الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية المقدس والمدنس في فن المسرح من أفلاطون إلى بريخت

أبو الحسن سلام

2013 / 11 / 1
الادب والفن


- هو مسرح مغاير للدراما الأرسطية وللمسرح التقليدي ، بدأه المؤلف والمخرج المسرحي الفرنسي ( أنتونان آرتو ) ، وهو يعتبر تلميذا للمؤلف المسرحي الفرنسي ( ألفريد جاري) مؤلف ثلاثية ( أوبو ملكا – أوبو يجد زوجة – أوبو فوق التل ) ويظهر فرط إعجابه وتأثره بمسرح ألفريد جاري في الكتاب الذي ألفه عن جاري بعنوان : ( مسرح ألفري جاري ) الذي يقول فيه : " إذا كنا نقيم مسرحا ليس لتقديم مسرحيات بل للوصول إلى ظلمات النفس ، إلى ما هو خفي وغير معلن ، وما سوف يحدث نوعا من التفجير المادي عند ظهوره "

- اتخذت نظرية آرتو من القسوة عنوانا لمسرحه ؛ فهو يركز على محاكاة حالة الرعب ؛ فيرى أن " الرعب الناتج من مشاهد القسوة يطهر النفس ويقويها على تحمل الواقع والتخلص مما تحمله من شر وشراسة وآثام "

- هو مسرح احتفالي بكل المعاني وهذا واضح في تعريفه للعرض المسرحس بأنه حفلة تقام مرة واحدة لا تتكرر " حفلة العرض وحيدة ، لا مثيل لها ، فالعرض لا يتكرر ، بل يتجدد في كل ليلة ؛ ذلك أن المسرح قرين الحياة. "
- هدف مسرح القسوة : خلق واقع جديد يؤدي من خلال المسرح إلى حقيقة ما
قبل المنطق ، حقيقة الأساطير وفوضى المادة . ولكن الواقع عند آرتو له مفهوم خاص غير ما نعرفه نحن عن الواقع ، فالواقع عند يتشكل في ثنائية ( الهذيان والوضوح، والجنون والحكمة )

- يعبر آرتو عن تلك الثنائية بنصيحنه للممثل فيقول : " آه .. إذا كنت تريد التمثيل الواقعي فهذا شئ آخر . هو يريد نوعا آخر من التمثيل يسميه تمثيل ( الشفرة) ويطلب من الممثل أن يخرج تماما من شخصيته الأصلية ليندمج في الدور وليكون أيضا أداة طيعة في يد المخرج ."

الأداء في مسرح القسوة:

" من الطبيعي والمنطقي أن تختلف عناصر مسرح القسوة وتقنياته عن العناصر الدرامية التقليدية وعن تقنياتها ؛ مع أن مسرح القسوة لم يخرج على ( نظرية التطهير ) إلا من حيث اعتمادها على خلق حالات الرعب وسيلة لتطهر الجسد من شوائب المادة ؛ فالتطهير هنا ليس خلاصا من عاطفتي الخوف والشفقة ، بل من خلال معاناة صدمة مرعبة تؤدي إلى إندماج الفكر مع الحركة في حالة حلولية تطهر الروح من شوائب المادة التي تعوق تعبير الجسد ، وهي حلولية صوفية بدائية السمات يتواصل فيها الروح كفكرة مع الجسد كحركة عبر لغة إيمائية وإشارية وصوتيات أقرب إلى صوتيات غابة نائية مجهولة في مجتمع بدائي لم تدنسه المادة بعد . وآرتو في تلك الثنائية لم يبتعد كثيرا عن نظرية المحاكاةا لأفلاطونية ، حيث الإعتماد على الفكرة والحركة ، كما اعتمد أفلاطون في كتابه ( خيال الكهف ) على محاكاة الفكرة المطلقة بخيال الظل أي بالصورة ، حتى لا تدنس الفكرة المطلقة بمادة المشاعر والإرادة الإنسانية . وهي ثنائية ( المقدس والمدنس) نفسها التي بنى عليها جروتوفسكي في مسرحه الفقير المتأثر بكل من ألفريد جاري وأنتونان آرتو . وهي نفسها الثنائية التي بني عليها إدوارد جوردون كريج نظريته للعرض المسرحي بتهميش الممثل وتحويله إلى ( سوبر ماريونيت ) ففكرة المقدس والمدنس فاعلة في نظرية مسرح القسوة وفي نظرية مسرح السوبر ماريونيت ونظرية المسرح الفقير ، كلها نظريات تهمش النص المسرحي أو تنفيه وآرتو كذلك من أبرز المحرضين على نشر فكرة ( موت المؤلف ) التي تحدث عنها (رولان بارت) وغيره ؛ مع العلم أن نظرية المحاكاة عند أفلاطون تنفي المؤلف عندما يرى إبعاد الممثل عن محاكاة الفكرة المطلقة ويعهد بها لخيال الظل ، حتى لا يدنسها صوت الممثل البشري وحركته "
وآرتو يؤكد رفضه للنص الأدبي للمسرح ، فالمسرح لا ينبغي أن تنبعث منه رائحة الأعمال الأدبية المكتوبة ؛ بل إن آرتو يفضل الحوار الذي يرتجل في أثناء عملية الإخراج . يقول : " لن نمثل مسرحيات مكتوبة ، ولكن سنجري محاولات إخراج مباشرة حول موضوعات أو أحداث أو أعمال معروفة . "
" ومعنى ذلك أن مسرح القسوة يعتمد على الإرتجال ، لكن الارتجال لايتم في أثناء العرض على الجمهور زلكن في أثناء عملية الإخراج ( حتى تمتزج لغة الكلام في وحدة واحدة مع عناصر المسرحية الأخرى ) ويفهم من ذلك أن المخرجيت رك الممثل يرتجل دوره أمام المخرج في أثناء التدريبات قبل العرض على الجمهور ؛ ليكون المخرج رقيبا عليها أو منسقا للدور بحيث يتمكن المخرج من الإشارة للممثل بحذف ما يرى المخرج حذفه من كلامه ، أو الموافقةعليه . وفي ذلك تقييد للممثل وتدخل مباشر وتسلط على خيالات إرتجاله . فمن من الممثل ينال حقيقيين يقبل بمثل ذلك التسلط على مخيلة أدائه الارتجالي !! "

وتبعا لذلك لم تمثل من نصوص مسرحيات كتبها آرتو غير مسرحية واحدة مع أن " كل مسرحياته كتبت نصا قبل الإخراج ولم تعرض منها سوى " سنشي " فضلا عن أنه هو نفسه كان متكلفا وغير واقعي في تمثيله " تقول د. حفيظة " كان تمثيله للأدوار غير واقعي وقريب من التكلف . فعندما كان يمثل دور شارلمان في مسرحية Huonde de Bordeau " يقدم نحو العرش وهو يمشي غلى أربع . وعندما طلب منه المخرج تغيير أسلوب تمثيله قال له : إذا كنت تريد التمثيل الواقعي فهذا شئ آخر . فهو يريد تمثيل ( الشفرة) ويطلب من الممثل أن يخرج تماما من شخصيته الأصلية ليندمج في الدور وليكون أيضا أداة طيعة في يد المخرج"

اللغة في مسرح القسوة :

يعتمد مسرح القسوة على لغة الجسد وتتكون لغة الجسد في نظر آرتو من إيماءات إشارية Gestes – Signes وهي أشبه بالحروف الأبجدية الهيروغليفية ذات الأبعاد الثلاثة . هي أقرب إلى البانتومايم ، مع تمييز " آرتو " نفسه لنوعين من البانتومايم :

النوع الأول : يسمى : Ideographic وهو ترجمة مباشرة للفكر عن طريق رموز حركية تمثل أشياء ذات مغزى رمزي .

النوع الثاني : مكون من حركات بديلة للكلام ، فالحركة هنا تعبر عن كلمة أو جزء
من جملة .
" وتمثل الحركة في النوع الأول أفكار ومظاهر للطبيعة ، بطريقة فعلية ملموسة ؛ أي أنها تذكرنا دائما بأشياء وتفاصيل طبيعية ، مثل اللغة الشرقية التي ترمز إلى الليل بشجرة ينام فوقها عصفور قد أغمض عينا ويستعد لإغماض الأخري . "

عنصر الحركة في نظرية آرتو :

يعتبر تزاوج الفكر بالحركة العمود الفقري في مسرح القسوة . هو مسرح إلتقاء الفكرة بالحركة التي يطلق عليها آرتو لغة الجسد أو البدن . هو مسرح الفكر في صورة. هومسرح الحركة التي تستشرف المستقبل لا منازع ، فالحركات تترجم بموضوعية الحقائق " الحقائق الخافية " المتعلقة بخروج الحياة من فوضى المادة ، ويتطور العالم في اتجاهه الدائم نحو المستقبل . فالحركات تعبر عما تعجز عنه لغة الكلام ، وهي تتيح للمسرح أن يرجع إلى أصله الديني والميتافيزيقي، إنها لغة الجسد التي تعيد إلى الإنسان كل ذاته ، وتقضي على الفواصل بين الروح المادة من ناحية ، وبين الصور واللاشعور من ناحية أخرى حتى ينتج عن ذلك إندماج وتطابق بين المجرد والملموس .

اللغة في نظرية مسرح القسوة :

هي لغة محاكاة بدائية ، فآرتو يرغب في العودة بلغة المسرح إلى مرحلة الكلام البدائية ، ومن ثم فإن الصرخة تعبر عن الرعب والقسوةا لمنبعثين من قسوة السلوك الإنساني ومن المادة وخضوعها للإرادة الكونية. والصرخات تتحول أحيانا إلى تنهدات أو أنين ، لغة معبرة عن مختلف الأحوال الإنسانية .
لا تختلف لغة التواصل في مسرح القسوة عن لغة التواصل عند الإنسان البدائي ، هي لغة البشر الأولين ، " مثلهم في ذلك مثل صغار الأطفال ، أو مثل الصم والبكم يعبرون عن أنفسهم بالإشارات والأصوات والهمهمات ، مكونين بذلك وسيلة مبسطة وبدائية جدا للعلاقات الاجتماعية . "

لم يتأثر آرتو بجاري فحسب بل تأثر بأوجست سترندبرج ، خاصة في مسرحية سترندبرج الشهيرة ( سوناتا الشبح ) ويرى فيها ذلك الواقع الذي يريده من خلال مسرحه ، وهو يفسر ذلك بقوله : " إنها – يقصد : سوناتا الشبح – تذكرنا بالقصص القديمة ، حيث يكون الشخص الأقل وعيا والأكثر جنونا هو في الواقع الأكثر تعقلا ، وهو في ذلك يمتلك حل كل العقد "

دور الإشارة في نظرية مسرح القسوة :

تتزاوج توظيف الممثل للإشارت والحركات في مسرح القسوة مع بعض الصوتيات فلغة الإشارات والحركات يجب أن تصحبها صرخان نابعة من الجسد كي تعيد الإنسان إلى لغة ما قبل الكلام . فالصرخات تصبح وسيلة للتعبير المباشر عن الإنسان بعد القضاء على الفوارق والفواصل المفتعلة بين الروح والمادة والشعور واللاشعور .



الشخصية في مسرح القسوة :

وضح تأثر آرتو بفكرة تناسخ الأرواح في تصويره لشخصياته المسرحية ، فهو ماثل في تخيل ( بياتريس) بطلة مسرحيته ( سينشي Cenci ) وهي على عتبة الموت قدرا دائريا ، وهي تحشى أن تعود في زمن من الأزمان إلى شكل من أشكال الحياة تتقابل فيه من جديد أباها الذي اتهمت بقتله . وفكرة التناسخ فكرة قديمة قدم التاريخ أبدع أفيد شاعر الرومان رائعته ( مسوخ الكائنات) وقد شكلت معتقدات الأمم القديمة يونانية ورومانية وهندوسية .
- شخصيات مسرحياته نمطية ؛ ىفهي لا تخرج عن كونها رموزا متحركة ، وهي ب1لك أقرب إلى فكرة كريج عن الممثل ( السوبر ماريونيت )
- اتخذ عرض مسرحيته ( سينشي) الشكل الدائري ، فهناك عجلة مخصصة لتعذيب البطلة " بياتريس" المتهمةب محاولة قتل والدها . وهي ترمز إلى الإرادة أو الناموس ( القانون الأزلي) الذي يفرض على الكون دائرية الحركة ودورية ما بين ثنائية الوجود والعدم . فالعجلة مرتبطة بالأسر وهي رمز للتكفير عن الذنب وهي تمثل القدر . وفي مسرحية ( نافورة الدماء) يرمز إلى القسوة الكونية بصوت عجلة تدور .

- الديكور والأزياء في مسرح القسوة :

- يرفض أرتو الزي الحديث باعتبار المسرح يقدم قضايا تمثل البشرية جمعاء دون التقيد بزمان أو مكان . وهو يفضل الزي في مسرح النو الياباني الذي ظهر في القرن السادس عشر – العصور الوسطى – غير أن آرتو يكتفي بثياب العصور القديمة لإضفاء القدسية والجلال على العرض . فالديكور والثياب وكل ما يشغل حيزا على مكان التمثيل ، يسهم في خلق " لغة مسرحية " تخرج عن نطاق المنطق والفكر المجرد لتصبح لغة ملموسة ؛ إذ أن الحواس هي الوسيلة الوحيدة للمعرفة الحقة .

أرتو ونظرته لمسرحه :

يقول : " عندما كتبت سينشي فإنني أخضعت تراجيديتي لحركة الطبيعة ، لتلك الحركة الدائرية التي تسير النبات والكائنات والتيت كمن في الثورات البركانية للأرض "

العرض والجمهور في نظرية مسرح القسوة :
أوحت له فكرة دائرية القدر المسيطرةعل ى العالم إلىا لإيحاء بفكرة تناسخ الأرواح. للدائرة إذن قيمة رمزية في مسرح آرتو ، فهي تحدد شكل العرض المسرحي ، وتتيح الاتصال والاندماج بين الجمهور والعرض ، وهو شكل غير بعيد عن فكرة مسرح الحلقة الشعبي ، الاحتفالي . كما أنه شكل قريب من المسرح الإغريقي . غير أنه يضع الجمهور في وسط الدائرة والمشاهد المسرحية وأداء الممثلين في خارج دائرة التمثيل والعرض فالممثلون يتحلق حول الجمهور وليس العكس ، فهو يطلب من الممثلين أن يلتفوا حول المتفرجين !!
ولذلك يطالب بإلغاء خشبة المسرح واستخدام الأركان الأربعة للصالة المستطيلة التي تذكر بدور العبادة ؛ لإعادة روح القدسية للمسرح وفي وسطها مساحة دائرية.
لتمثيل بعض أحداث المسرحية ( مكانا مركزيا )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر