الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفط الذي جَعَلَنا -أَمَةً- لا -أُمَّةً-!

جواد البشيتي

2013 / 10 / 29
الادارة و الاقتصاد



الولايات المتحدة هي "العظمى"، عالمياً، حتى في استهلاك الطاقة (وتَشْغل الصين اليوم المرتبة الثانية). وكانت الولايات المتحدة تُنْتِج بعضاً من النفط الذي تَسْتَهْلِك؛ ومع التضاؤل المستمر والمتزايد في إنتاجها النفطي (والذي في بعضٍ من حيثياته عَكَس تضاؤلاً في الاحتياط) انتشر وساد توقُّعاً تشاؤمياً، مؤدَّاه أنْ تَجِد القوَّة العظمى في العالم نفسها مضطَّرة، عمَّا قريب، إلى استيراد كل ما تَسْتَهْلِك من نفط؛ لكنَّ "النتائج" ذهبت بهذا التوقُّع؛ فحلَّ اليوم محله توقُّع جديد تفاؤلي، مؤدَّاه أنَّ الولايات االمتحدة، وبفضل "ثورة النفط والغاز الصخريين" التي تشهدها الآن، ستغدو، بحلول سنة 2035، مكتفية ذاتياً من الطاقة، وستَفْقِد مصادِر الطاقة الخليجية العربية، من ثمَّ، أهميتها الإستراتيجية بالنسبة إلى القوَّة العظمى في العالم، وإنْ بهذا المعنى فحسب.
إنَّ القوى الاقتصادية الصاعدة في آسيا، وفي مقدَّمها الصين، هي المرشَّحة الآن للحلول محل الولايات المتحدة في "التبعية النفطية" للدول العربية في منطقة الخليج، وللعراق على وجه الخصوص؛ فهذه الدولة تُنْتِج الآن نحو 3.4 ملايين برميل يومياً، وتُخطِّط لزيادة إنتاجها إلى 12 مليون برميل يومياً بحلول سنة 2017، مع ما قد يترتَّب على ذلك من انهيار في الأسعار (سعر البرميل اليوم، في المتوسط، 100 دولار). والأمر (والذي هو حتى الآن على شكل توقُّع) يزداد سوءاً إذا ما عَلِمْنا أنَّ مزيداً من الاكتشافات النفطية الجديدة قد حدث في عدد من دول العالم.
وإذا كانت دول الخليج العربية (والتي هي المُنْتِج والمُصَدِّر الأول للنفط على مستوى العالم، مع حيازتها نحو 30 في المئة من الاحتياط العالمي) تستهلك الآن من الطاقة ما يفوق ما تستهلكه القارة الإفريقية كلها على الرغم من أنَّ عدد سكَّانها لا يتجاوز 5 في المئة من عدد سكان إفريقيا، فإنَّ مزيداً من إهدار موارد الطاقة النفطية والغازية في هذه الدول هو المتوقَّع حدوثه مستقبلاً؛ وهذه المأساة (أيْ الإهدار) قد تأتي بمهزلةٍ هي اضطِّرار دول مجلس التعاون الخليجي إلى استيراد كميات أكبر من الغاز المسال لتوليد مزيدٍ من الطاقة الكهربائية (أمَّا الجارة إيران فتجتهد في توليد الكهرباء من المَصْدَر النووي).
لقد أدْمَنَّا نحن العرب (الأُمَّة النفطية الأولى في العالم) التعامُل مع هذه السلعة الإستراتيجية، أيْ النفط الخام، على أنَّها "ثروة مالية (ورقية)" فحسب؛ ولم نتعامل معها قط على أنَّها "مُولِّد (أيْ يمكن ويجب أنْ تكون مُولِّداً) للثروة (بأوجهها كافة)".
كل تاريخ "التبادل السلعي" لم يعرف قط ظاهرة كظاهرة "أنْ نعطي قِيَماً اقتصادية حقيقية (سِلعاً.. وسِلعاً إستراتيجية) لنأخذ أكواماً من الورق"، ولو كان أخضر اللون، ومفعماً بمعاني "الثقة"، فإذا كانت "فرنسا ـ ديغول" لم تستطع سنة 1973 أن تحصل من الولايات المتحدة على ما يعادل أكوام الورقة الخضراء (في بنكها المركزي) ذهباً، فهل نستطيع نحن؟!
حتى تلك الأكوام من الورق لم ننفقها ونستثمرها إلاَّ بما يؤكِّد عجزنا عن ابتناء "اقتصاد حقيقي"، فلقد استعملناها لابتناء مجتمع استهلاكي، مُفْرِط في نزعته الاستهلاكية؛ فمعظم السلع والخدمات التي حصلنا عليها لم يكن لـ "الاستهلاك الإنتاجي"، وإنَّما لـ "الاستهلاك الشخصي"، أو "الاستهلاك غير المُنْتِج للثروة".
أمَّا استثمارياً فقد استثمرناها هناك، أي في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، في "الاقتصاد الورقي"، فثروتنا إمَّا على هيئة "ورقة خضراء" وإمَّا على هيئة "سهم"، أو ما شابه.
وإذا ما "تطرَّفْنا" في "ذكائنا الاستثماري" فقد نحوِّل بعضاً من تلك الأكوام من "الورقة الخضراء" إلى عقارات في مدن غربية، وكأنَّ ملكية عقار هناك يمكن أن تُتَرْجَم بنفوذ سياسي، أو اقتصادي حقيقي.
إنَّه "ذهب أسود"؛ لأنَّه كالمرأة الحاد؛ ولقد بعناه بثمن بخس.. بأكوام من الورق. حتى تلك الأكوام لم تَنْجُ؛ فلقد ابتنوا لها عندهم ما يشبه "الثقب الأسود"، ليمتصها كومة كومة. بعضها امتَّصها، معيدها لنا على هيئة سيارات فخمة ووجبات سريعة..؛ وبعضها امتَّصها، معيدها لنا على هيئة أوراق (مالية) أخرى، كالأسهم..؛ وبعضها امتَّصها، معيدها لنا على هيئة أسلحة، كلَّما امتلكنا منها أكثر زاد أمننا القومي ضعفاً.
نَزْرٌ من البيض الذهبي لتلك الدجاجة حصلنا عليه؛ ولكن مع قيود (خفية) على "كيفية إنفاقه واستثماره"؛ فنَزْرٌ من هذا النزر رأيناه على هيئة إنتاج قومي صناعي وزراعي، أو على هيئة مؤسسات للإنتاج العلمي والتكنولوجي.
عُقْدتنا هي "اقتناء الأضخم من كل شيء يضر ولا ينفع"، فـ "الأضخم" من الأبراج يجب أن يكون عندنا، و"الأضخم" من "المراكز التجارية"، أي من المراكز المتَّجِرة بسلع الاستهلاك الشخصي، يجب أن يكون عندنا، و"الأضخم" من الفنادق والملاعب والمراكز الرياضية ودور السينما..، يجب أن يكون عندنا، و"الأضخم" من الأنفاق والجسور يجب أن يكون عندنا؛ أمَّا الأضخم من المنشآت الصناعية ومن منشآت "الاقتصاد الحقيقي"، على وجه العموم، فَدَعْهُ لهم!
كان لا بدَّ لنا من أن نستثمر أموالنا أوَّلاً في ذلك "الأسود" من ثروتنا الطبيعية، لنَكْتَسِب، من ثمَّ، القدرة على استخراجه، وتصنيعه، ونقله، والتأسيس لكل صناعة يدخل في تكوين سلعها. هذا التحدِّي الأول والأعظم لم نَحْظَ بشرف "الفشل" في مواجهته؛ لأننا لم نحاول، أصلاً، أن نواجهه. إنَّها "ثروة" لو كانت عند غيرنا لعرفوا كيف يجعلونها أداة لـ "توليد الثروة"، أو الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?سعار الذهب اليوم الجمعة 05 يوليو 2024


.. جولة إعادة بين بزشكيان وجليلي وسط أزمة اقتصادية خانقة| #غرفة




.. قصف إسرائيلي يدمر بنايات سكنية وسوق الذهب الأثري بالشجاعية


.. الأحزاب البريطانية تراهن على خططها الاقتصادية لاستمالة الناخ




.. كل يوم - خبير اقتصادي : نتمني أن تعيد الدولة النظر في قرار غ