الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارهاب والتمييز في التعامل حتى مع ضحاياه

سردار عبدالله

2005 / 5 / 31
الارهاب, الحرب والسلام


الارهاب والتمييز في التعامل حتى مع ضحاياه

سردار عبدالله

ابتلي العالم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه الملتهب, بآفة الارهاب مما ادى الى قيام حرب ضروس بكل ما تحمله كلمة الحرب من دلالات. شدة هذه الحرب وضراوتها وكذلك حجم المساحة الشاسعة التي تغطيها دفعت بالكثير من الكتاب والمفكرين في العالم الى اعتبارها حرب عالمية جديدة, فأطلقوا عليها تسميات من قبيل الحرب العالمية الثالثة, او حتى الرابعة. مهما اختلفت التسميات ومهما اشتد الجدل حول حجم هذه الحرب, وكذلك مدى قوة الارهاب العالمي وقدرته على تهديد الامن والسلم الدوليين, لا بل وحتى قدرته على تهديد الاستقرار الدولي, فالحقيقة التي لا يمكننا التهرب منها هي ان هناك حرب مشتعلة, وهي مشتعلة بضراوة قل نظيرها, اذن نحن نعيش ايامنا وسنواتنا في ظل حالة حرب بكل ابعادها ومعانيها, ومما يزيد في حضور هذه الحرب بيننا ودخولها الى بيوتنا, التقدم الهائل الذي حققته ثورة تكنولوجيا الاتصال وبالتالي التأثير الهائل والسريع الذي يتركه الاعلام المعولم اليوم على نقل وايصال اخبار هذه الحرب وتفاصيلها الى كل بقعة من بقاع العالم.
المشكلة الاساسية التي تواجهنا هنا تكمن في العقلية والآليات والاساليب التي يتعامل بها العالم وكذلك الاعلام العالمي بما فيه الاعلام العربي مع آثار وتداعيات هذه الحرب, فلا يصعب على المراقب, او حتى المتابع المتأني الدقيق ان يلحظ الازدواجية المفضوحة التي يتعامل وفقها الاعلام مع هذه الحرب, فهو يركز على الجانب الميداني او العملياتي بينما يغفل الجوانب الاخرى كالجوانب الانسانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية, لا بل وحتى الاخلاقية. من جهة اخرى نرى هذا الاعلام يمارس التمييز حتى على هذا الصعيد, فهو لا يعمل على ضمان الحجم المطلوب من التغطية اللازمة للعمليات الارهابية التي تنفذها المنظمات الارهابية في دول ومجتمعات الشرق والشرق الاوسط وبصورة شبه يومية.. هذا ان لم نقل على مدار الساعة كما يحدث الآن في العراق وكما كان يحدث في الجزائر منذ سنوات. هذا التمييز واضح حتى في الحديث عن عدد الضحايا, فبينما نجد تركيز الاعلام على الحديث عن العدد الدقيق من ضحايا العمليات الارهابية التي تنفذها المجموعات الارهابية في الغرب(وهذا امر مشروع وطبيعي جداً وهو ما يجب ان يحدث فعلاً), نجد على الجانب الآخر الكلام عن عدد ضحايا العمليات الارهابية التي تحدث في مجتمعات الشرق والشرق الاوسط بصورة تقريبية, هذا اذا ما استثنينا العمليات الارهابية التي تحدث في المناطق البعيدة والمهمشة وفي اكثر من مكان ولانجد لها اي صدى في وسائل الاعلام.
هذه الآلية تشمل حتى الاضطرابات والعمليات العسكرية التي تحرق مجتمعات الشرق وشعوبه كل يوم تقريبا. فنحن لم نعرف حتى الآن عدد ضحايا مدرسة الاطفال التي هاجمها الارهابيون في بلدة بيسلان الروسية في العام الماضي, ونحن لا نعرف كذلك عدد ضحايا العمليات الارهابية التي تحرق الاخضر واليابس في العراق بصورة يومية وعلى مدار الساعة, حتى ان بعض المفارقات التراجيدية قد تجبرنا على الضحك بينما الدموع تسلبنا حتى انفاسنا مثلما حدث مؤخراً في اوزبكستان, فالحكومة اعلنت ان عدد الضحايا في الاضطرابات التي حدثت في مدينة انديجان في الايام الاخيرة بلغ (170), بينما الجانب الآخر يقول ان العدد هو (700), اذا اضفنا الى هذا الرقم التقريبي بامتياز ضحية اخرى, باعتبار ان الرقم هو تقريبي وعلى اعتبار ان زيادة او نقصان ضحية اخرى لن تغير شيئاً في ظل هذا الاسترخاص الفضيع وكل هذا الاستهتار بدم وحياة الانسان, فإن الرقم النهائي يصبح (701), هنا يلعب القدر لعبته المثيرة للسخرية والشفقة في آن واحد معاً, فنجد ان الجانبين المتقاتلين متفقان على الارقام التي اعلنوها ولكن بقليل من التلاعب في اماكن مفردات الارقام المستخدمة في الاعلان عن عدد الضحايا, فيمكن ان يكون العدد النهائي لضحايا هذه الاضطرابات والعمليات العسكرية التي قد يكون وراءها احد المجموعات الارهابية التي باتت تستوطن هذه البقعة من العالم(170) او(701), ربما يمكن القول وبمنتهى البرود, لايهم!!! نفس الحالة حدثت في دولة الكويت ابان احتلالها من قبل قوات صدام حسين التي مارست الارهاب في كل حروبها الخارجية والداخلية, لا بل حتى ان ارهابها طال المؤسسة العسكرية العراقية نفسها, فنحن لم نعرف العدد الدقيق لضحايا احتلال الكويت, وهو ما يؤدي الى ارتفاع العدد المعلن كمفقودي هذه الحروب والعمليات الارهابية. إلاّ ان الحدث الاهم والابرز في هذا المجال هو ما حدث في العراق, ولم يسمع به العالم الاصم عن سماع الفضائع التي ترتكب في المجتمعات الشرق اوسطية المنسية.، في العام 1991 وبعد ان اخرجت قوات التحالف الدولي الذي تشكل آنذاك لتحرير دولة الكويت, قوات صدام حسين من اراضي الكويت, اندلعت انتفاضة الربيع التي اشعلها الشعب العراقي من اقصى شماله في جبال كردستان الى اقصى جنوبه عند مشارف البصرة, اضطر النظام على اثرها للدخول في حوار مع قادة الجبهة الكردستانية, وكان الوفد البعثي المفاوض يضم بين من يضم, علي حسن المجيد ابن عم صدام والذي اشرف بصفته الحاكم المطلق لكردستان حينها, على تخطيط وتنفيذ جرائم الابادة الجماعية التي اطلق عليها تسمية عمليات الانفال والتي كان الهدف الرئيسي من وراءها احراق كردستان وابادة شعبها بالكامل, واستخدم خلالها حتى الاسلحة الكيمياوية المحضورة دولياً ضد السكان المدنيين العزل في قرى ومدن كردستان, لعل اشهرها عملية قصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيمياوي, التي راح ضحيتها اكثر من (5000) من نساء وشيوخ واطفال المدينة, ومايزال السكان المدنيون يعانون من آثار الغازات السامة المستخدمة في قصف المدينة عام 1988, مما حدى بالشعب الكردي ومن بعده الشعب العراقي وحتى وسائل الاعلام الى تسميته ب(علي الكيمياوي), علي الكيمياوي هذا استشاط غضباً اثناء احدى جلسات الحوار بين النظام وقيادة الجبهة الكردستانية, وعبر عن امتعاضه الشديد لقيام الاكراد وقياداتهم ب(المبالغة) في ارقام ضحايا عمليات الانفال التي كانت بحق من ابشع صور وصنوف ارهاب الدولة التي مارسها نظام صدام, واستدرك بأن العدد النهائي لمجموع من قمنا بقتلهم قد لايتجاوز اكثر من مئة الف قتيل, بينما اعلنتم بأن العدد النهائي هو(182000). مسكين علي حسن المجيد, فحتى لو كانت الارقام الكردية غير دقيقة, فإن الرجل لم يقتل اكثر من مئة الف انسان وذلك في سلسلة عمليات واحدة, تكررت فيما بعد في مناطق عديدة من جنوب العراق وسط صمت العالم وسكوته على هذه الجرائم, ولعل الاعلان المتكرر عن اكتشاف مقابر جماعية جديدة وفي ارجاء متعددة من العراق هو خير دليل على قسوة وشناعة ارهاب الدولة الذي مارسه نظام صدام وبامتياز منقطع النظير, فمن يستطيع ان يدلنا على حكومة استخدمت اسلحة دمار شامل ضد ابناء شعبها؟ من منا يستطيع ان ينسى صورة اهالي من دفنوا بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري على تلك البقعة الآمنة من ذلك الشارع المألوف في بيروت, فبدلاً من اخراجهم من تحت الانقاض تم طمر الحفرة بمن فيها في محاولة لطمس الحقيقة, فكان لابد من ان يكون هناك من يدفع حياته ثمناً لهذه المأساة.
كما نرى فإن الحديث عن الارهاب حديث ذو شجون ويؤدي بنا بصورة حتمية الى متاهة يصعب الخروج منها, وعليه فإن الحديث عن اي جانب من الجوانب المختلفة التي يترك الارهاب الاعمى آثاره المقيتة عليها, لا بل ويدمرها في اغلب الاحيان هو حديث مستقل بذاته ويحتاج الى المزيد من الجهد والوقت والمساحة, وهدف هذه المحاولة المتواضعة لا يتجاوز القاء بعض الضوء على جانب واحد من جوانب آثار الارهاب وتداعياته, وهو جانب اغفال التدقيق في العدد الصحيح لضحايا العمليات الارهابية هذا ناهيك عما تتركه هذه الآثار على الجرحى وعوائلهم وكذلك عوائل القتلى, ومن ثم ابراز التمييز و الازدواجية التي يتم التعامل بهما مع ضحايا العمليات التي تنفذها المجموعات الارهابية في دول ومجتمعات الشرق والشرق الاوسط, اذ انه من هنا بالذات تأتي عملية طمس الحقائق المرة للواقع المزري والمرعب الذي تعيشه هذه المجتمعات في ظل الارهاب وعلى العديد من الاصعدة والجوانب, على ان كل هذا يحتاج الى كلام آخر وكذلك بحث آخر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا