الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احسان عبد القدوس .. وأدب الخروج - الجزء الثاني

فارس حميد أمانة

2013 / 10 / 31
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ملخص الجزء الأول الذي نشر سهوا في محور القضية الكردية بدلا من محور قراءات في عالم الكتب والمطبوعات ونكرر اعتذارنا عن هذا الخطأ الحاصل :
ولد الكاتب والصحفي والروائي الأديب المصري الكبير احسان عبد القدوس عام 1919 من أبوين عملا في الفن والأدب وتأثر كثيرا بهما .. تخرج من كلية الحقوق في عام 1942.. له مواقف سياسية ووطنية كثيرة فقد كتب عام 1945 مقالا ضد سفير بريطانيا في القاهرة في مجلة روز اليوسف التي أسستها أمه روز اليوسف ثم رأس تحريرها مما أدى الى اعتقاله وغلق المجلة ثم أثار بمقالاته التي نشرت في نفس المجلةعام 1948عن صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش والتي أجبرت وزير الحربية حينها بشكل أو بآخر على الاستقالة .. أشتهر بكتاباته المتحررة ولا سيما عن العلاقات الجسدية في المجتمع المصري وتعرض لنقد شديد لكنه لم يستسلم وواصل نهجه مدافعا عن كتاباته التي شملت تقريبا كل فئات الشعب المصري وكل الطبقات وبذلك يختلف أيضا عن بعض كتاب عصره كابراهيم عبد القادر المازني وتوفيق الحكيم حيث طرقا قبله هذا الباب لكنهما استسلما سريعا للضغوط النقدية وتراجعا ..
كتب احسان عبد القدوس الكثير من الروايات والقصص القصيرة والمتوسطة في تسعة وخمسين كتابا تحول أغلبها الى أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية واذاعية منها النظارة السوداء ولا شيء يهم والبنات والصيف وفي بيتنا رجل وشيء في صدري وكثير غيرها .. كتب احسان أيضا مقالات سياسية نشرها في كتابين كما نشر كتابا ثالثا في السينما .. توفي الكاتب الكبير عام 1990 تاركا وراءه ارثا أدبيا كبيرا .
تطرقت أيضا في الجزء الأول من المقال لمجموعته القصصية " علبة من الصفيح الصديء " التي يعرض فيها نماذج من المجتمع الريفي المصري وتعلقه بالأوهام والخرافات واستسلام تلك النماذج وانهزاميتها لكن عبد القدوس لم يقطع الطريق بهذا الطرح فقط المتمثل بعرض النموذج والمشكلة اذ يبرز لنا ايضا الحل من خلال شخصيات ثائرة تؤمن بالتغيير بل وتقوده أيضا كشخصية بطل القصة التي حملت نفس اسم المجموعة القصصية وبطل قصة اكتشاف الألمنيوم الرمزية الدالة على الاصرار على التغيير نحو الأفضل حتى ولو بدفع ثمن غال هو حياة بطل القصة ..
في هذا الجزء نتعرض لكتابه " البنات والصيف " وهو مجموعة قصصية من خمس قصص نشرها في البدء تباعا في مجلة روز اليوسف نهاية الخمسينيات ثم نشرها كتابا ثم أخرجت فيلما سينمائيا عام 1960 عن ثلاث قصص فقط وقد حرفت نهايات القصص جميعا لارضاء أذواق المشاهدين المتعطشين للنهايات الجميلة للأفلام ولا أعتقد ان احسان عبد القدوس سجل اعتراضا على ذلك مما عده البعض مثلبة عليه ..
تعرضت المجموعة لنقد شديد وقد كان جمال عبد الناصر من بين المنتقدين لتلك الجرأة الشديدة في العرض وقد دافع احسان عبد القدوس الذي كانت تربطه بجمال عبد الناصر علاقة صداقة ترجع للأربعينيات عن هذه القصص بالذات .. لقد عرض احسان عبد القدوس العلاقات الجنسية التي تدور خلف الجدران مصرا على وجودها وعرضها كما هي سواء أكان العرض من مخيلته أم عرضا لحالات كان يعرف بوجودها .. لقد كان احسان يرى ان مشاكل المجتمع ليست مشاكل فردية تعود لأشخاص فقط لكنها مشاكل مجتمع بأسره ..والانحراف عن جادة الصواب لا يقومه القانون أو البوليس ولكن الاصلاح الاجتماعي فانحراف فتاة أو رجل ينبع من المشاكل الاجتماعية الأسرية والمشاكل الاقتصادية للمجتمع كما ان عرض هذه الحالات ينبه الناس للثورة ضد المجتمع ويغيروا فيه لكن يبدوا ان الناس قد ثارت ضد الكاتب وليس ضد المجتمع ..
يدور محور القصة الأولى عن فتاة شابة من الطبقة المرفهة يتوفر لها كل شيء ولديها مساحة كبيرة من الحرية الشخصية الا ان شعورها الشديد بالملل يدفعها للبحث عن جديد فتسقط في أحضان رجل تتوهم ان السعادة الحقيقية يقدمها التجديد فتعيش فترة بسعادة غامرة حتى يسيطر وهم آخر هواكتشافها لوجود امرأة آخرى في حياة رجلها فيحطم هذا الوهم الجديد وهما الأول بالسعادة لتخسر كل شيء ..
لا يختلف مضمون القصة الثانية كثيرا عن القصة الأولى الا بعمر بطلتها حيث نجد سيدة متزوجة من المجتمع الراقي تبلغ الثانية والأربعهين تقودها غيرتها على رجل ترتبط معه بعلاقة جسدية مشبوبة الى تحطيم وايذاء فتاة شابة تتوهم انها قد تكون على علاقة بهذا الرجل لتستمر علاقتهما دون ندم منها ..
القصة الثالثة قصة تعرض حياة فتاة شابة ذات شخصية استسلامية انهزامية بسبب التربية المتزمتة تتزوج من رجل بارد الطبع يثق بصديقه ثقة عمياء فيستغل هذا الصديق ضعف شخصيتها وثقة الزوج ليعتدي عليها باستمرار .. تنتهي القصة بعد محاولاتها اليائسة بالفشل لتنبيه الزوج لاتخاذ اجراء رادع فتنهار في النهاية منهزمة من نفسها ..
القصة الرابعة عن خادمة شابة تقع فريسة شهوة مخدومها الذي لا يستطيع الافصاح عن رغبته الدنيئة فيضطهدها باستمرار ويدفعها الاضطهاد للارتباط بعلاقة مع عامل بسيط وفقير جدا يشكو لها باستمرار من حاجته لمبلغ بسيط يبدأ به حياته العملية ثم ترفض وبشدة اغراءات صديقتها ودعوتها لها لبيع جسدها الا انها تستسلم لاغراءاتها بالسرقة .. تشتد رغبة مخدومها لها فيلجأ الى اخفاء ساعته الذهبية متهما الخادمة بالسرقة قبل ان تقوم هي فعلا بتنفيذ السرقة لتكتشف ان شكوى حبيبها تدخل ضمن ضغطه غير المباشر عليها للسرقة .. تدخل الفتاة السجن لجريمة لم ترتكبها ..
أما القصة الخامسة والأخيرة فهي عن فتاة شابة يعرض عليها شاب اهتمامه الشديد بها ويعرب عن رغبته بالزواج منها دون أن تتذوق الحب ومشاعره ولوعته فترفض الزواج به .. ثم ترتبط بعلاقة حب وهمية مع شاب يعرف نقطة ضعفها وهي لهفتها للحب والكلام الناعم ليسيطر على مشاعرها ثم جسدها وتأبى الاعتراف بالخطأ فيتركها الرجل الأول ويلغي فكرة الزواج منها ويصدمها الثاني بحبه المزيف فتتركه خاسرة كل شيء ..
ان نظرة عابرة على القصص الخمس تؤدي بنا الى العامل المشترك الأول بين البطلات وهو العمر فكل البطلات في عمر بداية الشباب أو لنقل عشرينيات العمر وما حولها .. رغم ان عمر بطلة القصة الثانية هو عمر الشباب المتأخر .. الشيء الثاني هو ان الأخطاء الفردية تشمل كل شرائح المجتمع فاحدى البطلات من المجتمع الراقي والأخرى من الطبقة المتوسطة وواحدة من الطبقة المرفهة وبطلة من الطبقة الفقيرة .. أي ان هذه الأخطاء التي عدت أخطاءا فردية هي أخطاء المجتمع بأسره وبكل طبقاته لذا فأن المسئولية تكون مسئولية تضامنية يشترك الجميع باقتراف الأخطاء وعلى الجميع الانتباه لها ومعالجتها ..
هناك عامل مشترك آخر وهو الوهم .. وهم الحب ووهم السعادة اذ ان جميع البطلات يبحثن عن الحب وبالتالي عن السعادة لا عن الجنس حيث لا تبيع أية بطلة منهن جسدها في سوق الدعارة لكنها تسلم نفسها بعد سقوطها في وهم اسمه الحب .. وهذه مسئلة خطيرة وفق الكاتب في عرضها حيث ان الكثيرات من الشابات في المجتمعات الشرقية يتعرضن لتجارب قاسية بسبب الوهم والتربية المتزمتة أو بسبب منح مساحة أكبر من الحرية الفردية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-