الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة الماركسية الرئيسية ؟؟

أحمد الناصري

2005 / 6 / 1
ملف - الماركسية وافق البديل الاشتراكي


الماركسية نظرية أنسانية إجتماعية متقدمة ، أعتمدت وأرتبطت بالعلوم الحديثة الطبيعية والإجتماعية ، وأستجابت لفراغ معرفي هام جداً في حياة البشر طرحته التطورات والتحولات الإجتماعية الهائلة بعد الثورة الصناعية ، وأحدثت إنقلاباً كبيراً وحاسماً في العقل الإنساني ، ونظرته الى مصالحة ومتطلباته الأساسية ، وساهمت في طرح مفاهيم فلسفية وإقتصادية وأجتماعية جديدة لم تكن معروفة من قبل ، وخاضت صراعات متصلة من داخلها ومع الخارج للتمسك بجوهرها ومحتواها الطبقي الأنساني الواضح ، وتعرضت الى تشيوهات وتشوهات داخلية وخارجية كبيرة لازالت مستمرة الى الآن ، وأحد الأسباب الرئيسية لهذه الصراعات والخلافات هو موقف الماركسية الأنساني العميق من الأستغلال ومن الأنسان كقيمة رائعة ومحاولة الأرتقاء بمصيره وتغير مستقبله ، وهو موقف جديد ومتقدم من هذه المشكلة التاريخية التي رافقت البشرية منذ بداية تقسيم العمل ، وظهور التباين الطبقي ، والصراع الطبقي، وأشكاله وإشكالياته وتفاصيله المروعة ، حيث لم تتعرض أو تعالج أية نظرية أخرى بنفس الطريقة التي عالجت بها الماركسية هذه الإشكالية الكونية ، رغم قيام العديد من الحركات والمحاولات الجادة والكبيرة في كل تاريخ البشرية والصراع بين الخير والشر ، والماركسية من نتاج عقل الأنسان في عصر الحداثة العالمية ، التي جاءت بعد مرحلة النهضة الأوربية وعصر الأنوار ، الذي أسس لظهور الرأسمالية .
خاضت الماركسية تجارب نظرية وعملية كثيرة ، وحققت الماركسية الكلاسيكية خاصةً نجاحات كبيرة ، وقفزات في تشخيص وتحديد مسار التاريخ العام ، ومحاولة تفسير وتغير العالم ، وهددت الرأسمالية والإستغلال في الصميم ، هذان الصنوان البشعان ، وكادت أن تطيح بهما ، وشخصت بدقة عالية المشاكل الرهيبة التي عاشتها الطبقة العاملة وعموم الكادحين والمستغلين ، والشعوب التي كانت تعاني من الأستعمار ، وأعطت حلولاً متقدمة للمشاكل التي كانت تمر بها المجتمعات الصناعية ، ومرحلتها المتقدمة الأمبريالية وآلياتها في التوسع ، وكانت القطب الرئيسي في الحراك الإجتماعي العالمي ، وقامت حركات وثورات ماركسية ناجزة وفاشلة حول العالم ، وتبلور ما أصطلح عليه بالثورة العالمية ، بأشكالها وأساليبها المتنوعة والمتبدلة .
,إستطاعت الحركات الماركسية والعمالية والأشتراكية ، المساهمة والتأثير في وعي و نضال الشعوب في أوربا وحول العالم ، وهي تساهم في توفير الأجوبة الحيوية عن أسئلة الحياة والواقع ، وبرزت اسماء كثيرة وكبيرة ، ساهمت في تطوير الماركسية والمعارف النظرية في جميع المجالات ، واضافت لها إضافات نوعية هامة ، كما ساهمت الماركسية أيضاً في الثقافة والأدب والفن .
الماركسية تعتبر الفكر أنعكاس واضح أو غامض لواقع معقد ومتغير وغير مفتوح دائماً ، وبما إن هذا الواقع متغير ومتحول ، فيبدو من البديهي أن الوعي الإجتماعي متغير ومتحول أيضاً ، ولايوجد شيء لايتجاوزه الزمن المتحرك ، خاصة في زمن التحولات السريعة والخاطفة ، العلمية والإجتماعية الجارية حالياً .
لذلك فأن كل هذه الحقائق والمسلمات لاتجعلنا نطمأن الى النظرية الماركسية ، ونعتقد إنها متكاملة لايأتيها النقصان والخطأ من ورائها أو من أمامها ، أو نعتبرها مادة مقدسة ، غير قابلة للنقاش ، أولايمكن نقدها أو نقد بعض مفاهيمها ، التي تتجاوزها الحياة ، ويتخطاها الواقع المتحرك والمتحول ، الذي يشكل المصدر الرئيسي لكل معارفنا .
