الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فدرالية الهلال الخصيب الديمقراطية, ضمانة للأقليات وللأكثريات

فؤاد سلامة

2013 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


بعد كل ما حدث من شروخ وانكسارات وتراكم من ضغائن وأحقاد في سوريا ولبنان والعراق نتيجة للعنف المنفلت, والذي ندر مثيله في التاريخ من حيث بشاعة القتل وحجم الدمار, أصبح من الضروري إعادة النظر في شروط الدولة والاجتماع كما يرى الكثير من المفكرين في هذه الدول. لم يعد جائزاً القبول بأن تتحكم أقليات طائفية بأكثريات طائفية أخرى, كما لم يعد ممكناً الركون إلى حكم الأكثريات الطائفية في سوريا والعراق بسبب العداوات المستحكمة والمخاوف المتبادلة التي ولدتها جولات الحروب في البلدين. وأما في لبنان فلا يمكن تصور إعادة إنهاض هذا البلد الصغير الممزق منذ عشرات السنين بنظامٍ تسيطر عليه طائفية سياسية من نوع الشيعية أو السنية أو المارونية السياسية.. لا بد من أسس جديدة للدولة لا تسمح بنيوياً بهيمنة طائفية أو دينية معينة, كما لا تسمح بقيام ثنائيات طائفية بعزل طائفة ثالثة, أو ما صار يعرف بتحالف الأقليات الذي يبدو موجهاً ضد السنة بشكل خاص.

ما كان يحلم به منظرو "القومية السورية" قد يغدو حلاً واقعياً ولو بثمن كبير.. المشرق العربي المؤلف من سوريا ولبنان والعراق يمكن أن يشهد قيام اتحادٍ فدراليٍ بين أقاليم يتمتع كل إقليم فيه بحكومة وبرلمان وجيش محلي وتكلل الأقاليم بحكومة فدرالية وبرلمان فدرالي. ربما يشكل ذلك حلاً نهائياً للصراع الذي يمزق هذه البلدان الثلاثة, حيث يوجد موزاييك طائفي ـ إتني من الصعب إعادة تركيبه سلمياً في بوتقة مركزية أو داخل حدود ترسم بالدم. لا بد من الاعتراف بأن خريطة سايكس بيكو تتعرض للتمزيق بسبب التناحر القائم حالياً والذي ينذر بدورات متتالية من العنف بين الطوائف والإتنيات الشيعية والسنية والمسيحية والكردية. في هذا المدى الجغرافي الواسع, أي معظم سوريا الكبرى, يبدو أنه لم يعد هناك مجال للتعايش بين المكونات الاجتماعية بعد كل ما حدث من قتل وتدمير من دون تغيير قواعد اللعبة وإعادة تأهيل الجماعات في نظام فدرالي ديمقراطي يشكل ضمانة للجميع ويحول دون المزيد من التشظي والحروب.

قد لا يرضي هذا الحل العروبيين القوميين ولكنه حتماً سيكون الحل الوحيد الممكن, والأفضل, للنهوض من الكارثة المهولة التي لحقت بشعوب البلدان الثلاثة بسبب أنظمتها المستبدة, ولإطفاء الحريق الكبير الذي أشتعل في المشرق العربي منذ دخول الأمريكيين إلى العراق وخروجهم منه ودخول الإيرانيين مكانهم إلى العراق وتمددهم إلى سوريا ولبنان. لا أعتقد أن هذا الحل يناسب النظام الإيراني تماماً كما قد يفكر البعض, ولكنه يطمئنه ويخفف من الحاجة إليه ومن نفوذه في حال اتفقت النخب السنية والشيعية على وضع نهاية لصراع تاريخي طويل. لا بد من التمعن في الطروحات الفدرالية من دون تسرع في الأحكام, ذلك أن ما يجري في سوريا ولبنان والعراق أصبح مستعصياً على الحل في إطار جزئي. لقد أصبح الحل شاملاً لأن المشكلة واحدة في البلدان الثلاثة ومصير الجماعات في كل بلد أصبح مرتبطاً بشكل مباشر بمصير نفس الجماعات في البلدين الآخرين. لا بديل عن صفقة شاملة في إطار مؤتمر دولي ـ عربي ـ إقليمي يضمن انسحاب القوى الخارجية من البلدان الثلاثة وترك شعوب هذه البلدان تقرر مصيرها بنفسها بضمانة دولية ـ إقليمية تشترك فيها تركيا وإيران والسعودية.. في المحصلة سيكون هناك كيان عظيم هو سوريا الكبرى, سوريا الهلال الخصيب, مهد الحضارات البشرية.

ثلاثة أسباب مضافة, عدا التاريخ والجغرافيا واللغة المشتركة, تعزز فكرة قيام الفدرالية السورية ـ اللبنانية ـ العراقية:

1ـ وجود توازن ديموغراغي بين السنة والشيعة في المدى الجغرافي السوري الكبير مع وجود ثلاث أقليات مهمة, المسيحيين والدروز والأكراد الذين يشكلون بمجموعهم كتلة كبيرة تخفف من الغلواء المذهبية السنية الشيعية, وتفصل أحياناً بين السنة والشيعة أو تتداخل معهم.
2 ـ وجود ثروات باطنية يمكن أن تستفيد منها شعوب البلدان الثلاثة المتحدة فدرالياً ما يساعد على حل المشاكل الاقتصادية الناتجة عن الصراعات التي خلفت دماراً هائلاً يجعل من إعادة الإعمار مسألة شديدة الإلحاح ومرتفعة الكلفة لن يستطيع بلد شبه مدمر تحملها بمفرده.
3 ـ قيام الفدرالية المشرقية سيخفف من التبعية للخارج كما سيشكل ضمانة للحقوق العربية في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل, وهذا ما يجعلنا نتوقع أن تعارض إسرائيل هذا الاتحاد الفدرالي بين ثلاث دول عدوة لها, حتى الآن. وهذا بحد ذاته سبب كافٍ ينبغي أن يحفز النخب السياسية الوطنية للعمل بجدية على قيام الفدرالية المشرقية وعدم الرضوخ لمشيئة القوى الخارجية وسعيها للحؤول دون قيام كيان اتحادي يمكن أن يضعف نفوذها.

وأما الطابع القومي للفدرالية المشرقية فربما ترتأي الأطراف المشاركة فيها ألا يكون عربياً محضاَ وإن كانت الكتلة الكبرى هي كتلة عربية, ولن يكون هناك خشية من ألا يكون الإطار العربي الأوسع الذي سيندمج فيه الاتحاد الفدرالي المشرقي عامل تقوية وتحصين للكيان الفدرالي الوليد لا عامل إضعاف وتجزئة. موقف إيران المتورطة في الصراع على سوريا سيكون مهماً هنا: هل ستعيق بالقوة بلورة هذا الكيان الفدرالي أم ستقبل به مرغمة بسبب ما يوفره لها من خروج مشرف من المستنقع الدموي الذي تزداد غرقاً في وحوله والذي يستنزف مواردها من دون أن تكون قادرة على حسم الصراع لمصلحتها على المدى الطويل؟ قد يكون من الضروري, في الجواب على هذا السؤال, وضع قواعد دستورية صارمة بشأن العلاقات مع الخارج تحد من محاولات دول الجوار, وغيرها من الدول البعيدة, للتدخل والتلاعب مستقبلا بالتوازنات السياسية داخل الاتحاد الفدرالي الذي يمكن أن ينشأ بتوافق نخبه المتنورة وشعوبه التائقة للخروج من النفق الذي أدخلتها فيه أنظمة هشة ما انفكت تستمد قوتها من الدور الذي تؤديه للخارج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو