الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاءنا البيان التالي

السيد نصر الدين السيد

2013 / 11 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يهتم خبراء التخطيط الاستراتيجي، عند اشتراكهم في انشاء كيان جديد او في التخطيط لتطوير كيان قائم، اهتماما كبيرا بأمرين. الامر الأول هو الصياغة الدقيقة لما يعرف بـ "بيان الرسالة" Mission Statement. و"بيان الرسالة" هو فقرة قصيرة تتضمن الإجابة على السؤال التالي: ما هو سبب وجود هذا الكيان؟ لذا تتضمن هذه الفقرة القصيرة وصفا مختصرا لـ "الغاية" الرئيسية التى من أجل تحقيقها تم إنشاء هذا الكيان، أي سبب وجوده Raison d’être. هذا بالإضافة إلى إشتمالها على وصف عام للوسائل التى يتبناها الكيان لتحقيق الغاية من وجوده، أو مايعرف بالغايات الفرعية. اما الامر الثاني فيتعلق بما يعرف بـ "بيان الرؤية" Vision Statement. و"بيان الرؤية" هو أيضا فقرة قصيرة تتضمن وصفا لحالة الكيان في المستقبل التي يتمناها القائمون على شؤون الكيان ويعملون على تحقيقها. بعبارة اخري تقدم "الرؤية" صورة ذهنية للوضع المستقبلى المنشود للكيان. وإذا كان "بيان الرسالة" يصف الغاية من وجود الكيان ووسائل الوصول إليها فإن "بيان الرؤية" يقدم صورة مستقبلية لما قد يسفر عنه نجاح الكيان فى تحقيق غايته (انظر الملحق).

ويعود الاهتمام البالغ بهذين البيانين الى ان احدهما، "بيان الرسالة"، يحكم الحاضر بينما يحدد الآخر،
"بيان الرؤية"، الطريق الى المستقبل. ووضوح وصف "الغاية" ودقة صياغتها في "بيان الرسالة" يجعلها أداة فعالة لتقييم أنشطة الكيان وقياس مدى اسهامها في تحقيق الغاية. فأي نشاط لا يسهم في تحقيق الغاية يعتبر عبئا ينبغي التخلص منه، وأي نشاط لا تسهم نتائجه بالقدر الكافي في تحقيق الغاية ينبغي مراجعته. اما "بيان الرؤية" فتعبر كلماته عن طموحات أصحاب الكيان والقائمون على شؤونه وامالهم وهو بذلك يعتبر إطار عام يحدد مسار تنمية الكيان واتجاهه.

وهنا نتوقف لنتساءل: "هل يمكن استخدام مفهومي "الرسالة" و"الرؤية" في تقييم السياسات المتعلقة بتنمية وتحديث المجتمعات البشرية؟" والاجابة هي بنعم فالمجتمع البشري، مثله ذلك مثل أي كيان اجتماعي آخر (مثل شركة، مؤسسة تعليمية، ...)، له غاية من وجوده ورؤية يصوغها القائمين على شئونه. ولقد اعفانا علماء الاجتماع من البحث عن رسالة (او الغاية من وجود) المجتمع. فطبقا لهم فان غاية أي مجتمع، او سبب وجوده، هي توفير الفرص المتكافئة لأعضائه لتحقيق أهدافهم واشباع رغباتهم عبر منظومات الإنتاج والتوزيع والامن والقانون والتعليم والصحة. وهكذا تتطابق غايات المجتمعات البشرية أيا كان موقعها في الزمان او المكان. الا ان الامر يختلف اختلافا جذريا عند الحديث عن "بيان الرؤية" اذ تتعدد الرؤى بقدر تعدد المجتمعات بل تتعدد أيضا في المجتمع الواحد بقدر تعدد القوى الفاعلة فيه. ووجود "بيان الرؤية" هو امر لاغنى عنه لنجاح عملية تنمية أي مجتمع فهو يقدم الإطار الجامع الذي تنتظم فيه وتتكامل عبره كافة أنشطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والثقافية. ولنا في التجربة الماليزية اسوة حسنة.

اطلبوا العلم ولو في ماليزيا
ماليزيا دولة تقع في جنوب شرق آسيا، تبلغ مساحتها 329.8 ألف كيلومتر تقريباً، وعدد سكانها حوالي 24 مليون نسمة. ويتكون المجتمع الماليزي من ثلاث مجموعات عرقية أساسية: المالايو بنسبة 50.4% من مجمل السكان، والصينيون بنسبة 23.7%، واهل البلاد الأصليين بنسبة 11%، والهنود بنسبة 7%. هذا بالإضافة الى بعض الأقليات من التايلانديين والاندونيسيين والاستراليين والأوروبيين بنسبة 7.8%. ويدين 61.3% من السكان بالإسلام، و19.8% بالبوذية، و9.2 بالمسيحية، والباقي يدينون بديانات أخرى. ولقد حقق هذا المزيج المتنوع، عرقيا ودينيا وثقافيا، معجزة تنموية فريدة وشاملة. فعلى سبيل المثال زاد نصيب الفرد من الناتج القومي حوالي سبع مرات من 2349 دولار سنة 1980 الى 17,675 دولار سنة 2013.

ولقد كُتبت الالاف من الأوراق العلمية والمقالات عن السر وراء هذه المعجزة التنموية وعن أسبابها.
وعلى الرغم مما جاء في هذه الادبيات من مقولات صحيحة الا انها اغفلت سبب الأسباب وهو وجود "بيان رؤية" يصف ما يجب ان يكون عليه المجتمع الماليزي في المستقبل. ويعزي الفضل الى رئيس الوزراء الماليزي الاسبق مهاتير محمد الذي صاغ سنة 1991 "بيان الرؤية" لتنمية المجتمع الماليزي وذلك في إطار ما عرف بـ "رؤية 2020" التي حددت ما ينبغي عمله في الثلاثين سنة القادمة ليصبح هذا المجتمع من المجتمعات المتقدمة. ونص البيان على "ان تكون ماليزيا، بحلول سنة 2020، امة موحدة ومجتمع واثق من نفسه ذو معنويات مرتفعة وقيم أخلاقية رفيعة، مجتمع ديموقراطي؛ ليبرالي؛ متسامح؛ متحاب؛ تقدمي؛ مزدهر؛ يعلي من شان العدالة الاقتصادية والمساواة، مجتمع يمتلك ويسيطر على اقتصاد ديناميكي؛ متين؛ مرن؛ وقادر على المنافسة" (-;-).

ومما يلفت النظر في نص هذا البيان تحديده سقف زمني لتحقيق المجتمع المنشود على ارض الواقع.
هذا بالإضافة الى تبنيه نظرة متكاملة لرفاه المجتمع تأخذ في الاعتبار كلا من مقوماته المادية (أو الاقتصادية) ومقوماته المعنوية (أو غير المادية). وقد شكل ما جاء في هذا البيان الأساس لما يعرف بـ "سياسة الرؤية القومية" National Vision Policy (NVP) ببنودها التسع:
1. مواصلة الإدارة الحكيمة للاقتصاد الكلى Macroeconomic، وتنفيذ سياسات مالية حذرة، ودعم الجهود المبذولة لإقامة اقتصاد معرفي Knowledge-Based Economy،
2. تقوية الاستراتيجيات والبرامج المتعلقة بـ "عدالة التوزيع" لضمان تحقيق المساواة بين المجموعات العرقية وشرائح الدخل المختلفة والمناطق، ومن ثم لتعزيز المشاركة المتوازنة،
3. تعزيز "رفع الإنتاجية" عبر رفع مستوى معرفة وخبرات ومهارات العاملين، ودعم "البحوث والتنمية" R&D، وزيادة الاعتماد على العلم والتكنولوجيا،
4. زيادة قدرة الاقتصاد التنافسية ومرونته عبر تسريع عملية تبنى قطاعات الاقتصاد الرئيسية لعمليات الإنتاج الأكثر كفاءة هذا بالإضافة الى الأنشطة ذات القيمة المضافة المرتفعة،
5. التوسع في استخدام "تكنولوجيات المعلومات والاتصالات" ICT بداخل وعبر قطاعات الاقتصاد وذلك لتسريع عملية النمو،
6. تنمية الموارد البشرية لضمان توفر القوى العاملة التي تتمتع بمستوى معرفي مرتفع وتمتلك المهارات الفكرية والتقنية اللازمة،
7. تبني مقاربة شاملة ومتكاملة للتعامل مع القضايا المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية وذلك لدعم عملية التنمية المستدامة،
8. مواصلة الارتقاء بـ "جودة الحياة" عبر تحسين طرق التوصل للخدمات الاجتماعية هذا بالإضافة تنمية النواحي الجمالية للحياة،
9. تكثيف الجهود الساعية لإشاعة القيم والصفات الايجابية وتثبيتها في قلوب الماليزيين وذلك من خلال منظومة التعليم والاعلام والمنظمات الدينية.

تساؤل بريء
اليوم، والأمة المصرية تقف على مفترق طرق ويقع عليها عبئ الاختيار، يتداعى الى الذهن تساؤل تلونه تجربة ماليزيا التنموية.
"هل تمتلك أيا من القوى السياسية الفاعلة في مصر تصور متكامل لما يجب ان يكون عليه المجتمع المصري بعد 20 سنة (رؤية)؟"
فقط عندما تتوفر هذه الرؤى المختلفة وتتاح فرصة المقارنة بينها ساعتها تزداد فرصة صواب الاختيار ويمكن القول "جاءنا بيان الرؤية التالي" ...!

الملحق: مثال لبياني الرسالة والبنية
جماعة تحوتي للدراسات المصرية هي جمعية ثقافية أهلية تم تأسيسها بمدينة الإسكندرية عام 1994 وتم إشهارها بحكم قضائي عام 1998.
بيان رسالة جماعة تحوتي
العمل من أجل تحديث مصر من خلال تقديم رؤى عقلانية متكاملة تستند إلى مرجعية ذاتية مصرية حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمشروع النهضة المصرية ولقضايا تهيئة الوطن لتبوء المكان اللائق بتاريخه في حضارة الألف الثالثة. هذا بالإضافة إلى العمل على تكوين رأي عام قادر على تبنى هذه الرؤى وتطويرها (الغاية الرئيسية) وتحقيقها من خلال (الغايات الفرعية):
-;- إعداد الدراسات والبحوث ذات التوجه الوطني المصري المستقل والواعي بمتغيرات العصر ومستجداته والعمل على نشرها بكافة الوسائل المتاحة.
-;- التنسيق والتعاون مع مراكز البحوث الوطنية والجهات العلمية والأكاديمية المصرية المعنية.
-;- تنظيم الملتقيات والحوارات والندوات والمؤتمرات.
-;- التأثير على متخذي القرار بالدعوة وكسب التأييد لقضايا تحديث مصر.

بيان الرؤية المستقبلية لجماعة تحوتي
تتطلع جماعة تحوتي إلى إقامة مجتمع مصري متطور تسوده قيم المعاصرة والحداثة ويحكم ذهنيته المنهج العلمي بمناهجه وأدواته وتلعب فيه الجماعة دور "مستودع فكر" قومي يعمل تجميع الخبرات المصرية في مختلف المجالات، أفرادا وكيانات.

-;- الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء الماليزية:
http://www.pmo.gov.my/?menu=page&page=1898








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - افصحت فاوضحت
حمدي ابو كيلة ( 2013 / 11 / 1 - 15:45 )
افصحت فاوضحت

اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة