الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضيحة باسم يوسف

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2013 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لابد أن أعبر بداية عن إعجابي بشجاعة باسم يوسف، ليس في مواجهة أصحاب السلطة، لكن في مواجهة عشرات الملايين من المعجبين به. فهكذا يكون الإخلاص. فما لا يقبل من رجل سياسة كالبرادعي، بموقفه المتدني المتخاذل، يقبل من باسم يوسف الإعلامي الساخر، الذي تقوم سخريته النقدية بحرث تربة الوعي، التي تعفنت من طول الاعتياد على الرأي الواحد، والحقيقة الواحدة الوحيدة المقدسة.
لقد جعلنا من حلقة برنامج ساخر قضية وطنية، نحن الشعب الذي اشتهر بالسخرية حتى من نفسه. هو فيما يبدو التهاب غددنا السياسية التي تضخمت بعد 25 يناير 2011. كنا نقول "مصر العظيمة لي وطن * وهي الحمى وهي السكن". . الآن مصر هذه تقوم وكأنها لن تقعد، من أجل برنامج ساخر. . أليست هذه هي المسخرة الحقيقية؟!!
ما حدث أن الموقف من برنامج ساخر فضحنا جميعاً. أن تؤيد باسم يوسف لأنك إخوان أو من بتوع "على فكرة أنا مش إخوان"، يساوي أن تغضب من باسم لأنك مع ثورة 30 يناير، يساوي أيضاً ألا تهاجم باسم لأنك من الراقصين على الحبال وموقفك بين بين. في جميع هذه الحالات نكون من أصحاب مبدأ الرجل الواحد والفكر الواحد والحزب الواحد، وأن الاختلاف خيانة وكفر، وهذا ما علمه لنا ماركس وهتلر وموسيليني، وعلمه لنا أيضاً عبد الناصر الزعيم الملهم، ودرجنا عليه طوال ستة عقود. هكذا عندما نطالب بالحرية والديموقراطية، إنما نريدها ديموقراطية تكفيرية تخوينية، تستنزل اللعنات والبلاغات للنائب العام، على رأس كل من يخرج على "الإجماع الوطني". الكارثة أن هذا لا يقترفه الدهماء وعموم الناس فقط، وإنما أيضاً النخبة، التي سبق وفصلت "علي سالم" من عضوية اتحاد الكتاب، لتأييده لعملية السلام.
لقد استطاع باسم يوسف بخفة ظل، تجسيد المفارقة التي أستشعرها، حين أنادي أنا داعية الحرية بالاستبداد المرحلي. وحين أغض الطرف أو أحبذ الاعتقالات بالجملة لمواطنين. فأسبابي المنطقية لهذه المواقف، لا تلغي حقيقة أن الظروف قد أوقعتني بالفعل في مفارقة. ولا يعني هذا بالتأكيد أنني متقلقل أو متشكك في موقفي السياسي والفكري من هجمة طيور الظلام على بلادي، أو على كيفية التعامل معهم، كما تصور البعض، لكنه يعني أن الظروف قد تحتم على الإنسان أن يأخذ مواقف غير تلك التي نذر نفسه لها، وقد ذكرتني هذه المفارقة بأخرى عانيتها لبعض الوقت في شبابي، خلال فترة تجنيدي بالقوات المسلحة أيام حرب أكتوبر. فقد كنت أراني أنا المهندس الذي تعلم لكي يبني الماكينات، مطالب بتدمير ماكينات العدو، وهي مفارقة حالة وبقوة، رغم قناعتي العقلية والقلبية بأولوية حماية بلادي واستعادة أرضها المحتلة. وهو نفس الموقف الذي يفرض علي الآن أولوية استعادة وطني من ذئاب الظلام وأعداء الحياة.
لقد تناسى الجميع أن باسم يوسف يعد من أعظم الأبطال الذين ساهموا في خروج الشعب في ثورة 30 يونيو. . كان رجلاً بحق، حتى وهو يؤدي دور أراجوز. كل هذا لأنه مس في سخريته ذواتنا المقدسة، أو ذوات نشرع الآن في تقديسها. صار فجأة خائناً وعميلاً، كما اكتشفنا فجأة فحشه في التعبيرات، التي تجعل وجناتنا تحمر خجلاً وحياء وعذرية. بالطبع المبالغة في الإيحاءات الجنسية تخفض كثيراً من قيمة برنامج باسم يوسف، ومع ذلك فهو لا يركز على الجنس بمثل ما يركز مشايخ الإرهاب في فتاويهم.
أوافق على إخراس باسم يوسف، على أن نخرس جميعاً، ونترك الأمر لمن يستطيع أن يخرجنا من الهاوية التي أوقعنا أنفسنا فيها.
يدور الصراع في مصر بين مختلف أنواع ودرجات التخلف، وهناك من ينتظر انتصار الحداثة. النظام السياسي والقاعدة الشعبية طرفان يتبادلان التأثير والتأثر، ولأن حالة الشعب المصري متردية إلى حد كبير، نحتاج إلى حكم مستبد على نمط حكم الحبيب بروقيبة في تونس، يجبرنا على قبول الحد الأدني من الحداثة، ليبدأ بعدها تطور النظام السياسي، بالتوازي مع التطور المجتمعي. ولا نريد التطرق لفشل هذه الوصفة جزئياً في تونس، حتى لا نضطر للوصول إلى اليأس التام والنهائي!!
عزيزي باسم يوسف: واصل رسالتك الساخرة، حتى لا نعود لعصر الرأي الواحد والرجل الواحد والسجن الواحد باتساع الوطن. . واصل فأنت ظريف رغم فحش تعبيراتك!!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا فض فوك أيها!
خالد سالم ( 2013 / 10 / 27 - 09:56 )
إن المجتمع الذي لا يقبل برأي مخالف لرأي العامة والخاصة لا يقدر على غزو عالم الحرية!
باسم يوسف ظاهرة، رغم أنني لم أطلع على كل ما تفتقت عنه قريحته الفنية، ولا يصح أن ينال هذا النقد والتقديح لكونه مخالفًا للرأي السائد. الشعوب الحرة تقبل بما يُطرح من آراء مناقضة لرأي الأغلبية، وإلا لتحول كل من اقترب من سدة السلطة إلى فرعون، وهذا هو ما حدث في مصر على مدى قرون طويلة. عبادة الأفراد هي التي حولت راغبي السلطة إلى حكام بأمرهم فور صعودهم إلى سدتها.
وعلى من بيدهم الأمر في أرض الكنانة أن يتذكروا المثل المصري الأصيل:-اللي يتجوز أمي أقوله يا عمي-. فكم من جهابذة حرقوا البخور للإخوان ولمبارك، واليوم يفعلون الشيء نفسه لمن على الساحة.


2 - شكرا
محمد بن عبدالله ( 2013 / 10 / 27 - 11:02 )

عبرت عن كل ما أريد قوله بتمكن يا أستاذ

الشعب المصري تربى على العبودية والطاعة من عهد خوفو إلى عبد الناصر مرورا باثناسيوس وكيرلس لا يؤمن بالفكر الحر ولا بالصدق ولا بالحرية الشخصية.

المصري يخفي دائما رأيه جبنا أو نفاقا يستتر بالجمهور ويسايرالجمع.. يخاف ما يختشيش..هل يمكن اصلاحه؟ أتمنى!


باسم يوسف (تربية تانية)..مستقل الفكر صادق صريح عبقري في نقده..رغم بعض اشمئزازي من شخصية (جماهير) السمجة


3 - فعلاً مسخرة
سامى غطاس ( 2013 / 10 / 27 - 17:57 )
دعنا من باسم يوسف أو غيره . كتابتك للجملة التالية
الآن مصر هذه تقوم وكأنها لن تقعد، من أجل برنامج ساخر. . أليست هذه هي المسخرة الحقيقية؟!!
تلك الجٌملة تؤكد بها قناعتى إن كمال غبريال أحد المٌفكرين القلائل جداً هنا فى الحوار المٌتمدن , وسواء أختلف البعض معك أو أتفق فالأثنيين لن يختلفا على إننا نقرأ لمٌفكر لطالما عٌقمت مصر فى الأونة الأخيرة بالإتيان بمثله .
تقبل تحياتى


4 - أحترم نفسك
KHALED ALMASRY ( 2014 / 2 / 20 - 22:00 )
الى المعلق محمد عبد الله ..... ياريت تحترم نفســـــــــــك لما تتكلم عن الشعب المصـــرى
و الأ سأضطــر أسفا أنى ( ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ )


خالد المصرى - شبرا مصر - القاهرة الزاهرة - مصر أم الدنيا ( رغم أنف البدو الأجلاف رعاة الغنم و قوى الاستكبار العالمى )

اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا: إسبانيا تكتسح جورجيا وإنكلترا تفوز بصعوبة عل


.. الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية: نتائج ودعوات




.. أولمرت: إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله قد يختفي لبنان.. وا


.. إسرائيل تتحدث عن جاهزية خطط اليوم التالي للحرب وتختبر نموذجا




.. ميليشيا عراقية تهدد باستهداف أنبوب النفط المتجه إلى الأردن|