تحقيق التوازن ودعوة لتوحيد البشر تحت إسم الإنسانيّة العظيم، إنّها دعوة للحب والسلام من قلب أرض سومر. إنها حكاية حياة وموت معنونة بإسم أثمن رموز الحياة على وجه الأرض.

كلكامش نبيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحقيقه المطلقه
مهدي صالح ( 2013 / 12 / 26 - 18:54 )
(رفض فكرة الحقيقه المطلقه و تشبيه الانسان بالماء تارةً و آخرى بالفراغ) عباره لفتت إنتباهي و دعتني الى التعليق:التصور و الواقع كلاهما في خانة الوهم و الحقيقه هي الوهم المتحقق فكل ما موجود صفته الوهم قبل عينيته و مفردات الكون هي مظاهر مختلفه وجوباً للذات الكونيه وهذا الإختلاف سمة عالمنا المطلقه و العتب لا أدري يقع على من إن كان له موضع فالطيب و الخبيث كلاً يطلب شاكلته و هذه دورة الحياة الغير منتهيه لا ينفع فيها مصلح و لا يسود فيها المفسد بشكل نهائي.

اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07