الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب الشيوعي العراقي ..عود على بدء..!

هادي فريد التكريتي

2005 / 6 / 1
ملف - الماركسية وافق البديل الاشتراكي


منذ أن اكتشف ماركس فائض القيمة المسروق من جهد العامل ، دعا إلى تشكيل الحزب الثوري كسلاح فاعل بيد الطبقة العاملة للخلاص والتحرر من نير الاستغلال الرأسمالي ، الذي يراكم الثروات أكثر فأكثر من جهد الطبقة العاملة ويستغل بالمقابل قدرا أكبر منها ، وكلما تعاظم نشاطه واتسع يتضاعف استغلاله وتكبر دائرة بؤس الطبقة العاملة ، وقد و ضع ماركس بيد الطبقة العاملة نظرية علمية وثورية كشفت عن الطرق التي يتم بها قهر واستغلال الطبقة العاملة ، وجعل الحزب الثوري المتسلح بالنظرية الثورية هو السلاح الفعال الذي يمكن استخدامه لمقاومة هذا الاستغلال والحيف اللاحق بها ، ولم تكن سعة التنظيم وحجمه فقط هي المطلوب في هذا الحزب للقيام بالثورة واستلام السلطة والبدء في بناء مجتمع الاشتراكية الخالي من الاستغلال ، وإنما المطلوب أيضا قيادة واعية وفاعلة ، قادرة على إدارة الصراع مع الرأسمالية بمهارة عالية ، كما وهي حاذقة في الربط بين النظرية الثورية والممارسة العملية ، ولن تكون التجربة الذاتية مع العدو الطبقي هي الطريق الوحيد للتعلم في إدارة الصراع ، وإنما يتطلب الأمر أيضا قدرا من التعليم والثقافة كما يتطلب التعلم من خبرات الآخرين و تجاربهم التي مروا بها ، وفي المحصلة على قيادة الحزب الثوري ، من نوع جديد ، أن تكون قادرة على فهم وإدراك الواقع المحيط بها ومجريات الصراع الدائر بين طبقة عاملة لا تملك سوى قوة عملها كسلاح تشهره في معاركها ، ورأسمال متسلح بسلطة المال ونفوذه ، تدعمه مؤسسات دولة سياسية وقمعيه ، يديرها أعوانه وممثليه في دولة منحازة بشكل مطلق إليه ، ومن دون فهم لهذا الواقع وتجلياته من الصعب على هذا الحزب الحديث عن الثورة و بناء دولة للطبقة العاملة وحلفائها ناهيك عن إقامة وبناء الاشتراكية ...
لقد استخدم لينين نظرية ماركس في بناء الحزب و الثورة ، وقادهما بإبداع ، وطور النظرية الماركسية وطبقها على واقع مغاير للظروف التي ارتآها ماركس كشرط لتحقيق الثورة ، التي توقع مكان حدوثها وانتصارها ، ففي روسيا القيصرية لم تكن شروط الثورة متحققة آنذاك ، ناهيك عن نجاحها ـ وفق شروط ماركس ـ في بلد طبقته العاملة ليس لم تنضج بعد بما فيه الكفاية ،وإنما معدومة تقريبا ، والمجتمع الروسي ، آنذاك ، قنانتة تشكل مظهرا بارزا في سيمائه ، وسلطته إقطاعية بكامل رموزها ، وأساليب حكمها مغرقة في الرجعية والعسف ، إلا أن عبقرية القائد ، لينينن ، وظروف الحرب العالمية الأولى ، والفساد المستشري في الدولة من أعلى السلطة حتى أدناها ، وتآمر الماسونية الدولية على تفكيك روسيا وإخضاع تبعيتها لنفوذها ، والجنود الذين يموتون في خنادقهم من الجوع والبرد ، وشعب لم يجد ما يأكل ، كل هذه الظروف مجتمعة وفرت للينين ولقيادة الحزب ظرفا مواتيا لقيام الثورة ، وكان البعض من هذه الظروف ما لم يدخل في حسابات ماركس الذي وضع الشروط للثورة العمالية الناجحة.،.وخلال قيادة الصراع مع القيصرية وبعدها مع حكومة كيرنسكي ثم مع قوى ثورة الردة ، استطاع هذا القائد والمنظر العملي للثورة أن يحقق نجاحات ، أسهمت في معالجة الثغرات التي كان يتوقعها ماركس عندما وضع شروط النجاح لثورة عمالية ، ومن يدري لو امتد الأجل بلينين بعض سنين من العمر لما حصل الذي حصل ، لا تسلم ستالين قيادة الحزب والسلطة ولما طرأ الجمود على النظرية الماركسية التي طوعها لينين لخدمة روسيا ، وجعل منها دليلا لبناء أول دولة اشتراكية كانت حلم البشرية كلها ، ولم تكن حلم ماركس وإنجلس لوحدهما فقط ، والتي تحولت إلى واقع مادي عالمي يهدد الرأسمالية وكل دولها بالزوال .. فمبادئ الحرية والديموقراطية التي جاءت بها الثورة لم تترجم ، بعد وفاة لينين ، إلى حقيقة واقعة للشعب الروسي ، حيث انحسرت عن قادة ومنظرين شيوعيين وحزبيين مخلصين للطبقة العاملة ومشروعها السياسي الثوري ، كانوا قد مارسوها أيام لينين ، ودفع البعض حياته ثمنا لمبادئه الشيوعية التي كان يؤمن بها ، ناهيك عن كل القوى التي ساهمت في الثورة من عمال وفلاحين وكتاب ومثقفين ، الذين ما عادوا يجرؤن على توجيه نقد أو انتقاد ما لموقف قائد حزبي ما ، كما في عهد أيام لينين ..وهكذا شيئا فشيئا تلاشى وهج الثورة وألقها ، ليحاصرها إرهاب حزبي وجمود عقائدي و تعثر في البرامج وخيبات أمل الجماهير ، ليأتي عليها من يطلق طلقة الرحمة ، وربما كانت تلك الرصاصة من مصانع الرأسمالية التي ناصبتها الإشتراكية العداء وأخافتها طيلة سبعة عقود ، وبذلك خلى لها الجو ـ للرأسمالية ـ فعشعشت وتكاثرت هواما وطاعونا تغزو به البشرية وتهدد استباحة ودمارا لمن لا يستجيب ويخضع لإرادتها...!
تجربة اشتراكية واحدة في بلد واحد وتموت ، ليست نهاية للحلم البشري للخلاص من مظالم رأس المال ، كما أنها ليست نهاية المطاف في العالم ، فالماركسية ليست تقليعة ربطة عنق ، وليست أكلة تخرجها مطاعم الماكدونالد ( التي عجزت عنها مطابخ التجربة السوفيتية للشعب الروسي )، إنها نظرية علمية ، الدليل الهادي للطبقة العاملة التي أخذت بالتكاثر والاتساع كلما شدد رأس المال من استغلاله وتشعبت مواقعه ، فلم تعد الطبقة العاملة فقط تلك التي تدير آلة وماكنة الانتاج هي ضحية العمل المأجور ، وإنما العولمة والشركات متعددة الجنسية قد أوجدت حلفاء جدد للطبقة العاملة ، يعرضون للبيع عصارة فكرهم وجهدهم الإبداعي ، كأي قوة عمل بدنية أخرى في السوق الرأسمالي ، بأبخس ثمن يشتريه الرأسمالي، حالهم حال أي عامل آخر يعرض سلعته في سوق العمل ، متعرضون لنفس الاضطهاد الذي يمارسه رأس المال ضد الطبقة العاملة ، وزجت بهم في مواقع العمل المنتشرة في مختلف بقاع الأرض ، فالعالم والمهندس والطبيب والمدرس وغيرهم كثيرون ممن هم بهذا المستوى ، من شرائح المجتمع الدولي ، نتيجة سيطرة مفاهيم العولمة ونشاط الشركات متعددة الجنسيات خاضعون لسوق العمالة والعرض والطلب ، وهذا ، باعتقادي ، ما أغنى الطبقة العاملة ورفدها بشرائح علمية لتوسيع مداركها ولتزيد في معرفتها وثقافتها ولتضع أمام الطبقة العاملة أسلحة نضالية متنوعة ومختلفة في مجابهة الرأسمالية لتغيير الواقع إلى عالم أفضل ، وفي نهاية المطاف خلقت العولمة ، بنشاط شركاتها المتعددة الجنسية ، خصوصا في البلدان الرأسمالية المتطورة ، التي تعتمد على العلم والعلماء في تطوير وسائل إنتاجها وأساليب حمايتها من أعدائها الطبقيين بمختلف أنواع الأسلحة ، خلقت ضعا أصعب أمام الرأسمالية بما لا يقاس عما خلقته العولمة للطبقة العاملة وللفئات الإجتماعية الأخرى من مشاكل وصعوبات ، ولعل التظاهرات السياسية والاعتصامات الجماهيرية من مختلف دول العالم المنددة بممثلي الرأسمالية العالمية وبدعاة العولمة والشركات المتعددة الجنسية دليل واضح على بداية اتساع العداء للرأسمالية عالميا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تحاول أن تؤطر تدخلها المسلح في بلدان كثيرة من العالم بأطر الديمقراطية تارة و بتهديد الأمن والسلم في العالم تارة أخرى ، من أجل فرض سيطرتها ونهب خيرات الشعوب عن طريق شركاتها الكبرى وما يجري في العراق خير مثال...ونتيجة لهذا الواقع لم يحسم الجدل بعد عن قدرة الأحزاب الشيوعية العالمية للنهوض من جديد ، بعد كبوة التجربة السوفيتية ، على توحيد نضالاتها لمجابهة هذا الواقع ، كما يدور صراع دولي ضد قيادة القطب الأوحد في قيادة العالم ..
ومنذ خمسينات القرن الماضي قفزت إلى السلطة في الكثير من الدول العربية قوى قومية ، رفعت شعارات كاذبة ومضللة ، باسم العروبة والديموقراطية والحرية والوحدة والاشتراكية ، لمواجهة المد الشيوعي في المنطقة العربية ، خصوصا مصر وسورية والعراق حيث كانت الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان تحضى باحترام شعوبها وتشغل مواقع جماهيرية على الساحة السياسية تعرقل توجهات الحكومات الرجعية في هذه البلدان لوضع المنطقة تحت النفوذ الغربي لمواجهة الاتحاد السوفياتي ، فكانت المحصلة النهائية هو إضعاف الأحزاب الشيوعية وتشضيتها ، والتعامل معها على أنها أحزاب تابعة للبرجوازية القومية ورديفة لها ، كما حصل في الجبهات الوطنية التي عقدت بين البعثيين في كل من العراق وسوريا ، ففي العراق وجهت ضربات قاسية للحزب الشيوعي ، منذ مجيء البعث ، وعودته الثانية للسلطة عام 1968 ، رغم الجبهة الوطنية الموقعة بين البعث والحزب الشيوعي ، خسر فيه الكثير من مناضليه ، كما خسر الساحة وخلت منه أكثر من خمسة وعشرين سنة، أما في سورية فالبعث جعل من الأحزاب الشيوعية تابعا ذليلا ولا زال ..
حزب البعث في سوريا والعراق ، من موقعه في السلطة ، عمل على إضعاف وتصفية الحركة الشيوعية ، وهذا ما حصل ( وهنا لا أريد أن أدخل في تفاصيل مجريات الواقع الذي تمت به التحالفات والجبهات الوطنية مع البعث ، لكونه في السلطة ، والضغوطات التي مارستها قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي على قبول الشروط البعثية ، مع رفض أغلبية أعضاء وجماهير الاحزاب الشيوعية العراقية والسورية لهذه التحالفات القاتلة.. )
إن ما حل بالحزب الشيوعي العراقي من دمار كان نتيجة لنهجه الإصلاحي المتهادن مع اليمين ولأخطائه في معالجة واقع الاختلافات الفكرية والتنظيمية داخل الحزب ، كما هو نتيجة لحقد قومي ـ بعثي شوفيني ـ طائفي . وإذ يعود الحزب الشيوعي العراقي اليوم الى الساحة العراقية من جديد ، رافعا راية الماركسية ، فهذا أمر بحد ذاته يدلل بأنه لازال قادرا على التحدي والمثابرة ، ليتصدر النضال الوطني من جديد ، رغم التراجع عن بعض أهدافه وشعاراته ، ليعود من حيث انطلق في العام 1934 باهداف وطنية رافعا شعار وحدة عراق ، وجلاء القوات الأجنبية ـ بعد أن يتم استتباب الأمن التي تسببت به هذه القوات ـ والقضاء على الإرهاب ، وضد الطائفية والعنصرية ، وإعادة اعمار العراق وما خربته الفاشية طيلة أربعين عاما ، وما دمرته قوات الاحتلال عن عمد لكل البنى التحتية ولكل ما شيده الشعب العراقي من مؤسسات صناعية واقتصادية منذ بدايات الحكم الوطني وحتى سقوط النظام البعثي الفاشي ، كما يناضل من أجل صياغة دستور وطني ديموقراطي فدرالي ، لعراق يتمتع به العراقيون بالمساواة الكاملة أمام القانون ، المرأة بالرجل ، والحق المتساوي لكل الأديان والقوميات والطوائف والمذاهب لممارسة طقوسها والتمتع بكامل حقوقها ، مع ضمان لحرية الفكر والمعتقد ، دون تدخل للدين ومرجعياته في الحياة السياسية ، هذه وغيرها من الأهداف الوطنية التي تؤمن للمواطن العراقي حياة أفضل دون الشعور بالعوز والفاقة في بلد غني بعقول أبنائه وكفاءاتهم وبثرواته الوطنية ..هذه المهام على الحزب الشيوعي أن ينهض بها من جديد ، دليله ومرشده ، الماركسية ، نظرية ثورية وعلمية تعينه على تخطي الواقع ، وبناء وحدة وطنية ديموقراطية قادرة على إعادة بناء العراق الجديد وفق الظرف ،الدولي والوطني ، الملموس ..
28 مايس 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