الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- أدهم يحي - قصة قصيرة

أماني فؤاد

2013 / 10 / 28
الادب والفن


" أدهم يحي "

أتمَّ لبس بدلته الرمادية الأنيقة ، وضبط ربطة عنقه العريضة ، وأعاد تلميع حذائه للمرة الثالثة ، ثم نظر في المرآة .. فذكرته فورا أنه نَسي أن يُنهي آخر طقوسه ، فنثرَ عطرَه الحار علي جسده ، والتقط سلسلة مفاتيحه من فوق المكتب ، فأشارت المفاتيح إليه أن ينظر سريعا إلي موضوع الندوة التي دُعي إلي إلقائها في الجامعة " الثقافة مابين سلطة الدين والرأسمالية" .
ضج د. "أدهم يحي" من كل صياغة تتضمن ثنائية وهمية ، قتلته كل التنازعات التي يخلَّقها البشر.. أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية ، والسياسي الذي حارب الانحياز لأية قوي في الوجود سوي الإنسان وحريته..
نزل في المصعد ؛ لتريه جدرانه عامدة ثلاثة من "أدهم يحي" يتحدونه ، غير الرابع الذي يكبح هو تمرده وانفصاله عنه..، فتجاهلهم جميعا .. ثم أخرج لهم طرف لسانه ، متحاشيا صراعهم معه..لكنهم لحقوا به ، فهم نادرا ما يتركونه..
وهو يفتح باب سيارته.. بادرته : لماذا لا تركن ــ مثل غيرك ــ إلي الإجابات الجاهزة المريحة ؟ هل ستظل تكره أفعل التفضيل.. والصيغ الحدية الغبية ؟ يخاطبها : حين تنفتح سماء المعرفة .. تتسع الرؤية ، وتتداخل الظواهر ، حينها يصبح الاختيار الأحادي مستحيلا ؛ تتشابك أغصان المعاني ، فتصبح الغابات أفدح كثافة ، يتكشف غيم الثنائيات الكاذب : اليسار واليمين ، الدولة الدينية ودولة العسكر ، الهجرة أو الاكتواء بعشوائية العيش بمصر ، الواحد أو المجموع ، مؤسسة الزواج أم حبيبته "علياء"..
يتسائل الثقب الذي جوف قلبه منذ أن غادرها : تُري أين أنتِ الأن ؟ هل يمكن أن تكوني قد قرأتي عن الندوة بالصحف..، فأجدك وضاءة كعادتك أمامي ؛ فتتطاير قدماي فوق الأرض ثانية .. ، أفرد أشرعتي في مياهك العميقة الزرقاء..
وصل المدرج..، فإذا به يخبره : أنها ليست من الحضور..، فينطفئ ضياء قمر أطل في سماء صدره..
اعتاد أن يقف معتدا بذاته ، كان دائما ما يؤمن أن الناس تتقبلنا كما نقدم نحن أنفسنا لهم.. ، لكنه حزين..
ابتسم للحضور في لحظة صدق بالغة التجرد ، وبدأ يقول : " أردتُ أن أحدثكم اليوم عن آلة علمية حديثة ، تمنيت أن يخترعها لنا الغرب كعادتنا ، جهاز يُوضع علي مراكز الذاكرة بالمخ ، يُمكِّن الإنسان من المحو الانتقائي من ذاكرته ، ألم يُسخرِّ الانسان العلم من أجل سعادته .. ؟ سأعطي للحضور مثالا : حين أحببت "علياء" أردتها أكثر من كل الأمنيات بحياتي ، أيضا لم يزل انجذابي لكل مافيها أكثر رغبة قاومتها طوال عمري ..
لماذا لا يمكَّننا العلم من أن ننسي ما يعذبنا ويؤرق علينا حياتنا حين لا نملكه ؟ كأن نسقط من حياة ذاكرتنا ثلاث سنوات علي سبيل المثال ..
عذرا.. يمكننا أيضا أن نسقط ثلاثين سنة ..،أو ستين عاما..،أو الزمان ذاته..
حين أزعجه صرير باب المدرج ينفتح.. نظر.. فوجدها تدخل بطلتها ذات الكبرياء القمري ، وجَّهت عينيها النداء مباشرة له ، فاتجه إليها شاخصا..
قال له الباب : لم يحضر أحد ..فاستدرك عائدا إلي المنصة بقدمين ثقيلتين .. وهو يقول : ولمَّ لا يخترع الغرب أيضا آلة تمكننا من أن نستحضر الشخوص الذين نريدهم من أماكنهم النائية ، البعيدة عن أن تطالها أيادينا .. فنضمهم إلي أحضاننا.. يمرحون فينا ؟
حين انهي الندوة ، وجاء دور الحضور في توجيه الأسئلة ، استفسر أحدهم ما العلاقة بين "علياء" و"الثقافة ما بين سلطة الدين والرأسمالية" ؟
أغلقت الندوة فمها .. ولم تجب عن أي شيء..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو