الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذكريات قلعة كركوك (3)

أيوب عيسى أوغنا

2013 / 10 / 31
سيرة ذاتية


كان الهدف من وراء كتابة هذه الذكريات المتناثرة ( وأن جائت متأخرة) , هو الوفاء وأحياء يوميات الطفولة في قلعة كركوك , والتي تستحق التكريم , ليس فقط لأنها مسقط رأسي , وأنما لأهميتها التاريخية وأعادة وضعها على الخريطة وألقاء الضوء عليها لأزالة أطنان التراب عن معالمها , وأزقتها ودروبها , وربما لأحياؤها من جديد في قلوب ساكنيها الذين لايزالون على قيد , أو لأولاد وأحفاد هؤلاء , وحبذا لو أهتم علماء الآثار بالتنقيب عن تاريخها والحضارات التي عاشت وأندثرت وأصبحت أطلالا تحت تلك الهضاب الرملية .
وأنني كمهندس معماري وخبير أستشاري أهتم بالتراث العراقي كمصدر للألهام , لي أمل بأن الدولة العراقية ستبدأ يوما بترميم وبناء هذه القلعة التاريخية ( أسوة بقلعة أربيل التاريخية ) , و في أحياء تراثها وأمجادها وحضاراتها الأنسانية منذ بدأ التاريخ ( حضارة ما بين النهرين ) , وأن تصبح هذه معالم سياحية كما هو الحال في حضارة مصر الفرعونية , والجدير بالذكر الأهتمام الذي أبداه ديكتاتور العراق ( صدام حسين) بأعادة بناء بابل , وأن كان لتخليد ذكراه هو شخصيا , لأنه كان يعتبر نفسه (سرجون البابلي) , وحتى أن الطابوق المصنوع في أعادة بناء تلك الحيطان كانت تحمل عليه طمغة ( بني في عهد المنصور صدام حسين ) , وأستمر البناء بعشرات آلآلاف من العمال
( العرب وخاصة المصريين) طيلة ثمانية سنوات من الحرب التي أيضا تم تسميتها ( قادسية صدام) , وذهب ضحيتها الملايين من الشهداء والجرحى , لطيلة (8) سنوات , ولكن بالرغم من كل ذلك فأنه قد رحل وبقت تلك الحيطان والمعالم أصبحت ظاهرة للعيان ولذا يعتبرأنجاز تاريخي يشهد عليه بالرغم من دوافعه الشخصية و مرض جنون العظمة لديه, ولكن كل هذا لم يثنيني من الأشتراك في مسابقة عالمية لتصميم ما سمي ( صرح القادسية) تخليدا له في تلك الحرب المدمرة وحصلت على الجائزة التقديرية ومكافأة مالية لا أزال أفتخر بنتيجتها , وأن المهندسين يحلمون بالتعامل مع من لديه وبيده القرار النهائي لأنجاز مشاريع عملاقة ( كمثال العلاقة بين المهندس المعماري سبير والدكتاتورالنازي هتلر) , ولكن لم تتيح له الظروف لأقامة ذلك الصرح الذي كان يشمل مقرات ومكاتب الحكومة ومدينة مصغرة بأسوارها وعدد (8) بوابات أكبرها تسمى (بوابة القدس) , وتضاهي مدينة بغداد التاريخية التي بناها الخليفة الثاني العباسي (أبو جعفر المنصور) وأن كانت أصلا بعدد (4) بوابات ( والشكر للمعماري والأكاديمي موفق الطائي في كتابه الجديد عن بغداد وتاريخها) , ويبدوا أنه أختار أسم (المنصور) على الطابوق للتشبه به أيضا !!؟؟..
وكذلك شاركت في مسابقة معمارية عالمية لبناء (برج بابل) والحدائق المعلقة التي خلدت أسم الملك/ البابلي/الكلداني( نبوخذ نصر) , وأهم شروط المسابقة كانت بيان طريقة الري القديمة لتوصول الماء الى أعلى الحدائق ( بدون أستعمال آلات ضخ الماء) , والغريب أننا أثناء زيارة الموقع لم نتمكن من الأقتراب من المسرح الذي تقام فيه فعاليات مهرجان بابل السنوية , تخوفا من حراس الأمن في التعرف على المدخل الخاص بالسيد الرئيس الى المقصورة الخاصة به , والغريب أننا كنا نصمم في تصاميمنا الغرف الخاصة ومكاتبه وطرقة هروبه بثلاثة طرق , جوا بالهليوكوبتر , وبحرا بالقارب للبحيرة وممر مائي الى نهر الفرات , وبالبر عن طريق خاص بالسيارات المصفحة بطريق خاص , وحتى مواصفات الملجأ تحت الأرض ضمن متطلبات التصميم , بأن يكون ضد القنابل النووية بما لايقل عن عمق سبعة طوابق تحت الأرض !!؟؟.
ولكن أيضا لم يتم البت بالنتائج وذهبت جهودنا أدراج الرياح , وكما ذهبت معها مشاريعه الوهمية بجعل بغداد عاصمة الشرق بدون منازع ( عاصمة المنصور صدام حسين), ومن يدري مدى نجاحه في تحقيق كل هذه الأحلام , لو لم تورطه أمريكا بالحرب العراقية –الأيرانية وغزو الكويت .
لنرجع الى قلعة كركوك , وبالرغم من مساحتها المحدودة على الهضبة فأنها كانت في الزمن الغابرمستقلة كمدينة متكاملة يلف حولها نهر ( الخاصة صو) , ونتيجة التوسع السكاني فأن معظم الأسواق والمحلات التجارية كانت في المنطقة المحيطة بها وخاصة من الشرق حيث كان يوجد طريق ضيق منحني ذو ميلان يؤدي الى محلة (المصلى) , والوحيد الذي تتمكن منه العربات الصغيرة التي تجرها الحيوانات , للصعود الى القلعة , لذا لم تتوفر مساحات فضاء للعب الكرة حتى لطلاب المدارس , لذا كانت الأزقة الضيقة هي المكان الوحيد لقضاء أوقات الفراغ , وكل زقاق أو محلة كان الفتيان فيها يظهرون العداء لمن يتخطى حدودهم كنوع من الحماية , لذا كنا نتفنن في الألعاب التي تسمح بها تلك المساحات الضيقة , كلعبة الدعابل للفتيان و القفز على مربعات المخططة بالتباشير للفتيات والتي نحن الصغار نشترك بها معهم , وكان سفح الهضبة (مدخل القلعة) كان يسمح لنا بمشاهدة جزءا كبيرا من شاشة السينما الصيفية على الطرف المقابل للنهر( سينما غازي ) , حيث كنا نستمتع بمشاهدة أفلام السوبرمان وفلاش جوردن ورجل الخفاش والكاوبوبز والهنود الحمر, مجانا . كما أن العديد من فعاليات فرق بهلوانية للقرود والدببة والتي يتم تدريبها وهي مقيدة بالسلاسل ولاأزال أتذكر منهم من كان يهضم الزجاج بأسنانه و آخر يبلع الأحجار الصغيرة للحصول على بعض الفلوس بالمقابل , وكان يدق على بطنه لسماع أصوات تلك الأحجار , يا لها من طريقة خطيرة لكسب لقمة العيش , ونسمع هذه الأيام عن ضبط مهربين في المطارات للمخدرات في كبسولات يبلعونها للتهريب بين الدول ومنهم من يموت لأنفجار بعض الكبسولات في بطنه , وربما الأحجار كانت أقل خطرا لذلك المسكين وخاصة وأنه لم يتم القبض عليه كمهربي المخدرات .
وفي حادثة لا أزال أتذكرها جيدا , وقوع حمار يحمل أثقالا في حفرة البالوعة خارج أحد البيوت
بحيث لم يتمكن صاحبه من جره من سيقانه الخلفية الى الخارج قبل أن يختنق , وبقت جثته أياما عديدة الى أن تمكن عدد كبير من عمال البلدية والسكان بجره بالحبال وألقائه في قاع الخاصة لتأكله الكلاب السائبة والطيور الجارحة ويبقى منه العظام , ويقال أن الحاجة أم الأختراع , حيث طالبت المرحومة والدتي مني وأخوتي الكبار للذهاب الى قاع النهر وبيدنا كيس ( كونية) لجمع العظام
حيث كانت تحرقها في التنور الجديد كلما أنتقلنا من بيت لآخر, حيث كان الرماد في قاع التنورضرورة لبقاء الحرارة مستمرة داخل التنور ولأعطاء الغلاف الداخلي للطين المجفف صلابة وطبقة تمنع العجين من الألتصاق , حيث كان التنور من ضروريات الحياة , لصنع الخبز , وما أدراك ما هي لذة وطعم وريحة تلك الأرغفة الرقيقة , وريحة حبات الهيل و الحبة السوداء ضمن العجين , وخلد المطرب العراقي (ناظم الغزالي) , في أحدى أغانيه الشعبية والعالمية ,
بلأشارة الى محبوبته وهو يحاول مغازلتها وكسب ودها ,( ناوليني الرغيف من التنور) ...

يتبع .... لو حصلت على التشجيع من ردود القراء وخاصة من عاصرو تلك الأحداث

ولي تحية وأستفسار من يهود العالم ( والبرفيسور شموئيل موريه بصورة خاصة), هل لأحدكم علم ومعرفة باليهودي المشهور في قلعة كركوك , بأسم ( عرب أوغلو) وماذا حل به وعائلته , وبهذه المناسبة أبعث بتعازي الحارة للأستاذ الدكتور/خضر سليم البصون في رثاؤه المؤثرفي ( أيلاف) وكانت دموعي تنهمر لذلك السرد الرائع من أديب أصيل , و لزوال هؤلاء الذين أثروا تاريخ العراق بالفن والأدب والموسيقى , لرحيل والدته المرحومة مريم الملا بصون / الأديبة والكاتبة العراقية الأصيلة, والتي شربت من مياه دجلة ( يادجلة الخير...) , وترعرعت على تراب العراق , وكان له ولوالدته و والده المرحوم مجهود عظيم يدل على أصالتهم وتمسكهم بأصولهم العراقية , في كتاب الموسوعة عن حياة وشعر الجواهري العظيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كركوك !!
اّيار ( 2013 / 11 / 1 - 10:11 )
كركوك ليست لديها لا صاحب و لا صديق ..والسبب الرئيس في اعتقادي يعود الى اصطفافهم منذ الستسنات ( اقصد التركمان ) مع القوميين العرب والبعثيين حيث ربطوا مصائرهم بهم ..تحياتي للاستاذ الكاتب .


2 - تحية لآيار
ِAyoub Issa Oghanna ( 2013 / 11 / 2 - 09:14 )
نعم , سأتطرق للموضوع كشاهد عيان وشاهد على العصر


3 - ذكريات جميلة
حسين منشد ( 2018 / 12 / 19 - 20:12 )
تحية طيبة للكاتب ... موضوع جميل ... ولو الرد جاء متأخر جدا .... نرجو المزيد

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-