الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء

نضال الربضي

2013 / 11 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء

ترددت كثيرا ً أن أكتب في الفيديو الذي يُظهر أحد عناصر الإرهابين التكفيرين و هو يُدلي بتصريح عقائدي قبل أن يحطم تمثال السيدة العذراء على الأرض في إدلب سوريا، ثم بعد لحظات يستدرك نسيانه للتكبير فيطلب منهم على عجاله و هو يخطو أول خطواته خارج نطاق تصوير الكاميرا أن يكبروا، هذا التكبير الذي أصبح بمثابة ختم اكتمال دورة الفعل التكفيري و إشهار وهم تفوقهم المريض.

http://www.youtube.com/watch?v=KlX_4k6jnqE

لماذا ترددت؟

ترددت لأن تكسير تمثال حجري من الجبصين أو أيا ً كان نوع الحجر لا يُقارن أبدا ً بفظائع الجرائم في سوريا، و التي يقوم بها الجميع على حد سواء ٍ من النظام و الجيش الحر و زبالة النصرة و نفايات داعش و كل مرتزقة الأرض، و لا يصح أن تقوم مقاربة من أي نوع كان بين اغتيال الإنسان السوري و تدمير الدولة السورية كاملة ً من مؤسسات و بنى تحتية و مدارس و جامعات و مستشفيات و رياض أطفال و متنزهات و آثار و أمن و جيش و تكنولوجيا و اقتصاد و حضارة بدأتها أوغاريت العظيمة وبين تحطيم قطعة من الجبصين مدهونة باللون الأزرق.

لماذا قررت ُ أن أكتب إذا ً؟

قررت ُ الكتابة لأن قراءة َ فعل التكسير و رمزيته و الرسالة التي يبعث بها هي في حد ذاتها شهادة على اغتيال الإنسان السوري و الدولة السورية كاملة ً، فالتمثال المحطم هنا ليس العذراء، فهي الأم ّ ُ الوالدة ُ السيدة ُ المحبوبة ُ المُصانة ُ المُرتفعة عن تفاهات هذا الأحمق تعيش في قلوبنا و لا يُضيرها أو يُضيرنا تحطيم تمثال الجبصين المدهون بالأزرق، التمثال المحطم هو سوريا.

أما فعل ُ التحطيم نفسه فهو الذي يجب أن نقف عنده كثيرا ً لأنه ملخص للعقيدة التكفيرية و إطارها، تلك العقيدة المريضة التي ترى في نفسها وهم تفوق هذياني على العالم أجمع، تفوق ذهاني غير منطقي لا سند إنساني له و لا أساس، هش ٌ لا يصمد أمام أي مراجعة لعقيدة السلفي التكفيري أو نقد لثوابته و دوافعه و آليات فعله و منهجه.

كيف نقرأ المشهد؟

يُطل علينا من المشهد رجل ٌ كثيف اللحية غير سوري، يرتدي الزي الأفغاني الذي أصبح رمز المجاهدين و أحد أجزاء هويتهم، مُعتمرا ً على رأسه "قمطة" كما نسميها عندنا، يحمل بين يديه تمثالا ً للسيدة العذراء. ثم يُطالعنا بتصريحه العقائدي الناري و بعدها يحطم التمثال، ثم يبدأ بالخروج من المشهد و يكبرون و ينتهي المقطع.

بداية ً لا بد أن نُدقق و نُحلل معنى وجود هذا الشخص غير السوري مُقاتلا ً السورين على أرض سوريا.

لماذا خرج؟ لأنه يحمل فكرا ً لا يعترف بالسيادة الوطنية و لا بالقومية و لا بمفهوم الوطن............ (تأمل رقم 1)
من الذي أخرجه؟ فتوى من شيخ ٍ يرى نفسه فوق قانون الدولة التي هو فيها، له قانونه الخاص، فلا اعتراف بدولة و لا قانون وضعي و لا دستور ............ (تأمل رقم 2)
كيف دخل سوريا؟ تسهيلات من الدول التي أتى منها ناتجة إما عن تقصير أو غض طرف متعمد لتصفية حسابات سياسية دون أدنى اعتبار لأسس العلاقات الدولية و لمستقبل المنطقة ككل............ (تأمل رقم 3)
كيف يعيش في سوريا و هو لا يعمل؟ بتمويل من أطراف مصلحتها استدامة الصراع ، مما يدل على عالمية الصراع عكس ما يحاول الجيش الحر الترويج له، و باعتراف زبالة النصرة و نفايات داعش أنفسهم............ (تأمل رقم 4)

لننتقل الآن إلى ملبس هذا المخبول الأحمق مغيب العقل. إن الزي الأفغاني أضحى اليوم هو جزءا ً من الشكل الجهادي يرتديه مجاهدو الحور العين و مخربو البلدان مفجري أنفسهم في الأسواق و المولات و قتلة النساء و الأطفال، و السؤال الذي ينطح نفسه بشده هو: ما علاقة زي أفغانستان الشعبي بالعقيدة الإسلامية؟ على الرغم من عدم وجود ترابط بين الموضوعين إلا أن سنوات الجهاد ضد السوفيت في أفغانستان قد أعطت المجاهدين هوية ً مُرتبطة بكهوف و جبال أفغانستان و زي قبائلها فأصبحت رمال مكة و كعبتها و زي أهلها أقل ذات أهمية في عقل المجاهد مقارنة ً بأهمية أفغانستان و زيه الذي يدل على المرجعية التي يحتكم إليها الجهادي و يحن لموضع تشكيلها الأول و مكان بدايتها الحديث.

هذه البداية الجهادية التي أصبحت في عقله هي تكرار الزمن البدئي الأول المقدس و الطاهر، و من يدرس بعض أدبيات الجهاد و ينظر في تاريخ أٌمرائها كأبي مصعب الزرقاوي يجد أنهم جميعا ً يقصدون أفغانستان في محاولة لإعادة إنتاج المجتمع الإسلامي الأول الذي فشلوا في استدامته في أرض الحرمين أو أي بلد من بلاد الإسلام، فأصبحت أفغانستان اليوم هي مكة الجديدة و الزي الأفغاني الشعبي هو لباس المجاهدين، هذا التحول الذي هو بحق ارتداد إلى سلفية مفقودة غير قابلة للتحقيق العملي في أي دولة متحضرة.

يُطلق هذا المعتوه تصريحا ً قادما ً من قلب الصحراء يعود لما قبل 1400 عام، مكنونه يُلخص في الأفكار التالية:

- العبادة لله وحده.
- في سوريا سيعبد الله وحده.
- لا مكان لأي شخص أو عقيدة لا تعبد الله.
- سيتم فرض هذه العبادة بالقوة.

إن خطورة هذا التصريح تنبع من كون الذين يؤمنون بها ينصبون أنفسهم مشرعين يحددون ما هي العبادة الصحيحة و ما هي العبادة الخاطئة، ثم قُضاة ً يحددون من يُمارس العبادة الصحيحة و من يُمارس العبادة الخاطئة، ثم يُنفذون الحُكم الشرعي فيمن يخالف العبادة التي شرَّعوها و كانوا قُضاتها، في أيدولوجية شمولية جامعة ترى نفسها فقط و لا تعترف بالآخر بل و تتمادى لتسعى سعيا ً واضحا ً عنيفا ً عنف قول و عنف فعل نحو إنهاء وجوده و استئصاله أو تحويله جزءا ً منها خاضعا ً لها ذائبا ً فيها فيتدمر و تتدمر هويته و يصبح مجرد مورد جديد من موارد استدامة هذه العقيدة المريضة الوحشية التي تترفع عنها حتى أحط وحوش الغاب.

هؤلاء المخابيل لا تعنيهم سوريا كأرض حضارة منذ أوغاريت الأول مهد الإنسانية و منبعها، و لا يعنيهم التاريخ السوري الأنثروبولوجي الطويل و لا يعنيهم التفاعل الإنساني منذ آلاف السنين على أرض سوريا و لا تعنيهم الآثار الشاهدة على المسيرة التاريخية الإنسانية و المساهمة الحضارية المستمرة و لا يعنيهم التنوع الإنساني و الحضاري و الديني و الإثني على الأرض السورية، و لا تعنيهم الإنسانية في شئ، كل ما يعنيهم هو نشر عقيدتهم الفاسدة و تمكين دولتهم كما يفهمونها و تحكيم ما يسمونه "شرع الله" و إقامة الدولة الإلهية و إقامة الحاكمية لله و تطهير هذه الدولة من أي شئ فيه ولاء لـ و أو تشبه بـ أو تماثل مع الكفار و الذين هم بالمناسبة أي إنسان غيرهم.

التصريح العقائدي الذي أدلى به ذلك المجرم في حق الحضارة و الإنسانية و سوريا هو فعل كره للحياة فعل كره للإنسان فعل كره للبشرية فعل هروب من الطبيعة البشرية التي ديدنها الاختلاف و انتكاس إلى بربرية المجموعة و وهم غناها التام عن أي شئ من خارجها لأنها الغنية القيومة القائمة بقوتها المستغنية ُ عما في خارجها الكاملة ُ المكتملة غير المحتاجة لأي شئ من خارجها و الرافضة لكل شئ في خارجها و القاصدة ُ تدمير أي شئ يهدد هذا الوهم الهذياني الذهاني الذي تعيش فيه.

ثم بعد ذلك يضرب الرجل التمثال بالأرض و يحطمه أجزاء ً، و يبدأ بالمشي للخروج من المشهد. فعل التحطيم بحد ذاته هو رسالة معناها أن التصريح العقائدي هو أيدولوجية فاعلة تُترجَم من معتنقيها في أفعالهم و يتم تفعيلها في سلوكهم و حياتهم و علاقتهم مع الآخر. التحطيم رسالة معناها القصد و التعمد و التطبيق كخصائصَ لهذه الأيدولوجية نابعة ٍمنها و تابعة ٍلها ومميزةٍ لشكلها و مُعتمدة ً كمنهج و آلية تطبيق غير قابلة للمراجعة.

التحطيم هو صوت القبيلة الصارخة "إنا إذا نزلنا بساح قوم ٍ فساء صباح المنذرين" صرخة الحرب "أمت أمت" ضربة الرامي الذي يرى أن الله رمى بيده و أنه مجرد أداة في يدي الله بل قل إنه الله الفاعل بيدي البدوي القابض على سيفه أو الضارب برمحه، هذا التحطيم الذي يراه السلفي التكفيري تجسيدا ً لله نفسه و لإرادته و نرجسية دعوته التوحيدية غير القابلة للتعايش مع أي شئ حتى مع نفسها، أولا ترون اختلاف النصرة مع داعش و اختلاف حماس مع الجماعات الإسلامية في غزة؟ هذه التحطيم الذي على عكس ما يفشل دوما ً في تحطيم الآخر (دلوني على دولة سقطت بإرهاب هؤلاء المخابيل، لن تجدوا) ينجح في تحطيم نفسه لأن بذوره تحمل في جيناتها شروط التدمير الذاتي و منهجيته.

يخرج الرجل من المشهد لكنه في أول خطوة - و قد سار و رأسه ينظر للأرض - يتذكر أن عليه أن يوقع هذه الوثيقة التصريحية الشاهدة عليه و على فكره، فيقول في عجاله "تكبير" و يرددون من خلفه "الله أكبر"، هذا التكبير الذي هو الختم و الشاهد و الوكيل في ذات الوقت.

نضحك على المشهد؟ لا، هذه المأساة لا تُضحك في شئ على الرغم من تفاهة الأداء.

نبكي على سوريا الأرض و سوريا الإنسان ؟ نعم.
لساني نظيف في 95% من الحالات، و قد تفلت مني بين الحين و الآخر شتيمة، أريد أن أشتم الآن، لكن عيب، أحترم القارئ و أحترم الموقع و أحترم نفسي، لكنني أريد أن أشتم، مش قادر أسكت. شتمت لكن في سري، ألا تشتمون معي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أتضامن معك
محمد بن عبدالله ( 2013 / 11 / 2 - 14:07 )
أتضامن معك في شتمك للحيوانات في ثياب الأفغان

وأضيف من عندي كل سباب الدنيا لبعض الهائجين المهيجين السوريين الذين بلغ بهم السن عتيا فتسببوا بخبلهم الاديولوجي في موت واصابة آلاف البشر وخراب مئات آلاف المدن واتلاف القرى وفقدان مصادر الرزق ونزح وتهجير واختطاف

هؤلاء السوريين ولو بحسن نية كانوا السبب الأول لهذه الهوجة..حاولت مرارا تنبيههم لكن كتاراكتا (المياه البيضاء) الأعين وتصلب شرايين العقل والقلب أنساهم واقع الاسلام الهائج من حولهم كوحش سفر الرؤيا الجريح فوقفوا في صف حثالة الانسانية من مجاهدي سرية ابن الخطاف وابن المتعاص

قتل الدب البهيم صاحبه !


2 - إلى الأستاذ محمد بن عبدالله
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 2 - 18:34 )
سيدي الكريم

هؤلاء ينجحون فقط عندمل يملكون تفوقا ً عسكريا ً في فراغ من السلطة أو ضعف في البلدان.

لا ينجحون في الدول التي تمتلك ترابطا ً مجتمعيا ً و جيوشا ً وطنية قوية.

لا ينجحون مع المثقفين و المفكرين.

يتكاثرون في ظلام الجهل و الفقر و الظلم الاجتماعي.

لذلك تحسن الدول أن تنهيهم بأن تنتبه إلى مطالب شعوبها بعدالة اجتماعية و لقتصاد قوي و القضاء على البطالة و أثناء كل هذا زراعة الوعي الإنساني و تنمية الفكر الحضاري في البيوت و المدارس.

ضاعت سوريا للأسف كمل ضاع قبلها العراق.

يا لتعاسة المشهد!

دمت بود أخي الكريم.


3 - لننتظر جواب التافهين
وسام يوسف ( 2013 / 11 / 2 - 19:50 )
ولننتظر الان مقالة ذلك المدلس الذي يدعي الادب حيث سيوضح لنا كيف ان مافعله هذا المأبون شيء صحيح وحضاري


4 - اني ازعل عليهم وليس منهم
مروان سعيد ( 2013 / 11 / 3 - 08:43 )
الاستاذ نضال الربضي تحية لك وللجميع
ان امثال هؤلاء هم مغيبين ومغسولي الدماغ ومشبعين بالعقيدة الشيطانية التي تحرم ما حلل الله وتحلل ماحرم الله هؤلاء يلزمهم عناية ومحبة لاانهم محرومين منها عاشوا على القهر والظلم من اهاليهم ومجتمعاتهم والاخص الفحول ابائهم حيث يضرب امهاتهم امامهم وبتصريح الاههم
هل يعقل بان هؤلاء الناس يؤمنوا بجهاد النكاح وبحور العين ايوجد عاقل متزن يؤمن بهذه العقيدة
انهم مرضي وعلاجهم مستعصي ولكن يوجد طبيب واحد يقدر ان يشفي مثل هذه الامراض وهو الرب يسوع المسيح وشاهدت امثالهم من المتعصبين والارهابين اصبحوا من افضل البشر وهذا واحد منهم
http://www.youtube.com/watch?v=WdhLPez2bxw
وللجميع مودتي


5 - إلى الأستاذ مروان
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 3 - 11:20 )
أهلا ً بك أخي مروان و تحية ً طيبة لك

نعم هم بعيدون عن الإنسانية و بحاجة لجرعة مضادة من المنطق و الحب و التعرض لأيدولوجية جديدة تجعلهم يقارنون بين الظلام الذي يعيشون به و ينشرونه و بين ما يعيشه الناس العاديون بفطرتهم التي تقبل الجار و الصديق و حتى البعيد بروح الفرح و السلام.

رأي المتواضع أن القضاء على فكرهم يجب أن يبدأ من البيت و المدرسة بتعليم الأطفال ثقافة قبول الآخر و التعدد و الانفتاح و الحرية المسؤولة بعيدا ً عن روح التعصب و عن روح الإباحية، لأن التوازن في الأمور هو دائما ً في صالح الإنسان و المجتمع.

ربما أن غضبي من المنهج يبرره الألم الشديد و الحسرة على تهديم حواضرنا واحدة ً تلو الأخرى: بغداد، دمشق، بيروت و محاولات في مصر.

إنهم يقترفون الكفر الأعظم و هو الكفر بالحب و الكفر بالإنسان.

دمت بود.

اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا


.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار




.. اللغة والشعرعند هايدجر - د. دعاء خليل علي.


.. مواجهات في تل أبيب بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون




.. كلمة أخيرة - صعود اليمين المتطرف في أوروبا وبريطانيا تختار ا