الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة مقاومة.... أم مقاومة الثقافة...؟

نوري بريمو

2005 / 5 / 31
الارهاب, الحرب والسلام


ثقافة مقاومة...أم هي مقاومة الثقافة...؟!.
بقلم: نوري بريمو*
المقاومة سواءً أكانت ضد الاحتلال أو الاضطهاد أو الاستبداد أو الفقر أو...الخ، هي إرادة وثقافة يجب أن يكتسبها ويتمتع بها كل فردٍ في المجتمع الذي يتعرض لمثل هكذا انتهاكات لحرماته ولأرضه وعرضه وسيادته الشخصية والوطنية ..الخ، والمقاومة بحد ذاتها شعورٌ عال بالتضحية من أجل الحقوق والمقدسات وبالمسؤولية من أجل الدفاع عن الكرامة الخاصة والعامة في آن واحد...، لكن تبقى للمقاومة أشكالٌ وأساليب ومقومات كثيرة ومتنوعة، منها الممكن والمتاح والمباح ومنها الغير ممكن والغير متاح والغير مباح، فالكفاح المسلح الذي كان فيما مضى من أرقى أشكال المقاومة المشروعة دفاعاً عن قضايا الشعوب المضطهدة، والذي لم يكن مباحاً فحسب بل مشرّفاً ومدعوماً من قبل أوساط وجهات وتيارات محلية وعالمية واسعة بما فيها هيئة الأمم المتحدة، حيث كان يُنْظَرُ إليه على أنه وسيلة عادلة يحق ممارستها لنيل الحقوق المغتصبة، بات اليوم – أي الكفاح المسلح – بحكم تغيّر الظروف الدولية والإقليمية على شتى الصعد والمستويات، أسلوبا ليس مباحاً فقط بل منبوذاً ومرفوضاً ويُنْظرُ إليه بسلبية لا حدود لها، نظراً للانتشار الواسع لمفاهيم نبذ العنف وتفضيل الخيار الديموقراطي والحوار كسبيل سليم ويتلاءم مع مقاسات هذه الأيام في إيجاد الحلول لمختلف القضايا والمشاكل العالقة مهما كانت محلية إقليمية صغيرة أو دولية كبيرة، وإذا ما نظرنا إلى المقاومة وفق هذه المفاهيم الإنسانية الحضارية والمقاسات نجد بأنها متلائمة مع روح العصر وهي بطبيعة الحال مجدية ونافعة أكثر من المقاومة والعصيان المسلّح وسفك الدماء البريئة .
فالحراك السياسي اللاعنفي والخيار الديموقراطي السلمي قد باتا في يومنا هذا من أرقى أشكال المقاومة على الإطلاق، إذ لا بديل أمام شعوبنا سوى الركون الهادئ إلى التلاقي والحوار والبحث عن القواسم المشتركة والمتوافقات التي تشكل بمجملها حراكاً ديموقراطياً حضارياً،أثبتت التجربة أنه أنجع بكثير من أشكال العنف والقتل والتدمير وما شابهها من أساليب تستبيح الدماء البشرية البريئة التي حرّم الله قتلها.
والمقاومة من حيث الجوهر والمعنى هي واحدة مهما تعددت وتنوعت الأساليب لكن المختلف والمتناقض في الأمر هو اختلاف الثقافة التي تنمُّ عنها هذه المقاومة أو تلك، ولا أعتقد والحال هكذا بأن أحداً ما يعيش على وجه هذه المعمورة ويرفض فكرة مقاومة القهر والتعدي على الحقوق، ولكن هنالك ثمة فرق شاسع ما بين أن تحمل ثقافة مقاومة تمتاز بمضمون إنساني لا دموي وظاهر مجتمعي حضاري، وما بين أن تتشبث بثقافة ملؤها الكره والحقد للآخر وأن تصرّ على سفك الدماء وتخطط للخراب والدمار والإغارة وفق غطاءات وعباءات مختلفة .
وبناً فإنّ العمليات الإرهابية التي تشمل التفجير والخطف والذبح على الهوية التي يتعرض لها المواطنين الآمنين في هذا البلد أو ذاك وخاصة ما يتعرّض له أبناء العراق بكل أطيافهم القومية والدينية والمذهبية، لا يمكن تسميتها بالمقاومة أبداً و يمكن الجزم بأن من يحمل مثل هكذا ثقافة كراهية لا يمت بأية صلة إلى المقاومة المشروعة التي هي بريئة من كل ما يجري من عمليات دموية مؤسفة، فالمقاوم الحقيقي المؤمن بالله والوطن لا يجوز أن يسمح لنفسه أبداً أن يقوم بعمل إرهابي يستهدف به حياته وحياة الآخرين، وللعلم فإنّ إصدار حكم وضع حدّ السيف على رقاب الرهائن والأسرى إنما هو حكم جائر وجاهل ولا تشرعنه أية ديانة سماوية سمحاء أو أية قوانين وضعية دنيوية أو أي منطق إنساني عادل، هذا عدا عن أنها ـ أي تلك الإنتهاكات ـ إساءة لسمعة وإجحاف بحق الأمم والشعوب التي تنتمي إليها تلك الجماعات التي تصدر وتشَرْعِنْ مثل هكذا أحكام إجرامية غاباتية عفا عليها الزمن.
وإن حَمَلةْ مثل هكذا ثقافات هدّامة لا يمكن تسميتهم سوى بالقراصنة أو بالدراكولات (مصاصي دماء البشر)، وهي إن جازت التسمية ليست بثقافة المقاومة وإنما على العكس من ذلك تماماً هي ثقافة مقاومة الإنسان والإنسانية معاً وهي سلوك مدمّر للحياة الحرّة الكريمة أو محاولة إعدامها على الإطلاق، على خلفية سلفية تكفيرية مؤذية أو وفق منطق تصفية حسابات وثارات قديمة مع الآخرين، وذلك بالتستر المفضوح تحت لُحى ومسمّيات إسلاموية مستعارة ومبنية على النفاق السياسي الذي سوف لن يجلب لهذه الشعوب سوى المزيد من الأذية والسوداوية والعُرْضة للمزيد من إصرار الآخر على تشكيل الضغوط والهجمات العسكرية والاقتصادية والاعلامية وغيرها .
إن ثقافة المقاومة وليس مقاومة الثقافة...!؟، تقتضي ما تقتضيه من أبناء الشعوب المقهورة مثلنا أن يتزوّدوا بمنهجيات الفكر الديموقراطي وان يختاروا الخيار السلمي في الدفاع عن ذاتهم وبلدانهم، وبناءً عليه فإن ما يجري من عمليات إرهابية مباغتة للشوارع ودور العبادة والمدارس والفنادق والمباني العامة والخاصة ومراكز الشرطة و...الخ ،في العراق الديموقراطي الفدرالي الموحّد الذي خرج لتوه من جور ظلم الطاغية صدام حسين، لا يمكن تسميته بمقاومة الأجنبي المحتل للبلاد، وإنما هو محاولة إعاقة عملية إعادة بناء وإعمار العراق الذي تهدّم بنيانه التحتي والفوقي قبل وخلال حكم البعث البائد الذي طغى على بلاد الرافدين لعقود عديدة متتالية.
ويبقى المطلوب في الحالة العراقية الماثلة أمام أعيننا هو السعي الجماعي لإعادة الأمن والاستقرار والحياة المدنية الديموقراطية إلى ربوعه، ليستعيد طاقاته الذاتية المفقودة عبر الزمن وليستكمل عافيته السياسية والاقتصادية والمجتمعية وليصبح مؤهلاً وقادراً على إدارة نفسه بنفسه من خلال مؤسسات حكمه الحالي التي تم انتخابها بشكل شرعي عبر ثورة السبابة البنفسجية التي رفعها أبناء العراق الجديد في وجه أعدائهم في الداخل والخارج .
وإنّ ذلك الاستقرار والاعمار والإدارة الديموقراطية و...الخ، سوف لن يتم ما لم يتخلّص أهل العراق من حمَلة فيروس الإرهاب الذين باتوا يرعبون لا بل يهددون مستقبل هذا الكائن الشرق أوسطي الجديد الذي باتت تنتظره هذه الأيام وتتربص به الكثير من المفاجآت والمستجدات المخفية منها والظاهرية ، إذ تحولّت حياة الإنسان العراقي الأعزل إلى مسلسلٍ مليء بالكوابيس المخيفة التي تبقى تلاحقه في البيت والشارع ومكان العمل، في ظل هكذا تنافس ((مقاوماتي)) لا مشروع ما بين تلك القوى السوداء الضالة التي تسمي نفسها بالمقاومة العراقية من جهة والأمريكان الذين يقابلون العنف بالعنف من جهة أخرى، فيُدخلون العراق في دوامة عنوانها الأبرز هو الإرهاب والعنف و اللا استقرار مما قد يهدّد كل المكونات والأطراف بمستقبل سوف لا يحمدون عليه، وفي نهاية الأمر فإن فاتورة ما يحدث سوف لن يدفعها سوى أبناء العراق الذين يتطلعون إلى بناء عراقٍ ديمقراطي فدرالي تعددي موحد وجديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة