الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكننا لم نعد اطفالا

احمد عسيلي

2013 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


عندما كنا صغارا و نريد أو نلح على اهالينا بطلب الخروج ليلا للتنزه او اللعب مع رفاقنا كان الأهل يلجأون الى طريقة عامة يسلكونها كي يسيطروا علينا و يجعلوننا نتمسك بالبيت او ربما نتمسك بهم و نندس( اقصد طبعا المعنى الاصلي لكلمة اندساس و ليس المصطلح السوري) في احضان امهاتنا.....هذه الحيلة هي دائما اخافتنا من الجنية التي تجلس خارج البيت و تأكل الاطفال
هي جنية واحدة بمسميات مختلفة حسب المناطق و الشعوب...و هي قصة واحدة حول عمل هذه الجنية و طبيعتها
و تتناسل التفاصيل عن هذه القصة الواحدة....و تتتابع الاحداث او الجرائم التي ارتكبتها هذه الجنية مع كل ليلة نطلب فيها الخروج ليلا...ليصبح لهذه الجنية تصور خاص في خيالنا عن شكلها و قصة حياتها و منشئها
و حين نكبر و نصبح ناضجين نعلم ان قصص الجنية هذه مجرد اختراع امومي لجعلنا ننام باكرا.......و ان لا جنية و لا اولاد قد اكلتهم سابقا
و ان كل مشاعرنا بالشفقة على هؤلاء الاولاد الذين جعلهم عنادهم و حظهم العاثر يقعون تحت انياب هذه الجنية لا وجود لهم
سنوات كاملة امضيناها رعبا و شفقة و تخيلا نكتشف في لحظات البلوغ انها لم تكن لها وجود......لكنها حققت غرض امهاتنا في ابقاؤنا داخل المنزل و في احضانهم حفاظا علينا و هذا ربما ما يشفع لامهاتنا ان نغفر لهم كذبهم......فالام تريد لابنها ان ينام باكرا و يصحوا باكرا و ينمو نموا سليما
وهذا بالضبط ما تقوم به حاليا الكثير من اجهزة مخابراتنا......جنية تقتل الابرياء و تقضي على الارواح.....لذلك علينا ان نتمسك بهم و ان نبقى في احضانهم و لا نخرج ابدا
فالعالم دائما ليلا.....و لا نهار في شرقنا الفصامي هذا
العالم دائما ليل.......و الجنية دائما تتربص بنا كي تقتلنا......اذن ابقوا في احضاننا كي تبقوا سالمين
لكن الفرق بين حضن الام و حضن الدكتاتورية ان حضن الام ناعم و حنون
اما حضن الدكتاتورية فمن شوك و عذاب
و ان البديل عن الخروج ليلا في الطفولة كان حليب و غناء و قبل
اما البديل عن خروجنا على الدكتاتورية فهو الذل و الفقر و العبودية
هي نفس اللعبة...فهي غريزة واحدة و طريق واحد يسلكه الاثنان....لكن شتان بين الهدفين
الدكتاتورية ليست أم و لا حتى زوجة اب....بل هي الثعلب الذي يريد أن يأكلنا.....و لا امان بالنوم في احضانها حتى لو كانت الجنية تقف خارجا وراء الباب
حتى لو هجم علينا كل ضباع الارض و ثعالبها و افاعيها.....فلن تكون ابدا اقل ضررا من النوم على شوك الدكتاتورية
الدكتاتور ليس الاب القائد....و الوطن في عهده لن يكون ابدا الحضن و الحنان
اسألوا كم من المغتربين عن شرقنا هذا دب بهم الحنين لارضهم و ناسهم....فذاقوا الويلات منذ اللحظات الاولى لوصولهم المطار
و قصة عبدالله خليفة ليست حالة نادرة في مطاراتنا السورية....لكنها الحالة الاكثر شهرة
و ما يميز هذه اللعبة بالنسبة للعسكر هي سهولتها و سرعة تأثيرها و قلة تكلفتها كما كانت تماما بالنسبة لاهالينا و نحن صغار
فكي تصنع الخوف لدى الشعب و تجبره على البقاء راضخا لا تحتاج أكثر من حدث صغير او حتى كبير تفتعله .....و من ثم جيش عرمرم من الاعلاميين و الكتاب الذين يضخمون هذا الحدث و يستخلصون منه النتائج التي يريدها النظام الحاكم او الذي يدفع لهم.....و من ثم اصطناع معركة وهمية مع اعداء فضفاضين تستطيع تعريفهم و تحديدهم كيفما تشاء لاحقا و هكذا تكنس كل من يقف في وجه السلطة.....و يصبح كل من ينتقد هذا التجييش عدو للامة
و هذا الكلام له تطبيقات في كثير من الدول العربية
فمصر لها السبق في اختراع هذا الاسلوب بدءا من جمال عبد الناصر و حتى السيسي
فحادثة المنصة بالاسكندرية في خمسينات القرن العشرين لا تختلف عن تفجير كنيسة الاسكندرية في 2010 و لا تختلف عن العديد من الجرائم و بعض الاحداث التي تحصل هنا او هناك حاليا....
و عقب كل حدث يشمر جيش كامل من الاعلاميين و الكتاب عن سواعدهم ليشكلوا جوقة واحدة تردد اغنية الراعي الرسمي للحدث
و هذا ما حدث ايضا في سوريا في فترات كثيرة من ظهور لجماعات ارهابية لا تخرج من وكرها الا في الاوقات العصيبة التي تصيب نظام الاسد......ليهدد بها النظام كل من يتطاول على الخروج من بيت طاعته في ليل نظام الطوارئ و لتعود هذه الجماعات الى اوكارها مرة اخرى عقب تجاوز الازمة و مراضاة القوى الدولية و ليظهر بعد عدة اشهر جميع اعضاء هذا التنظيم الذي قضى عليه النظام ببطولاته و ذكاء اجهزته......و لينتهي هذا التنظيم حتى اشعار اخر يكون عادة هي الازمة المقبلة
ومن منا ينسى جند الشام و ما بثه النظام حولها اثناء الحملة الدولية ضده بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري......ثم ظهر جميع اعضاء هذا التنظيم على شاشاته عقب التفاهمات السورية الامريكية.....و اختفاء هذا التنظيم تماما بعد ذلك
انها لعبة تافهة باتأكيد........و بالتأكيد ايضا لم تكن لتمر الا على الاطفال فقط.....لكننا نقبلها كما يقبلها الكثير من شعوبنا .....لان شعوبنا تفضل دوما حضن الدكتاتورية على الخروج في ليل البرد القاسي و مواجهة جنيات الديمقراطية و الحرية
نحن لم نعد اطفالا......لكننا مجبرين على البقاء في عقلية الطفل كي ننجو من الضياع في غياهب السجون...او قطع التذاكر المباشرة لنا نحن خالقنا
هذه هي اللعبة.....و لنكن صريحين مع انفسنا و نواجهها دون لف او دوران








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة