الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور التنميط الإعلامي للجسد الأنثوي

نضال شاكر البيابي

2013 / 10 / 30
الصحافة والاعلام


تبعث عمليات زخرفة الجسد أو النقش عليه أو حجب أو تغيير بعض أجزائه، برسائل تختلف دلالاتها باختلاف سياقها الاجتماعي عن هويّة الشخص الذاتيَّة. وفي ظل ثقافة الاستهلاك، والاهتمام المتزايد بالجنس والتمركز حول الجسد والإنسان الجسماني في الفن والأدب والإعلام، ثمة حضور مكثف للجسد بوصفه حاملاً لقيمة رمزيَّة، الجسد باعتباره أداة لتشكيل الذات، وقد يضمر هذا الاهتمام تعويضاً بمعنى ما عن تفسخ اليقينيات الوجودية والسرديات الكبرى المتجاوزة للفرد.
التوكيد الإعلامي والاجتماعي على معايير معينة للجسد الفاتن فاقم من الهوس بمظهر الجسد وكيف "يجب" أن يبدو أمام الآخرين، فمشاريع الحميات أو إنقاص الوزن، ورياضة "كمال" الأجسام، والجراحات التجميليّة، كشد الوجه وشفط الدهون، وعمليات تجميل الأنف والذقن وتكبير الأثداء، كلها وسائل لإنتاج أجساد تتسق مع مفاهيم "الفتنة المثاليّة" إعلامياً/عصرياً. لقد بات الإنسان العصري أكثر انشغالاً من أيّ وقت مضى وبشكل متزايد بمظهر وحجم وشكل وملمس وأداء جسده، وبتمجيد الجسد الفتي المصقول والمثير جنسياً على وجه التحديد.
إنَّها وسائل للتعبير عن النفس أو "عرض الذات" أو نفي لا شعوري لهاجس الشيخوخة والتفسخ والفناء في عالم فقد كلّ معنى، ما عدا المعنى الذي يؤديه الجسد. وإذا عجز المرء عن إحداث تأثير في مجتمع تزداد درجة تركيبه وتعقيده، فإنه يستطيع على الأقل أن يحدث تأثيراً في حجم جسده وشكله ومظهره. يشير زيجمونت بومان إلى أنَّ الوعي بالموت هو الدافع وراء الانشغال الحداثي بالجسد؛ إذ تعبر انشغالات الإنسان بجسده كمحاولة لتأجيل مسائل وجودية مؤرقة تتعلق بقيد الجسد النهائي "الموت".
لقد بات المشاهدون في ظل هذه الثقافة الاستهلاكية مشبعين وموسومين بالجنسيَّة الرّمزيَّة وبأوهام الأشياء الجنسيَّة، تلك الصور" الأنامورفيكيَّة" المخادعة للنجمات ذات الأجساد المثاليَّة التي تبدو كأيقونات ميتافيزيقية عصية على الحيازة بالنسبة للذكور، والمحاكاة بالنسبة للإناث، الأجساد المصقولة التي أصبحت بشكل ساحق الشغل الشاغل لكثير من الفتيات سواء اعترفن أو أنكرن، وكل ذلك إنجاز محض لتخيُّلات الذكر الجنسيَّة. يؤكد المحلل النفساني "براين كي" أنَّ الشابات ذوات الصدور الصغيرة مثلاً، هنَّ يُدركن بأنهنَّ ناقصات في القيم الجمالية، لأن وسائل الإعلام تؤسِّس وتُعزِّز النماذج الثقافيَّة للبنية الجسدية المرغوبة "ذكورياً". إنَّ من شأن الشعور العميق بالذنب ( والذي يتعلَّق ببنية الرجل أو المرأة الجسديَّة) أن يخلق عدداً هائلاً من المستهلكين والزبائن للمنتجات والمستحضرات التجميلية، لتعويض النّقص "البيولوجي" عبر إعادة بناء وتشكيل الجسد البشري على أتمِّ صورة وفق النماذج المثاليَّة.
تعكس صورة المرأة في الإعلام باعتبارها "مظهراً" للعرض والفرجة والترويج، سياقاً تاريخياً من الظلم والتمييز الاجتماعي، وتكشف عن دور المركزية الذكورية في ترويج صورة المرأة في قوالبها السلبية، ويمكنك أن تدرك بعد تفحص أيَّ مجلة نسائية – وإن كانت المسؤولة عنها امرأة من الناشطات النسوية، بأنَّها منتج ذكوري بامتياز، وأنّ الكتالوجات والتصاميم (التي تعرض صوراً مؤثرة لما يجب أن تبدو عليه المرأة العصرية، أي نحيلة وبلا زوائد شحميَّة)، مشحونة بالرُّموز الجنسيَّة بمنظور ذكوري صرف، التصاميم التي تحبس المرأة نفسياً على أنَّها مجرد أداة للمتعة الجنسيَّة.
عالم الأحياء ألفريد كينسي ومساعدوه في جامعة إنديانا قاموا باكتشافات مثيرة للاهتمام ( لا توجد دراسات علمية في هذا الشأن تتعلق بالمجتمعات العربية يمكن الركون إليها مع الأسف) في دراستهم حول السلوك الجنسي عند الأنثى الإنسانية. يقول كينسي: الصور للنساء العاريات، وعروض النساء العاريات، أو شبه العاريات، في المجلات هي منتجة خصِّيصاً للذكور. هناك – على أية حال – صور ومجلات تُصوِّر ذكوراً عراة، أو شبه عُراة، ولكنَّها أيضاً مُنتجة للذكور. على الأغلب؛ ليس هناك صور لذكور عراة، أو إناث عاريات يتمُّ إنتاجها للإناث. الفشل في قدرة معظم الإناث على الشعور بالإغراء الجنسي في صور كهذه هو أمر معلوم بشكل جيِّد من قبل مُوزِّعي ومصوِّري تلك الصور في مجلات العراة؛ حيث إنَّهم اعتبروا أنَّه لن يكون من المربح مادياً أنْ يتمَّ إنتاج هكذا صور خصِّيصاً للإناث".
لا تكاد تخلو مدينة في العالم من النساء الموهوبات والحساسات والمثيرات للاهتمام حتى في المجتمعات الأكثر قمعاً وعزلاً للنساء عن الفضاء العام، اللواتي لا يرغب معظم الرجال في الحصول على علاقة دائمة معهنّ؛ لأنهنَّ – فيزيائياً – لا يتناسبن مع المقاييس الخياليَّة للشكل الذي يجب أن تبدو عليه المرأة الجذابة، تلك الصورة للمرأة المثاليَّة التي لا تتجسد إلا عبر وسائل الإعلام ذات التوجهات الذكورية. المرأة الجذابة اليوم ليست بلا "عيب" أو "نقص" جسدي فحسب، بل ينبغي أن تكون "نظيفة" وبلا "رائحة"، بمعنى أكثر وضوحاً، أي مجردة من الصفات الإنسانيَّة!
وبطبيعة الحال لا تقدم وسائل الإعلام، حقيقة الجنس على الإطلاق، فأساليب الترفيه الاستعراضية الجنسيَّة والعلاقات الخياليَّة بين الجنسين ليس لها علاقة بالحياة الجنسيَّة الواقعية. الدافع الجنسي في الواقع معَّقد جداً، في حين أنَّ أوهام الجنس المبتذلة في وسائل الإعلام أصبحت هي الواقعيَّة الرمزيَّة في مستوى اللاَّوعي.
لم يخطر ببال عالم النفس بورهوس سكينر أنَّ نظامه النظري في التّكييف السُّلوكي سيستخدم عملياً وعلى نطاق واسع في وسائل الاتِّصالات الإعلاميَّة الحديثة. ومن السذاجة أن نعتقد بعدم فعالية "القصف" الإعلامي لسلعة ما، المتكرِّر والمركَّز والطويل الأمد على إعادة ترتيب جذريَّة لكلِّ المبادئ السُلوكيَّة. فهذا "القصف" أنتج تثبيتات معينة، من مثل: تثبيت مستوى التّكيُّف لدى "المستهلكين" مع الجسد الممشوق مقابل الجسد المترهل، الجسد الجيِّد مقابل الجسد السيئ، الجسد الجميل مقابل الجسد البشع... وبالطبع لا بدّ من إضفاء أهميّة عاطفيّة إلى قيمة الجسد، كالملاذ الآمن، الوطن، الحب، التكافل الأسري وما شابه ذلك. ومن شأن هذه الحيل أن تحفز الدّوافع الغريزيّة الجنسيَّة اللاَّواعية لدى المستهلك، الدوافع الجنسيَّة النّظام الأكثر تأثيراً في سُلوكات البشر، وبكلِّ تأكيد كما هو ملاحظ أفضت إلى تغيير جذري في سلوك المستهلكين. ومن المفارقات أن تتفق بعض وسائل الإعلام مع كثير من الرؤى الدينية التي لا ترى في المرأة سوى موضوع للاستهلاك الجنسي، بل أنّها تستعير نفس المفردات الدينية التقليدية لوصف الاتصال الجنسي (والذي هو العلاقة الأكثر حميميَّة وجمالاً وحساسيّة تتمُّ تجربتها عبر هذه الحياة) بمفردات وأفعال يمكن اعتبارها قاسية وعدوانية وكأنها توجه إلى نساء مستعبدات ومهزومات، مثل: ينكح، يضاجع، يفض....إلخ.
عالمة النفس فرجينيا ايشليمان اكتشفت أنَّ كثيراً من الرجال المهووسين جنسياً الذين يرون كل شيء في الحياة له علاقة بالجنس ورموزه، قد يتوصَّلون إلى رعشة التَّهيج الجنسي من خلال "العادة السريَّة" وذلك باللجوء إلى التخيُّل، أو إلى التحفيز من قبل المجلات المصورة أو أفلام البورنو، تلك النشوة التي تتحقق بشكل أكبر بكثير من حين يتصلون جنسياً بشريك آخر في الواقع.
إنَّه "مدهش" أكثر مما ينبغي ولكنه في الوقت نفسه "جمال الشر" كما يصوره ميلتون، ذلك "الجمال" الذي يغتصب الرغبة ويحرض على التعلُّق المرضي، الجمال الحاد الذي يسبب الألم ويدفع إلى البؤس. إنَّه إغراء ماورائي أكثر مما هو واقعي. هكذا تفضي مشاريع الجسد على هذا النحو إلى نتائج لا عقلانية عبر جعل المُثل الجسدية المرغوبة عصية في الأغلب على التحقق، تلك الأجساد التي يجهد الذكور ويلهثون للاستيلاء عليها دون جدوى، في حين تشعر النساء بالبؤس لعدم مقدرتهن على محاكاة تلك الأجساد "المثاليّة"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -