الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم ... ( 14 ) ... فيروز وحديث البلد ... مباخر ٌ أم مباو.. ؟؟؟ مَباخِرُ الثقافة أم مباو.. الإعلام ؟؟؟ .

حكيم العبادي

2013 / 11 / 1
الادب والفن


من المفاهيم التي لم يفهمها العرب رمزية السيدة فيروز في الثقافة العربية ... في هذا المقال الذي سأضعه في سلسلة مفاهيم سأقتطع جزئين من مقال سحر النص الفيروزي (2) وأضعهما هنا مجبرا ً ... وسوف لن أسهب ...فغايتي أن يقرأ الجميع هذه المفاهيم ... وأن يتعلموا منها ... لأني أشعر أن الإعلام يمارس دورا ً كبيرا ً في تسطيح مفاهيم الناس وتغبيتهم في هذه الأيام .

فيروز مؤدية :
ـــــــــــــــــــــــــ
الغناء لغة ً هو التطريب والترنم بجميل الكلام وموزونه ... وقد يكون مصحوبا ً بموسيقى أو غير مصحوب ... ومخطيء تماما ً من يعتقد أن المغني ناقل للموسيقى ووسيط بين الملحن والجمهور ... و قد وقع أبناء منصور الرحباني في هذا الإشكال تعمدا ً للإساءة للسيدة فيروز وليس خلطا ً في المفاهيم ... من وقع في هذا الخلط دون تعمد هو ابن خلدون في مقدمته ... فلقد عرف التلحين ظنا ً منه أنه الغناء !!! ... والغناء ليس الخلط الوحيد الذي وقع فيه ابن خلدون ... فهناك العشرات ... ومن اليسير للقاريء الممتاز أن يكتشفها عندما يقرأ له ... رغم ريادته وعبقريته في علم الإجتماع .
إذن فيروز ليست مؤدية ... أقولها وبقوة ... وللعديد من الأسباب وسأذكر بعضها لكي لا يطول المقال :
1. المؤدي هو الرسول الناقل لإبداع ٍما ، من مصدره إلى رواده ... ورواد هذا الإبداع لا يأبهون بشخصية الرسول والمؤدي والناقل ... فيروز أو هبة أو أي مخلوق ... فما يعنيهم أن تصلهم بضاعتهم ولو بصوت موسى الذي لم يكن فصيحا ً ، فقام بالنيابة عنه أخوه هارون ... بينما في حالة فيروز نجد المفارقة الصارخة التالية وهي :
الجمهور يبحث عن فيروز وينتظرها دون أن يعلم من هو الملحن ... ولا ما هي الأغاني ... ولا يهمه أن تكون وطنية ً أو إبتهالية أو غزلية ً أو أغاني طفولة أو تراث ... ولا يهتم أن يكون اللحن غربيا ً أو شرقياً أو مختلطا ً ... أو حتى أن تغني دون موسيقى !!! ... بل كثيرون امثالي سيدفعون عشرة أضعاف ثمن تذكرتها لو رضيت أن تغني لنا يوما ً دون موسيقى!!! .
حصل يوما ً أنني طرت من بلد إلى بلد في قارة اخرى لاسمع فيروز ... وإقتنيت التذكرة من السوق السوداء ... ومنذ لحظة ظهورالسيدة فيروز على المسرح وحتى نزولها استمرت دموعي بالتساقط بشكل غريب ... بعد عشرين دقيقة خجلت من نفسي .. إلتفت حولي لأتأكد فيما إذا كان هناك من إنتبه لبكائي أم لا... وجدت ان اغلب الحاضرين يبكون مثلي ... إنتابتني نوبة فرح عارمة وإختلطت دموعي بضحكاتي هذه المرة !!! .
2. تمتلك فيروز صوتا ً ساحرا ً رخيما ً حتى كأنه إكتشاف الله الأول ... وصوت كهذا لا يمكن ان يمتلكه أي إنسان ... بينما فكرة المؤدي والناقل هو أن لا يكون مؤثرا ً في المنقول ... وفيروز قادرة أن تحول بصوتها الساحر حتى فحم الكلام ولغوه .. وبائس الألحان ورخيصها إلى جواهر كريمة ... لأن حنجرتها ليست حنجرة ناقل ... بل نبع صاف ٍ من ينابيع الجمال الفريد .
صحيح أنها كانت محظوظة بوجود عاصي في طريقها حيث إستطاع حمايتها من التوافه بعبقريته وحسن إختياره ، لكنه لم يغير شيئا ً فيها ... إذ يقول منصور الرحباني في إحدى مقابلاته ما نصه : ((جاءت فيروز متوجة ً.. إن الذي يأتي ولديه شيء يريد أن يقوله ، تكون إطلالته مختلفة ... كما لو أن هناك تاجا غير منظور على رأسه )) ... نعم فلقد كانت فيروز متوجة ً بصوتها الفريد ... ولن يستطيع نزع هذا التاج ، ولا مصادرة هذه الموهبة التي لم يصنعها بشر أيا ً كان !!!! .
لقد كان لقاء عاصي بفيروز صدفة خدمت الجمال والفن أولا ً ... وخدمت الثقافة العربية ثانيا ً ... ووزعت خدمتها الثالثة بالتساوي بين لبنان وفيروز وعاصي ... ولا فضل لأحد ٍ على أحد .
3. محاولة النيل من دور المطرب ... و تسطيح مفهوم الغناء بإعتباره أداءا ً لا إبداع فيه ، والتي يتداولها أبناء منصور .. إنما هي نقص في الإبداع ... وتعكز على عطاء الرحابنة التلحيني ... ومحاولة لإستلاب ومصادرة حصة الصوت الفيروزي في الملحمة الرحبانية بالنيل من فيروز .. اصحاب العقول يدركون من هي فيروز ... ويعلمون جيدا ً معنى صوتها ... و اللعب بالكلمات وخلط المفاهيم لا يؤثر على جوهر الاشياء ... ولا يعني جمهور فيروز أبدا ً ... ومن يؤثر فيهم ، هم السذج الذين لا يدركون من هي فيروز ... ولا ينتمون لعالمها أبدا ً.
ولو كانت فيروز مجرد مؤدية ... لنجح الرحابنة بعد إنفصالها عنهم بالعثور على بديل لها ... ولنجح منصور بعد رحيل عاصي ... ولنجح ابنائه بتقديم شيء يقترب ولو لتراب ما خلفته من إرث خرافي لا يتكرر ... ولتقبل الناس جميع أغاني زياد بنفس الدرجة ... ولم تكن متفاوتة المستوى حسب إقترابها أو إبتعادها عن الروح الفيروزية التي تبحث عما يلائمها فقط !!!.
4. فكرة المؤدي التي ظهر بها أبناء منصور لا تهدم مجد المطربين فقط ... فلهيبها سيحرق التمثيل في طريقه ..والرقص .. وربما الرياضة ... فجميع هؤلاء صنيعة للمخرجين والمدربين كما يرى أبناء منصور ... فكل الممثلين في نهاية الأمر مجرد مؤدين !!! ... وما جوائز الغرامي للغناء والأوسكار للممثلين وغيرها من كبار الجوائز إلا نوع من الغباء وتكريم لمن لا يستحق!!!.
5. إذا أردنا مقارنة عناصر الغناء الثلاثة ، الصوت واللحن والكلمات فيما بينها وحسب اهميها ... فالصوت سينفرد بالمركز الأول عندما نتحدث عن الغناء و من دون نقاش ... تاركا ً خلفه العنصرين الآخرين يتنازعان على المركز الثاني !!! .
أما في التأليف الموسيقي وخصوصا الأوبرالي فستحلق الموسيقى دون منافسة ... و في الشعر ستكون الكلمة عالية ومنفردة .
6. إتصلت بي إحدى الصديقات قبل عدة أيام تسألني : ( ما صحة ما ذكره احد الأصدقاء على صفحتها من كون كلمات أغنية – لا إنت حبيبي ولا ربينا سوا – هي من مزامير داوود !!! .؟؟؟ ) لا أريد التعليق ...فقط لأوضح ان 90% من الجمهور العربي لا يهتم بالملحن ولا بكاتب الكلمات ...ولا يعرف إلا المطرب .. ولا يسأل إلا عنه ... يشذ عن هذا جمهور فيروز ... لكنه مع ذلك يبحث عن فيروز أولا ً .
فيروز لم تعد مطربة ... فيروز صارت معيارا ً للثقافة وللوعي الفني العربي :
ـــــــــــــــــــــــــــ
فيروز صنعت بصوتها الساحر ... وبنوعية الكلمات المختارة التي فرضها عاصي ... وبنوعية الحانها ... وبشخصيتها الرصينة .. وبتاريخها المشرق نموذجا ً فريدا ً يلائم وعي النخبة ... حتى صارت معيارا ً نموذجيا ً لثقافة الفرد العربي ... و دليلا ً وحيدا ً على وعيه السليم !!! .
ليس هناك في المجتمع العربي من ينفرد بهذه الخصيصة ... لا من الكتاب ولا من الملحنين ولا من الشعراء ولا من الأحزاب ولا من المهن ولا من الرموز ... ليس هناك غير فيروز من يشكل جمهورها تفردا ً ذوقيا ّ لا جدال فيه !!! ... و ليس سواها من لم يختلف فيه المثقفون !!! .
وليست هناك من نقيصة ثقافية ، وذوقية ، تلحق بالشخص في المجتمع العربي مثل عدم استماعه لفيروز أو جهله بها !!! ... بل يكفي إتهامك بإتهام ٍ كهذا ليسخر منك المثقفون دون رحمة !!! .
يمكنك ان تجهل المتنبي ... او عبدالوهاب ... أو نصير شمة ... أو نجوى فؤاد ... أو نزار قباني .. أو عادل إمام ... أو نجاة الصغيرة ... أو أيا ً كان حتى أم كلثوم ... فأنت حر في ذائقتك ... أما ان تعترف بانك لا تحب فيروز ولا تستمع إليها فأنت متهم !!! .
فيروز هي الوحيدة التي وَحَّدَت مثقفي العرب حين فَرَّقَهم كل شيء !!! ... حتى صار حبها أو إدعاء حبها في الأقل ، زينة يتزين بها المثقف !!! .

فيروز وبرنامج حديث البلد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت الصديقة ماريا محمد ضمن تعليقها على مقال ( وديع الصافي في رحاب الله) رابطا ً معيبا ً وتافها ً لبرنامج تلفزيوني اسمه حديث البلد لا يميز مقدموه والمشتركون فيه بين التهريج المسموح به والتهريج المحرم .
أنا أعلم ان الإثارة هي ما يبحث عنها الإعلام العربي دونما أي إهتمام ٍ بالأخلاق ... وأعلم أن تناول شخصية تقترب بمنزلتها وحرمتها من حدود القداسة في أذهان الناس ، كشخصية السيدة فيروز ... و السخرية منها بهذا الشكل الرخيص ... سيحقق للبرنامج بعض الشعبية في أذهان البعض ... ممن لا يعرف من هي فيروز ... وممن لا تعني لهم فيروزشيئا ... لكن ماحصل قد شكل تجاوزا ً مهينا ً لا على شخص فيروز فحسب ... بل على جميع المثقفين الذين تشكل لهم فيروز رمزا ً ثقافيا ً وأخلاقيا ً وإنسانيا ً وجماليا ً لا يجوز المساس به ... كما انه يشكل تجاوزاً على المعيار الثقافي والأخلاقي الذي تشكله فيروز والذي تحدثنا عنه .
فيروز لا تمثل إلا رمزا ً مقدسا ً عند الناس ... ومن قام بهذا الفعل لا يتمناه الناس إلا لغرض مختلف .
فيروز نعمة تتمناها الشعوب ... وتتمناها الأوطان ... ولا يجود التأريخ بمثلها ... ومن قام بهذا الفعل يمكن العثور على أشباهه بالعشرات في أي زقاق عربي .
اعلم ان الإعلام هو سر خراب العقل العربي ... وسر تخلف المجتمعات العربية ... وأعلم أي تافهين وسلع بشرية قد غزت هذه المهنة ... و أعلم ان اثمان هؤلاء ليست غالية ... لكن العيب في المجتمع الذي يرضى التطاول على رموزه ... وعلى قيمه .. من قبل البعض الذين يعتقدون ان التطاول على الكبار يصنع منهم كبارا ً!!! .
ما أزعجني حقا ً هو جمهور المراهقين واليافعين الذين لا يدركون شيئا ً مما يدور حولهم ... ولا يعرفون من هي فيروز ... ولم تنضج رؤاهم الفنية ولا تصلب وعيهم الثقافي بعد... وما يهمهم هو ال10 دولارات التي وعدوهم بها ... ولو أدركوا بعض الحقيقة لخرجوا ساخطين فورا ً ولربما قام بعضهم بفعلٍ اكثر جرأة .
أما المحترفون فلا عتب عليهم ... ويكفيهم أنهم كانوا يمارسون سخافتهم وقرفهم بلا ثقة بالنفس ... وبتردد واضح ... وعلى إستحياء لا يخطؤه المشاهد الذكي .
يؤكد برنالد بيرلسون على اهمية المتلقي والظروف ضمن العوامل التي تتحكم بتاثير الإعلام في قضية ما .. ولهذا كانت السخرية من فيروز في هذا الزمن بالذات.. حيث سقط الإنسان العربي .. وسقط الوعي العربي ... وسقطت الأخلاق ... وسقط كل شيء ...وظهر جيل لا معنى للقيم عنده ولا يعرف من هي فيروز ... ولو حصل هذا قبل 40 عاما ً لحصل ما يجعل القائمين على هذه القناة وهذا البرنامج يدركون من هي فيروز .
يقول دان براون في ( ملائكة وشياطين ) : إن الإعلام هو ذراع الفوضى الأيمن !!! .
ولقد صدق الإعلام العربي في تجسيد هذه المقولة ...فقد إجتاحوا كل شيء كالسرطان... ولوثوا كل شيء ... وخربوا كل شيء ... القيم والمجتمعات والأوطان والإنسان والدين ... وظهرت مئات القنوات للدعارة ... ومئات مثلها للدين ... ومئات مثلها لخلخلة التكوين المعرفي والثقافي في الشرق وإحلاله بنقائض غريبة عنه ... والغريب أنها تتشابه في الغاية والهدف ... وأعتقد أنهم لن يتركوا لنا شيئا ً جميلا ً حتى لو كان عشقنا لفيروز .
أمة لا تعرف معنى الأحترام لأنه يفضحها ... فهل ستخلوا لهم الساحة ؟؟؟ .

ملاحظة :
ــــــــــــــــــــ
فكرت كثيرا أن لا أرد عليهم .. ولكنني اعتقد أنهم أولى بتنظيف نفاياتهم فأعدت بعضها إليهم .
الدكتور حكيم العبادي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس