الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من فضاء الفساد السياسي إلى فضاء الوطنية السياسية

عفيف رحمة
باحث

2013 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر الأزمة الوطنية في سورية محطة تحولات تاريخية وضعت البنية السياسية موضع نقد ومحاسبة أخلاقية ومعرفية، محطة تمهد اليوم لولادة فضاء سياسي جديد أهم ما تتميز به قواه الناشئة محاولتها تحطيم منظومة الإقصاء و الإستبداد التي ميزت الحياة السياسية منذ أول إنقلاب عسكري عام 1949.

في مختلف المراحل السياسية التي عرفتها سوريا كانت عملية إعتلاء القضية الفلسطينية وأحتواء القضايا العربية الأدوات الأهم لإستقطاب الشارع كمقدمة للوصول إلى السلطة والإمساك بمقاليد الحكم، إن بالطرق السياسية السلمية أو بالطرق العسكرية الإنقلابية التي كان لها الغلبة منذ مطلع سنوات الإستقلال.

غير أن منظومة الإستبداد لم تعزز بنيتها وتطور أدواتها إلا في العقود الأربعة الأخيرة، حيث تمكنت السلطة السياسية-الأمنية من إرغام الحركة السياسية في سوريا بأحزابها وتياراتها المختلفة على التحرك وفق بنية هرمية تنتهي دائماً برأس السلطة والنظام.

بنية مكنت المجموعة الحاكمة من استملاك مؤسسات الدولة والسيطرة على النقابات وتوظيف المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، مما ساعدها على تثبت قادتها ورموزها على رأس إدارات الدولة، ووفر لرأس النظام إمكانيات تفرده برسم الهوية السياسية والإقتصادية للدولة وإمساكه بسياساتها الداخلية والخارجية.

هذا النظام بسماته الخاصة مهد رويداً رويداً لإلغاء الحياة السياسية والإقصاء الهاديء والممنهج لمختلف القوى المعارضة، وفرض الوصاية على الجماعات السياسية التي قبلت السير بموكبه.

سياسة التفرد بالسلطة هذه جاءت متزامنة مع تفاقم الأزمات الفكرية في مختلف التنظيمات الحزبية، حيث فشلت قياداتها في معالجة تناقضاتها الداخلية، في وقت كان يفترض أن تكون (هذه القيادات) أكثر نضجاً ووعياً بحكم تجربتها لتتمكن من مقاومة برنامج الإقصاء الذي أفقدها حاضنتها الشعبية وأبعدها عن تنفيذ مهامها الوطنية والتاريخية.

أزمات عكست فشل هذه الحركات في فرض رؤيتها في شكل معالجة قضايا دولة لم تتعزز بعد مؤسساتها الدستورية ولم تكتمل معالم هويتها الوطنية المستقلة.

الهوية السياسية والإقتصادية للدولة، أولويات القضايا الوطنية، المفاضلة بين القضايا القومية والقضايا الوطنية، العلاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، تقييم النظام الحاكم وتعريف هويته الوطنية، القضية الفلسطينية، مشاريع التوحيد العربي، التحالفات الدولية،....

قضايا شكلت المقدمات الموضوعية لنمو التناقضات الفكرية والسياسية في جسد الحركة الواحدة، لتعزز بدورها تفاقم الصراعات الحزبية التي تجلت في شكل صراعات تنظيمية.

حرية التفكير والتعبير، الديمقراطية ومدلولاتها، حرية النقد وعقدة النقد الذاتي، الحرية الفكرية والإلتزام العقائدي، العقائدية والجمود العقائدي، التجديد والإبداع الفكري، العلاقة بين قيادة الحزب وقواعده، الديمقراطية المركزية والمركزية الديمقراطية، التحالفات الحزبية، تعريف هوية رموز النظام وإنتمائهم الطبقي... إلخ.

مواضيع إشكالية وخلافية تحولت تلقائياً إلى مؤشر إنقساماتها السياسية والتنظيمية، أما القضية التي شكلت صاعق إنفجارها فكانت مسألة الموقف من السلطة وقضية المشاركات الحكومية.

بين مطرقة الصراع الحزبي الداخلي وسدان احتكار النظام للسلطة وهيمنته الأمنية، إنفجرت مجمل الأحزاب السياسية إلى زمر وشرازم أبوية وماضوية تعتمد على الولاءات الشخصية وتواسي ضميرها بمكانتها الشعبية الغابرة.

واقع جعل بعضاً من قيادات هذه الزمر والشرازم تبحث عن مأمن لها، فمنهم من وجده تحت أجنحة النظام والسلطة، ومنهم من تمرد فتحول نشاطه السياسي إلى نضال بائس همه التحصن من الملاحقات الأمنية، أما الباقون فأختاروا الإعتكاف والإبتعاد النهائي عن الحياة السياسية.

وأي كان الحل الذي انتهت إليه هذه الأحزاب التي شكلت الفضاء السياسي السوري، فإن عهدها انتهى موضوعياً بسبب المتغيرات الدولية وتطور النظم السياسية والإقتصادية في العالم، وبفعل التقادم والإهتلاك التاريخي الذي عززه التضييق على نشاطها الذي مارسته السلطة السياسية-الأمنية تكريساً وتأسيساً لمنظومة سلطة مركزية مطلقة محمية بالهيمنة الأمنية القمعية.

إنتهاء الدور التاريخي و السياسي لجميع الأحزاب في سوريا دون استثناء بتياراتها القومية، الإشتراكية، الوحدوية ... نجد مؤشراته في فقد قاعدتها الشعبية والحزبية امكانية إنتاج نشطاء وقيادات جديدة قادرة على تأمين إستمرارها وتطوير فعلها السياسي.

وإذا فقدت هذه الأحزاب الأهلية الفكرية والسياسية فإن الحزب الحاكم لم يكن بأفضل حال منها، فرغم استحوازه على المؤسسات الثلاث للدولة وسيطرته على النقابات وإمتلاكه لقوى الجيش والأجهزة الامنية التي وفرت استقراره واستمرار حكمه، فإن أنصاره ومتحزبيه فقدوا فعلهم الفكري والسياسي بعد أن تحولوا إلى جماعة مهمتها الأولى والأخيرة إحتواء الشارع السوري وتعبئته فكرياً لتقبل النظام كحقيقة مطلقة والتعايش مع عبثية السياسات التي اعتمدتها السلطة.

مهمة قواعد الحزب الحاكم انحصرت في الترويج لعبقرية السياسات التي تنتهجها قياداتها وتبرير إخفاقاتها الإقتصادية والإجتماعية والعسكرية المتكررة وتقديم هذه الإخفاقات كحلقة من المؤامرات الإقليمية والعالمية.

ذاك هو واقع الحياة السياسية في سوريا حيث تقف اليوم مجمل الجماعات التي سارت في موكب النظام امام بؤس إحتضانها الشعبي وفقد مصداقيتها السياسية والاخلاقية، إمتحان تاريخي يدفع بها اليوم لتدافع بشكل مستميت عن نظام فاسد احتمت به طوال عقوده الأربعة.

لقد مثلت المرحلة السياسية الماضية عصر من الظلمات والمظالم السياسية، وأمام الحركات السياسية الجديدة الناشئة مهام وطنية صعبة وشاقة لأنها تنتقل من بيئة الفساد السياسي والإقتصادي إلى بيئة النضال الوطني الطوعي والحر والديمقراطي لمواجهة القضايا الملحة التي سيتحدد بموجبها مستقبل دولة المواطنة والقانون

التنمية البشرية، معالجة الفساد الإجتماعي والإداري والإقتصادي، عصرنة العملية التربوية والتعليمة، التنمية الصحية وحماية البيئة، الإستثمار الأمثل للموارد الطبيعية، تطوير منظومات الطاقة المستدامة، تطوير الصناعة، معالجة مشاكل الريف والقضية الزراعية، تطوير الصناعات الزراعية، دعم الصناعات الصغيرة، إيجاد فرص عمل للشباب والقضاء على البطالة، مراجعة دوافع الهجرة الداخلية والخارجية.... قضايا لم يكن للأحزاب البائدة الجرئة بمجابهة النظام بها وحتى مناقشتها في غرفها المغلقة، لكنها القضايا التي ستشكل فضاء العمل الوطني وساحة عمل الحركات السياسية الجديدة.

وإذا شكل عصر المظالم السياسية البيئة التي ساهمت بإنهاء دور أحزاب لم تعرف ولم تعترف بحرية الفرد وحقه بالإبداع، فإن حركات الفضاء السياسي الجديد لا يمكن أن تلعب دورها الوطني إلا في بيئة ديمقراطية ترتكز على الواقعية السياسية التي تأخذ بالإعتبار الحقائق والممكنات، كما لا يمكن لها أن تكون طاقة نضالية متجددة إلا في إطار سياسي أخلاقي يسمح لها بالتفاعل الفكري والإبداع السياسي.

إن الإنطلاق بأي حركة سياسية جديدة يستلزم مراجعة لتاريخ الحركات السياسية التي مرت على صفحات التاريخ السوري وتحليل أمراضها تحليلاً علمياً وموضوعياً، كما يستلزم دراسة التجارب الحزبية التي نشأت حديثاً في العالم حيث الشباب روادها وقادتها.

إن أخطر سلوك أظهرته الحركات السياسية العقائدية (القومية، الإشتراكية، الوحدوية) سكوتها عن انتهاك الأنظمة الحاكمة لحقوق الإنسان في مرحلة تاريخية هيمنت عليها العقائد الفكرية المغلقة التي انتجت نهجاً إقصائياً لم يتوانى اصحابه عن استخدام الجريمة السياسية لإحكام السيطرة على المجتمع تحت رؤية هذه الحركات التي فضلت السكوت وربما التواطوء.

حركات عقائدية إرتكزت على مبدأ إمتلاك الحقيقية المطلقة، قفص الأسر الذي حجب عنها إمكانية التفاعل والاغتناء المعرفي اللازم لتطورها الفكري، فلم تفلح إلا بإستنساخ التجارب السياسية القديمة في مرحلة تاريخية تضج بالمعطيات المتجددة والعلاقات الاقتصادية المتنوعة وعوالم إجتماعية متباينة الهوية الإجتماعية والثقافية.

مرحلة تتناقض بطبيعتها مع الإنغلاق والإستبداد وتجاهل حقوق الإنسان، مرحلة يفترض من الحركات السياسية الناشئة استثمارها بحكم ما تملكه من إرادة ومستوى معرفي لتتمكن من ترويج أفكارها وقيمها الحضارية الحاملة للحداثة والتنوير.

لقد أوضحت الممارسة السياسية أهمية العمل مع منظمات المجتمع المدني المختلفة (ثقافية، علمية، إجتماعية، إقتصادية)، بإعتبار المجتمع قاعدة العمل السياسي وهدفه وبإعتباره الخزان الإجتماعي الرديف لإنتاج قيادات شابة قادرة على التعبير الصادق عن تطلعات المجتمع وقضاياه المعاصرة.

هي مسؤولية وطنية تستوجب من هذه القيادات التسلح بأدوات العصر حيث الإتصالات اللامحدودة والفضاء المعرفي المفتوح على المكتشفات العلمية الهائلة والنظم والنظريات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المعاصرة والحديثة، لتتقارب بعلمية وموضوعية الإرث الثقافي لمجتمعنا وخصوصيته التاريخة لتحاكي بنجاح تصميم وبناء مجتمع بعلاقات إقتصادية واجتماعية معاصرة قائمة على الحرية والعدالة والمساواة والكرامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: البدأ بترحيل مهاجرين أفارقة الى بلدانهم، فما القصة؟ |


.. هجوم إلكتروني على وزارة الدفاع البريطانية.. والصين في قفص ا




.. -سابك- تستضيف منتدى بواو الآسيوي لأول مرة في الرياض


.. السياحة ثروات كامنة وفرص هائلة #بزنس_مع_لبنى PLZ share




.. المعركة الأخيرة.. أين يذهب سكان رفح؟ | #على_الخريطة