الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجماهير الكادحة في السودان تدكّ قلاع الظلامية

حزب الكادحين في تونس

2013 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



تتدخّل الإمبرياليّة في الوطن العربي بصفة مستمرّة، وقبل اكثر من نصف قرن استبدلت استعمارها المباشر لجل اقطاره باستعمار غير مباشر بعد ان استنفذ الشكل الاول منه غرضه التاريخي و لم يغيّر ذلك في شيء من جوهر علاقات الإنتاج التي ظلت على تخلفها واليوم تسيطر الشركات الاحتكارية الكبرى على الثروة العربية ويتولّى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي فرض سياساته عبر تدخّله السّافر في تحديد التوجّهات العّامة لسياسات الأنظمة العربيّة العميلة .
ومن مظاهر ذلك استجابة الرجعية الحاكمة لإملاءات الصناديق المالية الامبريالية عبر الترفيع في أسعـــار المواد الغذائيّة والمحروقات وهو ما مثل باستمرار مصدر توتّر للأنظمة الحاكمة التى سرعان ما تجد نفسها في مواجهة غضب الكادحين الذين يتأثّر مستوى معيشتهم سلبا جراء ذلك قالمواد الغذائيّة مثل السكر والعجين بكل أنواعه والخبز والزيت تمثّل عناصر التغذيّة الاساسية للكادحين إلى جانب المحروقات بما فيها الغاز المنزلي المعد للطبخ وكثيرا ما ينفجر ذلك الغضب في شكل مظاهرات واحتجاجات دامية .
ورغم مخاطر هذا الإجراء، فإنّ الدوائر الماليّة الإمبرياليّة تضعه كشرط مسبق لمواصلة إسناد الأنظمة وفي الآن نفسه تسعى من خلاله لترسيخ هيمنتها على الوطن العربي للاستئثار بثرواته الطبيعية معتمدة في ذلك على الأنظمة الكمبرادوريّة الإقطاعيّة التي توكل لها مهامّ قمع الجماهير وإجهاض كفاحها من أجل التحرر الوطني الديمقراطي والاشتراكية وحرفه عن مساره الثورى والزج بالكادحين في أتون الصراعات الرجعية من عرقيّة ودينيّة وجهويّة وقبلية وطائفية وصولا إلى تقسيم المقسّم وهو ما تمّ بشكل جلي في السّودان .
لقد دفعت الإمبريالية النظام العميل في السّودان إلى خوض حرب رجعيّة في الجنوب أدّت في النهاية إلى تقسيم البلاد وفقدانها لـ ¾ الثروة النفطية فتحولت من منتج للنفط إلى مورّد له. ورغم هذه الخسارة الفادحة واصل النظام خوض حروب رجعية في أجزاء أخرى مثل دارفور مكدسا الأسلحة على حساب قوت الكادحين. فقد كان همّه الحفاظ على سلطته مهما كان الثمن مما اثر سلبيا على الميزانيّة العامة.
إنّ السبب الرئيسيّ للأزمة الاقتصاديّة الخانقة في السّودان هو السياسّة اللاّوطنيّة واللاّشعبيّة واللاديمقراطيّة التي يسلكها النظام الرجعي والتى تجلت في الحروب الرجعيّة التي يخوضها بين الفينة والأخرى مما أدّى إلى تدمير العديد من المشاريع الزراعيّة والصناعيّة وأصبحت ميزانيّة الدولة ترتكز بالأساس على الضرائب والقمارق وبعض عطايا إمارات الخليج وهو ما لا يمكن ان يفي باحتياجات الشعب.
ورغم أنّ بعض الخبراء في السّودان قد أكّدوا أنّ الترفيع في الاسعار يعتبر كارثة ستحلّ بالاقتصاد وستؤدّي إلى التخفيض في الإنتاج وإلى ارتفاع التضخّم الذي وصل إلى 25 بالمائة ، كما ستخلق خللا وعجزا في الميزان التجاري وستزيد في نسبة الفقر ، فقد أصرّ النظام ي على تطبيق أوامر أسياده الإمبرياليين الممثلين في البنك العالمي وصندوق النقد الدولي الذين أبرموا معه اتّفاقا يقضي بذلك الترفيع، وقد تمّ تحديد موعد وصول خبراء هذه البنوك للخرطوم يوم 08/10/2013 للتأكّد من تنفيذ ما اتّفق عليه مقابل وعود بإعادة النظر في ديون النظام إمّا عن طريق إعادة جدولتها أو إعفائه من خلاصها ومنحه المزيد من القروض والإسهام في إطفاء الحروب الدائرة في المنطقة وتطبيع علاقاته مع جنوب السودان وذلك حالّ التزامه بتلك التوصيات .
وكدليل على حسن استعداده للقبول بشروط الدوائر الماليّة الإمبرياليّة ، أعلن النظام عن التـرفيع في أسعـار المحروقات بنسبة 37 بالمائة ليصبح بذلك سعـر قالون (حوالي 4 لترات ) البنزين 21 جنيها والقازولين 14 جنيها ، كما تمّ الترفيع أيضا في سعر الغار المنزلي . و نتج عن هذه الزيادات ارتفاع مهول في أسعار كافّة السلع والخدمات والمواصلات وقد تزامن ذلك مع انخفاض قياسي في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار والذي بلغ في السوق السوداء 07 جنيهات والحال وأنّه يتمّ بيعه في البنك المركزي بسعر 4،4 جنيه .
لقد أدّى هذا القرار إلى استفحال الأزمة الإقتصادية وارتفعت بصورة مجحفة، إذ تشير بعض الإحصائيّات أنّ المتطلّبات الضروريّة لأسرة صغيرة (أسرة مفقّرة) أصبحت بحكم هذه الزيادات تتجاوز 40 جنيها في حين أنّ الأجر الأدنى في السودان يبلغ حاليّا 165 جنيها أي ما يعادل 37 دولارا. ولمزيد التوضيح نورد هنا بعض أسعار المواد الضروريّة لمعيشة الكادحين فنجد مثلا سعر رطل من السكر يساوي 5،1 جنيه بينما بلغ سعر رطل الشاي 9 جنيهات وكغ البطاطا 6 جنيهات والطماطم والبصل 10 جنيهات ، أمّا اللحم ( لحم الظأن ) فحدّث ولا حرج إذ أصبح يباع بالدولار بثمن قدره 08 دولار أي ما يعادل 56 جنيها والحال أنّ السودان يعدّ البلد الأغنى من حيث الثروة الحيوانيّة .
لقد أثّر ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة على الطاقة الشرائيّة للكادحين في بلد لم يتعد فيه أكثر من 47 بالمائة من متساكنيه عتبة الفقر وبالإمكان أن ترتفع هذه النسبة إثر الإجراءات التي تمّ اتخاذها في شهر سبتمبر 2013 .
في وضع متفجر كهذا ، كان مجرّد الإعلان عن أيّ زيادات في الأسعار يعدّ بمثابة الشرارة التي تحرق السهل ، فبمجرّد إعلان الحكومة السودانيّة يوم 23/09/2013 عن قرارتها ردّت الجماهير الشعبيّة بعنف واحتلّت الساحات العامّة والشوارع مندّدة بهذه الإجراءات داعية الحكومة للتراجع عنها ، غير أنّ النظام لم يستمع إلى أصوات الكادحين التي غصّت بها الشوارع بل أرسل لهم قوّات قمعه لإسكاتهم و اغراق احتجاجاتهم في الدماء.
و قد استعملت قوات القمع الرصاص الحى و القنابل المسيلة للدموع ظنّا منها أنّها ستتمكّن من القضاء عليها في المهد، غير أنّ مسعى النظام خاب مع توسّع نطاق الإحتجاجات والمظاهرات التي عمّت أغلب المدن والقرى، كما تحوّلت العاصمة الخرطوم إلى مأتم مستمرّ جرّاء الأعداد المتزايدة من الشهداء وأصبحت مواكب الجنائز ومجالس العزاء مناسبات للتنديد بالنظام الدموي والدعوة لمقاومته والإطاحة به. وكلّما ازداد قمع النظام لهذه الإحتجاجات والمظاهرات إلاّ وتوسّع نطاقها وأصبحت أكثر تنظيما رغم أنّ المنتفضين فقدوا حوالي 200 شهيد وعدّة مئات من الجرحى وحوالي 600 معتقل .
وكإجراء احترازي ، عمد ت الرجعية إلى سلوك سياسة التعتيم الإعلامي لإخفاء الجرائم فصودرت الصحف ومنع الصحفيون من تغطية الأحداث وأغلقت مقرات بعض الفضائيات وقطعت الأنترنات على مدى يومين ثمّ أعادت تشغيلها مع التخفيض في قوّة انسيابها خاصة موقع التواصل الإجتماعي الفايس بوك، كما حجبت موقع اليوتوت للحيلولة دون قيام الناشطين بتحميل صور للجرائم الوحشية المرتكبة في حق الشعب.
و قد قابل حوالي 75 بالمائة من الصحفيين هذه الإجراءات بالإعلان عن إضراب مفتوح عن العمل بداية من 28/09/2013 تحت شعار "صحافة حرّة أو لا صحافة" احتجاجا على ممارسات النظام القمعية التي يهدف من ورائها إلى لجم كل الأصوات المعارضة له.
عرفت الإنتفاضة السودانية الاخيرة تطورا تصاعديّا بحكم تغيّر الشعارات المرفوعة التي عبّرت في بداياتها عن رفضها للزيادة في الأسعار من ذلك "لا،لا للزيادة في الأسعار" و"احنا مرقنا ، مرقنا ضد اللي سرقو عرقنا" ثم المطالبة بالحريّة إثر موجة الإعتقالات الواسعة التي طالت أغلب الناشطين لتتطور مع استمرار مواجهة النظام للمتظاهرين بالرصاص الحي وارتفاع عدد الشهداء إلى شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" وكذلك المطالبة برحيل عمر البشير من خلال شعار "اِرحل، اِرحل" لتصبح في النهاية الثورة مطلب من مطالب الشعب "الثورة خيار الشعب"
وهو ما يؤكّد تأثّر ما يجري في السودان راهنا بانتفاضات الكادحين في تونس ومصر واليمن والبحرين وغيرها من الأقطار العربية فضلا عن البرهنة على أن النظام السوداني الملتحف بالدين لن يكون في منأى عن الموجة الثورية العربية التي انطلقت في 17 ديسمبر 2010 و هي تلك التي لا تزال الامبريالية تعمل على كبحها بتوظيف الرجعيتين الليبرالية و الدينية ضدها وقطع الطريق أمام تحقيق مطامح الأمة العربية في تحررها وحكم نفسها بنفسها والسيطرة على ثرواتها و بناء وحدتها الديمقراطية الشعبية، وامام الثوريين السودانيين مثل سائر رفاقهم العرب الكثير من الجهد الذي ينبغي بذله لتنظيم المواجهة وتصعيدها وصولا إلى انجاز ما يصبو إليه الكادحون .


صدر بجريدة طريق الثورة عدد اكتوبر 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار