الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ يستدعى قادته وأبطاله

محمد السعدنى

2013 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كانت حركة التاريخ دلالة معنوية لأحداث ووقائع على الأرض وعبر الزمن، مادية، فإن روح التاريخ هى مايعطيه فكر الشعب وعمله وأبطاله. وما أحوجنا فى هذه اللحظة الفارقة إلى رجال وأبطال.
رجال يعرفون أدوارهم فى التاريخ ويسعون إليها، وأبطال يمشون بنا إلى المستقبل ويحددون معنا علاماته ومساراته. ولقد كانت واحدة من عبقريات هذا الوطن هى استمرار الجغرافيا وتدفق التاريخ، ماحافظ على دوام مركزية الدولة المصرية وهويتها واستقرارها. ولا أحسب تحدياً يواجه هذا الجيل من شعبنا العظيم قدر تهديد إتصال الجغرافيا ومحاولة إنقطاع التاريخ. ذلك أن نظام الإخوان بسياساته الخرقاء وغياب الوطنية من كل أدبياته المخاتلة زرع لنا إرهاباً غشوماً مجرماً فى سيناء وقايض عليها أوباما وآشتون والإسرائيليين لتكون وطناً بديلاً للفلسطينيين، شوكة فى خاصرة مصر تفصل شرقها عن واديها، ولايزال هذا التحدى قائماً، أضافوا إليه بقصر نظرهم وتخلف تابعيهم محاولة تغيير الهوية المصرية التى ظلت دوماً دعامة لتدفق التاريخ وديناميته واستمراره، فقد كانت الوسطية أهم علامات هويتنا الوطنية والثقافية ومدخلنا الواسع للحفاظ على ثراء التنوع والكوزموبوليتية، وكانت قوانا الناعمة فى العلوم والفنون والفكر والإبداع، فحاولوا طمس هويتنا واغتيال وسطيتنا وتبديد رأس مالنا الفكرى، وإختطاف مصر من دوائرها الحيوية: العربية والإسلامية والأفروأسيوية، تماماً كما حاول كل غاز أو مستعمر على مدار تاريخنا، والثابت أن مصر لم تضعف أبداً أوتقع تحت طائلة الإستعمار إلا بتهديد تماسك الجغرافيا وانقطاع التاريخ. ونحمد الله أننا لم نتأخر بفضل جماهيرنا الواعية وجيشنا الوطنى عن طى هذه الصفحة المظلمة من تاريخنا المعاصر، حتى وإن نكبنا بحكومة هشة مترددة تتحسب لردة فعل الخارج قبل الداخل، فتعجز وترتعش وترتبك وأحياناً تتواطأ، وهى بذلك خذلت الوطن كله قبل أن تخذل الثورة.
ياسادة مصر تحتاج رجالاً يخافون الله ويحبون الوطن، رجال مسلحون بالعلم والفكر والقدرة والشجاعة والمعرفة، رجال تمرسوا القيادة وخاضوا تجربة الحياة بوعى ورؤية، وتحتاج بطلاً يلملم شتات ما انحسر عن ثوب مصر، ويعيد وصل التاريخ والحفاظ على وحدة الجغرافيا، بطل يحمى حدودنا واستقلال قرارنا الوطنى ويضع معنا مفردات خطاب المستقبل بالأفعال لا الكلمات، ولا تسمعوا لأولائك المتنطعين كلاماً هو كالعدم سواء، من أن العالم تجاوز كاريزما البطل وأننا نعيش عصر الجماهير لا الزعيم الملهم، فهذا ربما كان حقاً يراد به باطل، ويحكمه قصر نظر وعدم قدرة على الإدراك الصحيح لما تواجهه مصر من تحديات وما تمر به من مخاطر.
ولقد كتبت هنا غير مرة عن حضور الجماهير بكل ثوريتها وإخلاصها وتطلعاتها، حين غابت النخبة بكل انتهازيتها وأنانيتها وطموحاتها، فعندما احتكمت أزمة الحكم مع مرسى، بدت النخبة عاجزة مفلسة، ولم يخرجنا من المأزق إلا يقظة جماهير 30 يونيو فى خروجهم المليونى الكبير، ولم يكن من قبيل الصدفة أن رفعوا صور السيسى إلى جانب صور جمال عبدالناصر، فى إشارة لايخطؤها إلا غبى أومكابر، إشارة تعيد وصل التاريخ ليمتد الخط على استقامته مابين 23 يوليو 1952 و30 يونية 2013. إنه وعى جمعى أدرك مخاطر مايحاك للثورة والوطن، فخرج يستدعى أمجاده ويسقط حكم التآمر والظلام. من هنا يتوجب حفاظاً على هذا الوطن أن يرضخ السيسى لنداء الشعب ويتقدم لإنتخابات الرئاسة ولا يترك قدر مصر فى أيدى اللاهين والطامعين، غيرعابئ بالصبية والمفلسين وأصحاب المصالح، أبناء خطيئة "يسقط حكم العسكر" والطابور الخامس الذين يشوشون وعى الناس ويتلاعبون بالرأى العام ويصطنعون خلافاً وهمياً حول رئيس ذو خلفية عسكرية، بينما أهم أمجاد الدول وتقدمها صنعه العسكريون، أمثال شارل ديجول، دوايت أيزنهاور، ونستون تشرشل، ماوتسى تونج، جون كنيدى، جوزيف بروز تيتو، سيمون بوليفار وهوتشى منة وجمال عبدالناصر وأنور السادات والظاهر بيبرس وسيف الدين قطز ومحمد الفاتح ومحمد على وإبراهيم باشا والناصر صلاح الدين، ومن قبلهم أحمس ورمسيس وتحتمس. وعلى الفريق السيسى أن يستجيب كقائد عسكرى منضبط لأمر "الشعب" قيادته الأعلى وصاحب القرار.
أكتب هذا غير مبال بأولئك الذين احترفوا التفتيش فى النوايا، فأنا ممن يصعب المزايدة عليهم، فقصارى مافعلت أن قلت كلمة حق ومضيت، قلتها فى نظام مبارك ودفعت الثمن وقلتها فى عهد مرسى ودفعت الثمن، فالأمر تجاوز الأفراد، إنها قضية وطن ومستقبل أجيال لاينبغى معها المواءمات وميوعة المواقف، إنها لحظة الفرز الوطنى حيث المسئوليات تستدعى رجالها. فليتقدم السيسى وليمتنع الخبثاء والمغرضون، وما قلت إلا ماأملاه على ضميرى الوطنى وقناعاتى عن علم ومعرفة، ولست فى حاجة لاستوظاف ولا استوزار، فقد نلت من المناصب الأكاديمية والدولية أرفعها، ولقد اعتذرت عن الوزارة أكثر من مرة، ويقينى أن عملى أستاذاً فى الجامعة للعلوم التجريبية والبحث العلمى هو أكبر المناصب والعطايا.
تقدم سيادة الفريق، فإن التاريخ سوف يحاسبك إن لم تفعل، فهو دائماً مايستدعى قادته وأبطاله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرانس كافكا: عبقري يتملكه الشك الذاتي


.. الرئيس الإسرائيلي يؤكد دعمه لحكومة نتنياهو للتوصل إلى اتفاق




.. مراسلتنا: رشقة صواريخ من جنوب لبنان باتجاه كريات شمونة | #را


.. منظمة أوبك بلس تعقد اجتماعا مقررا في العاصمة السعودية الرياض




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقعات بمناقشة مجلس الحرب إيجاد بديل