وبما أن جوهر الماركسية هو الجدل والتطور الديالكتيكي ، والأستخدام الفعال لمنهج النقد ، فإنها النظرية التي تنقد نفسها من الداخل ، وتقوم بهذه العملية داخلياً ، لكن ليس ميكانيكاً ، وتخوض الجدل مع المحيط الخارجي ، وهي النظرية التي تستطيع كشف عيوبها ، والعمل على تجاوزها ، لذلك فإنها تحتاج الى أمكانية وقدرة ذاتية متعينة خارقة ومتجددة ، مثلما فعلت الماركسية الكلاسيكية في طرح كم هائل من المفاهيم والمقولات الجديدة والضرورية والفعالة وقامت بالعديد من المراجعات المتصلة الجرئية .
بعد هذه المقدمة الإيجابية المصورة للماركسية ، ماالذي جرى لهذه النظرية الخلاقة ؟؟ ماهي الأجزاء والمفاهيم التي شاخت وتيبست في شجرة الماركسية الوارفة ؟؟ وما الذي تبقى منها صالحاً حتى زمننا الراهن وللمستقبل خاصةً ؟؟ ماالذي تغير وتبدل في الحياة والواقع ؟؟ هل تستطيع الماركسية تجاوز نواقصها وأخطاءها القديمة والجديدة ؟؟ هل تستطيع الإجابة على الأسئلة الجديدة الكبيرة التي تطرحها الحياة ؟؟ هذه أسئلة رئيسية يطرحها الواقع على الماركسية ، وهي جزء من أسئلة كثيرة مطروحة اليوم ، مثلما كانت مطروحة بالأمس وعلى المستقبل أيضاً ، لكنها أسئلة ظلت معلقة في هواء التجربة وفراغاتها ومتونها، دون إجابات شافية اليوم ، مما كرس المشاكل وساهم في إستمرارها .
مع بروز الأتمتة ، راح عدد من المنظريين الرأسماليين ، يثحدثون عن حصول فراغ في تسلسل العقل والمنطق الماركسي ، وأن الماركسية فقدت أو سوف تفقد أحد أسسها الرئيسية التي تعمتد عليها ، وهي وجود طبقة عاملة واسعة ، تعاني من الأضطهاد والأستغلال الطبقي ، مما يستدعي تنظيمها لتقود التغير الإجتماعي ، بواسطة الحزب الخاص ، والمبني على أسس جديدة ، وهو من طراز جديد أيضاً . كيف نستطيع مناقشة هذه الفكرة ؟؟ إبتداءً يجب الأعتراف أن تغيراً بنيوياً كبيراً في شكل وجحم ودور الطبقة العاملة قد حصل ، والمصنع الذي كان يديره خمسين ألف عامل يمكن أن يديره الآن خمسة آلاف عامل أو حتى ألفين وخمسمئة عامل فني وأداري !! لكن الماركسية تحدثت عن إستغلال وأضطهاد للأنسان ، فهل غيرت الأتمتة أو الثورة المعلوماتية الراهنة من جوهر الإستغلال ؟؟ ربما خففته جسدياً مثلاً ؟؟ هل عدد سكان الأرض في زيادة أم في نقصان ، وأين تذهب الأعداد الجديدة الى صف الأغنياء أم الى صفوف الفقراء الطويلة ؟؟ وهل التطورات العلمية ستخلق مجتمع العدالة والمساواة والرفاهية ، أتوماتيكياً أو تاريخياً ؟؟ هل تنطبق هذه التطورات على كل سكان العالم ، أم أن هناك شعوب ودول وأطراف كبيرة وكثيرة لم تدخل الى المرحلة الصناعية البدائية أو المتوسطة ؟؟ ألم تخلق قضية التطورات العلمية الهائلة والسريعة مشكلة للرأسمالية قبل الماركسية بهذا الفائض الرهيب من البشر العاطلين عن العمل ، والجياع والمهمشين ، وتتكاثر أمراض وأفرازات وأزمات الرأسمالية ، بينما تزداد ثروة الأغنياء بالدقائق واللحظات ؟؟ ألم تقسم الثورة المعلوماتية العالم الى عالمين ، أحدهما متطور جداً والآخر متخلف جداً يقبع في آخر درجات الأنحطاط والغيبوبة والتبعية ، ولم يدخل التاريخ بعد من حيث المساهمة المعرفية والمشاركة في صناعة الحياة؟؟ وهذا ما يخلق ما يمكن تسميتة بالصراع الأجتماعي العالمي والحياتي ، لتصحيح هذا الأختلال الجدي . صحيح أن الوزن النوعي والكمي للطبقة العاملة قد تغير تماماً ، لكنها لم تختف بعد من الوجود الأجتماعي ، ومن ثم التأثير السياسي ، بينما ظهرت فئات جديدة تحمل نفس المشاكل والآلام التي تسببها الرأسمالية ، وتحمل نفس التطلعات والأحلام في عالم آخر دون تمايز وجور وإستغلال ، يمكن أن تتوجة إليها الحركات الماركسية اليوم . إن جوهر المشكلة الكونية والتاريخية ، في الإستغلال ومحاولة إلغائه لم تتغير بعد حتى هذه اللحظة من عمر البشرية ، فلذلك ستبقى الأشتراكية هدف وحلم يتطلع اليه الناس !!
من المتغيرات الهامة والكبيرة هوما حصل في عقل وآليات تسيير الرأسمالية وتحديثها، وأشكال العلاقات الجديدة ، ومنها العولمة مثلاً ، التي لم تعد مطابقة للشكل الذي تحدثت عنه الماركسية الكلاسيكية ، وهنا ينبغي دراسة هذه المتغيرات للتعرف عليها وعلى كيفية التعامل معها .
لقد تعرضت الماركسة الى تخريب بالغ من داخلها ، من خلال التجارب الخاطئة التي أنجزت ، وخاصة تجربة المدرسة الماركسية السوفيتية وتوابعها ، لقد أبتعدت هذه التجربة عن روح الماركسية وجوهرها العلمي المتطور ، وإستبدلتها بمجموعة نصوص جامدة متقطعة وإنتقائية ، وكليشهات جاهزة ، بينما يردد الأتباع ما يأمر وينطق به المركز ، دون مراجعة أو مقاربة مع الواقع المحدد والمقصود .
علينا إعادة قراءة الماركسية من جديد في ضوء التطورات الهائلة الجارية في عالمنا ، قراءة جديدة عبر المقاربة مع الواقع ، وليس بواسطة نصوص مترجمة ، كما على الماركسية إعادة قراءة الواقع من جديد والتعرف على متطلباته ، بعد تجاوز هذه الإنقطاعات المريرة التي عاشتها الماركسية على جميع الأصعدة ، وهذا يحتاج الى جهد عالمي مشترك .
على الماركسية أن تعيد قراءة ونقد كل أجزاءها الأساسية والثانوية ، وأن تتخلص من كل الشوائب والعوالق والتخريفات التي رافقت هذه التجربة العبقرية ، وأن تنفتح على الحياة من جديد ، لتعود إليها حيويتها وقدرتها الخاصة على التجاوز والخلق والمبادرة .
يجب أن تكون عودة الماركسية الى التاريخ ، عودة معرفية فكرية ثقافية ، وليس بالطريقة التي حصلت في بداية إنتشارها وخاصة في بلداننا العربية مثلاً ، حيث كان الأنتماء لهذه الفكرة عاطفياً في الغالب أو حسب الموضة الشائعة والمنتشرة ، وليس أنتماءً عقلياً مستقلاُ ، وهذه مشكلة تطبيقية كبيرة عانت منها الحركات الماركسية ، بدرجات مختلفة ، ولإسباب متعددة ومختلفة أيضاً .
لاتزال الرأسمالية في مأزق إنساني ، ومأزق أخلاقي ، بصدد الإنسان ووجودة ومستقبله ، رغم إستمرارها وإنتصارها الظاهر ، وعدم وجود تجارب ماركسية واسعة وناحجة ، فأن الرأسمالية لم تتجاوز ما طرحته الماركسية في جوهرها نظرياً ، فلا مستقبل تاريخي وكوني للنيوليبرالية ولرأسمالية البوارج .
بالنسبة لتجربتنا اليسارية ، العربية والعراقية ، فلها مشاكلها الخاصة الكثيرة ، وأزماتها الدورية ، التي دفعت بها الى الضعف والتهميش والإنعزال ، نتيجة لإخطاء وضعف فكري وتنظيمي وسياسي متكرر ، وعلى المحاولات التي تجري اليوم لإستعادة دور اليسار الوطني العراقي ، أن تدرس التجربة السابقة ، بما لها وما عليها ، ثم توفر الشروط الأساسية لنهوض هذا المشروع الهام ، وينبغي أن تكون شروط فكرية وسياسية وتنظيمة واضحة وجديدة ، تتناسب مع التطورات الجارية في بلادنا ، وتتصدى للمشاكل القائمة اليوم ، وخاصة مشكلة الإحتلال والأرهاب والطائفية والفساد ، في ظل خراب إجتماعي وأخلاقي عام ، عبر طرح برنامج يساري وطني آخر يساهم في حلحلة الأزمة الوطنية التي يمر بها بلدنا ، عبر العمل الفكري والسياسي والجماهيري الدؤوب والطويل النفس .
وأخيراً لاتزل أسئلة الماركسية تتمتع براهنية وحضور عام ، رغم النقص الفادح في الأجوبة الماركسية على التغيرات الشاملة التي يمر بها المجتمع البشري ، ولو أرادت الماركسية أن تؤثر في مجرى التاريخ من جديد، فأن المساهمة الفعالة في الإجابة على ما يجري ، هو أحد أهم شروط هذا التأثير .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي