الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباح التعصيب

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2013 / 10 / 31
الادب والفن




هذا الصباح وأنا أوصل بناتي الى المدرسة كنت منهكة وعايفة حالي. ابنتي الكبيرة بكت كثيرا بسبب الجوارب التي لا تحبها. الصغيرة بكت بسبب البلوزة التي لا تعجبها وابني ظل يصفق الباب خارجا وداخلا حتى طنت أذناي، وزاد من تعصيبي أن رأيت كل مواقف السيارات قرب المدرسة مغلقة بسبب أعمال بناء الأرصفة التي بدأت منذ يومين.
"يعني أين تريدوننا أن نركن السيارة؟!" أردت أن أصرخ في وجوههم، ولكنني تمالكت نفسي بعضة على شفتي وأوقفت السيارة بمحاذاة الرصيف القريب من الموقف.
عن ذلك تذكرت قول أحد المرشحين الشباب المتحمسين لرئاسة مجلسنا المحلي متوجها الى منافسه رئيس المجلس الحالي: لماذا الآن؟ لماذا ليس في عطلة الطلاب الصيفية؟ لماذا تعرّضون أولادنا للخطر؟ فيعقب عليه البعض: "كل عمل من أعمال المجلس يحظى دائما بالانتقاد بدل الدعم والثناء. حتى لو رأينا شيئا إيجابيا يقوم به المجلس نجد فيه شيئا سلبيا." حتى أن البعض نصحه بالتركيز على نفسه بدل التشهير بالآخرين.
تعجبت. أحقا لا نرى في كلامه شيئا من المنطق؟؟ أم أن الديمقراطية وحرية التعبير لم تعودا قيما لها اعتبار عندنا لمجرد أننا نرى شابا متحمسا ينافس على رئاسة المجلس حاملا معه أحلامه الكبيرة؟ أهو الحقد؟ أم هو مجرد حب النقد؟
حين خرجت أنا والأولاد من السيارة رأيت سيارة جيب بيضاء جميلة تتوقف من ورائي بسرعة خفت معها على ابنتي الصغيرة التي مشت بالقرب منها فأمسكتها بسرعة. لا يكفي أنها تتوقف في مكان تسد فيه مدخل المنزل القريب بل وواثقة جدا من نفسها أيضا!
فوجئت حين رأيت قريبتي تخرج من السيارة ومعها ابنها الصغير. سلمت عليها سريعا دون إضافة شيء. حتى ابتسامة الصباح أبت أن تنسحب من بين شفتيّ.
نظرت الى الساعة فرأيتها تشير الى السابعة وأربعين دقيقة. عرفت أنني سأتأخر على عملي مرة أخرى.
"هيا يا أولاد. تأخرنا."
ذهبت معهم باتجاه المدرسة ثم ودعت ابنتي الكبيرة التي أكملت طريقها الى مدرستها العالية (كما نسميها) مع أخيها، وحين أوصلت الصغيرة الى روضتها رأيت معلمتها واقفة قرب البوابة مع معلمة الروضة الأخرى القريبة مستغرقتين في الحديث. لم تكن بي رغبة في إزعاجهما فلم أصبّح عليهما.
ودّعت ابنتي واستدرت للذهاب. وحين مشيت قليلا، فوجئت بصوت من ورائي يهتف: "شو ما في صباح الخير؟؟؟"
استدرت الى الوراء فرأيت معلمة الروضة الأخرى، الثالثة، روضة ابنتي الكبيرة منذ سنتين. مشت باتجاهي.
جمدت في مكاني... متعجبة: "أنا؟؟؟؟"
فقالت: "وأنا أيضا سأكتب كيف لم تقولي صباح الخير!"
ضحكت، وقلت: "والله لم أنتبه إليك. حتى لو لم أقل لأحد سأقولها لك أنت!"
هذه الإنسانة نادرة بخفة دمها، فرحها، جرأتها، حبها للأطفال وإقبالها على الحياة. امرأة في أوائل الخمسينيات من العمر، لا تخشى أن تكون شاذة عن القاعدة وتفعل ما يحلو لها دون أن تبالي بأي كلام فاض. تعمل مساعدة معلمة روضة، مهرّجة للأطفال ودي جي في الأعراس والمناسبات، ولا يهمها أن تتنقل في القرية أو حتى تأتي الى مكان عملها على الطرطيرة خاصتها بحجابها الأبيض وملابسها الفضفاضة، ولو كانت الوحيدة التي تفعل ذلك في القرية. حتى أنها، كما سمعت، كانت تقود التراكتور في صباها وتعمل في الحقل مع إخوتها الشباب.
اقتربت منها وصافحتها: "كيف الحال؟"
"الحمد لله، بخير." قالت، ثم أضافت: "لم نعد نرى بعضنا منذ إغلاق البركة."
تأسفت على ذلك وقلت: "حقا كانت لنا أوقات رائعة هناك."
البركة هو المكان الوحيد الذي يمكن للواحدة أن تفرفش قليلا عن نفسها في قريتنا الصغيرة، وطبعا هناك فصل بين الرجال والنساء. فهناك أيام للنساء وأيام للرجال ويوم السبت هو للعائلة ولكنه في الواقع يكون للرجال. هذا العام قمت بعمل اشتراك فكنت أقضي فيها كل يوم جمعة منذ ساعات الصباح الى ما بعد الظهر، فتعرفت فيها على صديقات جديدات، رائعات، رغم فارق السن بيننا، وكانت لنا جلسات نسائية حافلة: أحاديث، أخبار، قصص، مزحات، ضحكات... وطبعا سباحة. انتهت أيام البركة مع انتهاء شهر أيلول ومنذ ذلك الحين لم نر بعضنا.
افترقنا وعدت الى السيارة للانطلاق الى عملي. وفجأة، تذكرت هاتفي الذي نسيته في البيت.
يا الله هذا الذي كان ناقصا!
عدت الى البيت وأخذت هاتفي. وعندما كنت في طريقي الى ركوب سيارتي من جديد سمعت جارنا يصرخ معصبا في ابنه: "طبعا يجب أن تعمل. لا أحد لا يعمل. الكل يعمل. وذاك الثاني أخوك قاعد في البيت يتدحدل، لا عمل يعمل به ولا صلاة يقيمها في وقتها."
رميت نفسي بسرعة الى داخل السيارة حتى لا يصلني الأكثر فأحس أنني أتنصت على جيراني وأخجل من نفسي كثيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل