الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرود

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2013 / 10 / 28
الادب والفن


مقالة سيد قشوع في صحيفة هآريتس الاسرائيلية في يوم 25.10.13

ربما من الأفضل أن لا أنام بالسروال الداخلي فقط، فكرت في نفسي ليلة الانتخابات للمجالس المحلية. قمت من فراشي وأخرجت من الخزانة فانيلا بيضاء وبنطلون رياضة قصيرا، رغم أنني لا أمارس الرياضة. عليّ أكون جاهزا، قررت بحزم، وشرعت أدور بين غرف النوم أحسب مرة أخرى مسار الفرار الأفضل الى الخارج من الشقة ثم من البناية، في حال اهتزّت الأرض. سأصرخ عاليا، استرجعت الأمر، أوقظ زوجتي وأطلب منها أن تأخذ البنت الكبيرة وتركض بها الى أبعد ما يمكن من البناية، تمرنت. بالمقابل، سأركض الى غرفة ابني الصغير، عليّ أن أذكر أخذه مع اللحاف، فالطقس بات باردا جدا خلال الليل في القدس، والولد الأوسط سأشده من اليد. هل سأتمكن من سحب كليهما؟ نعم، سأتمكن، لن يكون أمامي خيار آخر.
دخلت الى الفراش تقلبت ساعة كاملة. حين أيقنت أنني لن أستطيع الإغفاء، أخذت التابليت من الكومودينا ولوهلة خطر لي أن أفحص ما اذا كانت هناك نتائج في القدس، ولكنني سرعان ما تنازلت، فما الذي حقا يفرق من الذي سيفوز بين المرشحين اليمينيين المتنافسين؟! دخلت الى بريدي الالكتروني وتصفحت مرة أخرى الرسالة التي وصلتني صباحا من الولايات المتحدة، رغم أنني كنت أحفظ مضمونها عن ظهر قلب. مرة أخرى السفر على جدول الأعمال، هذه المرة لمدة عام في شيكاغو. العرض واضح ويجب أن أعطي جوابي الى نهاية الشهر على الأكثر.
"في النهاية، طبعا، لن نسافر". قالت زوجتي حين أخبرتها عن العرض. من جهتها، إنها على استعداد أن تغادر الى الأبد. وأنا حقا لا أدري ماذا أفعل بالعرض. ماذا مع الأولاد؟ خاصة الكبيرة؟ هل نسحبها مرة أخرى من دراستها، بعد أن تمكنت أخيرا من التأقلم في مدرستها الجديدة، كونت علاقات ووجدت مكانها؟ ولكن، ربما يكون ذلك جيدا لها بالذات. عام في الخارج ستحسن لغتها الإنكليزية، تتعرف على أناس جدد وعالم آخر مختلف تماما. في صفوف الأولاد سيكون هناك طلاب من بلدان مختلفة، ألوان مختلفة، وسيفهمون أن ليس كل شيء في الحياة هو أبيض وأسود، ليس الكل يهودا وعربا. وربما عام في شيكاغو سيسكب في نفوسنا بعض الراحة والاستراحة من تلك المطاردة الجنونية هنا. ربما تلك المسافة، وذلك المكان الجديد سيضيء حياتنا العائلية، وبالأخص الزوجية، بنور جديد ومختلف فيه شيء من الراحة، والتسامح والانتعاش. ربما ستبدأ زوجتي تبتسم لي أخيرا، هناك في شيكاغو بالذات، عندما لا نعرف أحدا من الناس، لا أنا ولا هي، وندرك أننا في النهاية لا نملك الا بعضنا البعض فنضطر أن نكون شريكين بطريقة أو بأخرى ونوحّد قوانا من أجل البقاء في الغربة وفي المدينة.
"هكذا يبدأ"، قال لي صديق. "يسافرون لعام ثم يبقون هناك مدى الحياة". أنا لا أنوي الهجرة وأفكر حاليا في عام واحد فقط، وربما عامين. رغم أنني لا أستطيع أن أفهم لمَ أنا متخوف من الانتقال الأبدي. يعني لو تمكنت فعليا من تدبر أموري في العمل هناك ووجدت جامعات أخرى تريدني فلماذا أكون متخوفا من مغادرة هذا المكان؟ هذا الأسبوع فقط عشرات الآلاف في استاد تيدي صرخوا، هذا الأسبوع فقط حاول المرشحان إثبات مَن الأكثر تطرفا بينهما. على ماذا أتأسف؟ على تقييد نشاط بنات اسرائيل خوفا من إقامة علاقة مع أطباء عرب، أم هتافات الفرحة أمام موت طفلات فلسطينيات في الخليل؟ من جهة أخرى، ماذا أترك؟ مجتمعا أصبح فيه العنف أمرا روتينيا، إطلاق الرصاص والقتل أصبحا من الشؤون اليومية، مجتمعا مختنقا، مكتظا يتنازع فيه الإخوة على كل شبر من الأرض؟ فقط في ليلة الانتخابات تلك قرأت عن مقتل شفيق كبها، مطرب الأفراح الذي كبرنا على أغانيه. والعرب لم يعودوا يسألون لماذا نطلق صرخة احتجاج؟ نتألم بصمت في المكان الذي أصبح فيه القتل أمرا مسلما به.
ورغم أنه عام واحد ووحيد، ما زال القرار صعبا ومؤلما. تبللت عيناي بالدموع وأنا أساعد ابني في حل دروسه في العربية. لقد تعلموا عن الشاعر المصري أحمد شوقي، وقد أعطتهم المعلمة فيما أعطت، أن يقرأوا قصة عن عصفورتين عاشتا طوال حياتهما في بلاد يابسة، رمادية لا وجود فيها لشجرة خضراء واحدة ولا زهرة ملونة واحدة. في أحد الأيام، هبت ريح في البلاد القاحلة وتوجهت للعصفورتين سائلة ماذا تفعلان في مثل ذلك المكان المظلم. وأخبرتهما أنها تأتي من بلاد أخرى خضراء زاهرة فيها الحياة هادئة ورائقة، واقترحت عليهما أن تأخذهما معها الى تلك البلاد الواعدة. ولكن العصفورتين رفضتا وقالتا للريح إنها ريح فقط، تنتقل من مكان الى آخر ولا بيت لها. فضلت العصفورتان البقاء في بلادهما العاطشة لأنها وطنهما وليس لهما وطن آخر غيره.
احدى وظائف ابني الصغير في دروسه كانت كتابة مقطع بديل توافق فيه العصفورة على اقتراح الريح وترغب في الانتقال الى البلاد الخضراء الجميلة. فكتب:
"لنسافر مع الريح"، قالت إحدى العصفورتين للأخرى. "هناك ماء وأشجار خضراء".
"لا". قالت العصفورة الأخرى. "هنا بيتنا وهنا سنبقى".
وأنا حاولت أن أقنعه أن العصفورة التي ترغب في الهرب من المكان المظلم قد تكون على حق. قلت له: "وما المانع؟ ستسافر العصفورتان الى البلاد الجديدة، تتعرفان على عصافير أخرى، تكونان صداقات جديدة مع العصافير، ومن يدري، فقد تكونان سعيدتين أكثر هناك".
"لا". أجاب بإصرار. "هذا غير ممكن".
"لماذا؟" سألته بشيء من التوسل، وابني رد بنبرة ساخطة: "ومن الذي قال لك إن العصافير الجديدة أصلا ترغب بهما؟"

(ترجمتي من العبرية)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
مجدى زكريا ( 2013 / 10 / 31 - 08:11 )
مقال رائع استاذة حوا , وشكرا للترجمة الجميلة

اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي