الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق .. بين إزمة القيادة ......... وقيادة الأزمة

ياسين الياسين

2013 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لاشك أن عملية صناعة التاريخ لم تكن عملية شعبية بأمتياز ، وإنّما هي صناعة إحترافية لقائد فذ يتكلل جهده بتأييد الشعب ونصرته له ، ولابد لهذا القائد أن تتوفر له مجموعة من الأشتراطات الواجب تحققها في شخصه أولاً ، ومن ثم يتحصّل كنتيجة أوتحصيل حاصل على التأييد الشعبي المطلق لسياسته وقيادته على وجه الخصوص ، وفي حال إجتمعت لدى تلك الأمة وأيّة أمّة الأرادة الوطنية القوية المخلصة المتمثلة بتأييد الشعب برمته لقائده الذي يرى فيه سيمات الشجاعة والقدرة والمكنة والأخلاص والدافع الوطني الكبير ، فضلاً عن الحنكة والحكمة ورجلاً بحق لمهمّات صعبة إذ ذاك تجري مخاضات ولادة جديدة لتأريخ جديد .
وفي حال كهذا الذي أسلفنا فيه توضيحاً إن حصل واقعاً على الأرض سوف تكون هناك أزمات وليست إزمة واحدة ، وهذا من سيمات الدولة القوية الفاعلة في الوسط الدولي ويكون لها حراكاً متميّزاً تختلف فيه عن نظيراتها من الدول من خلال ذراع طولى لها وآليات جديدة تعمل بها دبلوماسيتها مبعثها القوة والمكنة على الأرض ، وبهذا تكون كل أزماتها وقد مرّت عليها مرور الكرام بسبب تلك القدرات الكبيرة ، ويكاد لايتحسس الشعب حينها لأي بوادر أزمة في الواقع ، وكلّه بسبب الغطاء السياسي القوي فضلاً عن الذراع العسكري الضارب ، والذي يمثل الغطاء الآخر والأكثر أهمّية ، والذي بدوره يؤمّن العمق الأستراتيجي للأمن الوطني فضلاً عن مايتوفر له من عمق عملياتي يؤمّن للأمة إبعاد أي شكل وأيّاً من أشباح الخوف والأرهاب ، وذلك أيضاً بفضل قوة ضاربة في الداخل تعمل بأتجاهين في آن واحد ، فمنها مايسدد ضربات موجعة لكل أوكار الأرهاب وحاضناته ، وفي الأتجاه الآخر تعمل على تجفيف منابع الأرهاب وقطع شرايينه الممتدة والنافذة إلى خارج الحدود ، وهي لاترعوي في تطبيق القانون لكتلة أوحزب أوإتجاه .
ولكن ماحصل في العراق بعد الأحتلال هو الأنهيار الكامل للمنظومات الأمنية والأستخبارية ولكل الجهد العسكري على الصعيدين الوطني والقومي ، وذلك من خلال قرار بريمر ( ل. بول بريمر ) رئيس السلطة الأدارية الذي جاء بقصدية جنائية على التاريخ العربي المشرّف في العراق ، والذي كان فيه بريمر نفسه خير خبير في ذلك كونه يحمل الماجستير في التاريخ ، وكانت له قراءة جيدة فيه ، وأراد من خلال ذلك القرار الأستعماري المشؤوم أن يخلط تاريخ الأمة المشرّف بحاضر أسود جديد لايسرّ عدواً ولاصديق ، وهذا ليس بغريب على المحتلين الأميركان لأنهم وببساطة شديدة بعيداً عن سذاجة الكثير من السياسيين الذين لعبوا بأجندات مريضة خاصة بهم ولأغراضهم الشخصية الدنيئة وبحجة التحرير في أن يجمّلوا وجه المحتل ويضعوا عليه الكريمات المطعّمة بتملّقاتهم السمجة وتذلّلهم له حتى أنّهم سخّروا أنفسهم مطيّة للأميركان ، وأدّوا له واجب العميل الخائن لأمته وشعبه على أكمل وجه وأتم صورة ، وقدّموا له غير نادمين كل فروض الولاء والطاعة ، فضلاً عن الأجندة الخاصة بالمحتلين أنفسهم الذين لم يأتوا إلى بلدنا لأن أمّهاتهم لم يغمض لإحداهن جفن في ليل ولم تسعد نهاراً ، ولم ينقطع سيل أنهار الدموع الجارف من حدقات عيونهن لأن الطاغية صدام قهر الشعب العراقي وأذلّه ، وملأ أرض الرافدين بجثامين شهدائه من خيرة شباب الأمة مقابراً جماعية لم يعرف التاريخ مثيلاً لها ، وصدام يعرفه القاصي والداني في الغرب ، وهم أنفسهم من هيّئوا له السلطة في العراق ، وهم من سلّطوه على رقاب العراقيين ، وهم من رسموا له كل أجنداته وسيناريوهاته التي كان ينفّذها لهم بدقة ، وحتى شعبنا العراقي كان يعرف جيداً أن السفيرة الأميركية في العراق هي من أعطت الطاغية الضوء الأخضر لأحتلال الكويت ، وبأشارة منها له واضحة حين قالت للطاغية : لايهمنا الشأن الداخلي لكم أبداً بقدر ماتهمنا مصالح الولايات المتحدة الأميركية والحفاظ عليها .
وهنا وعند الوقوف على هذا الكلام المباشر والصريح تتأكد حقيقة النوايا للمحتل الأميركي الذي ولابد أنه جاء لأجندات خاصة به ، ولأهداف بعيدة المدى من خلال رسم سياستهم وفق منظور عالمي ، وتوازنات إقليمية ودولية وتحديد مناطق نفوذ مباشرة فضلاً عن تحييد مناطق مهمة في أي صراع مستقبلي خاصة وأن هناك من القوة الناشئة التي بدت بوادرها تقف في وجه السياسة الأميركية نداً لند ، وبدى الأميركان يحسبون لها ألف حساب ، ويعدون لها العدة مثل كوريا الشمالية وإيران فضلاً عن أن العملاق الصيني مازال معتداً بنفسه ، وهناك بوادر تنفّس وتحسّن صحة الثور الروسي النائم منذ تفتيت الأتحاد السوفيتي السابق .
ومن هنا كان لنا أن نعرف وبيسر لماذا أجهضت الولايات المتحدة الأميركية وبسرعة كبيرة كل إمكانيات العراق العسكرية والأمنية حين سارعت إلى حل الجيش وكل المؤسسات العسكرية والأمنية دفعة واحدة ، وأعادت العراق إلى الصفر وكأن دولته فتية جديدة على الدولة الحديثة ، وفي هذا السياق نفسه من التفتيت لجأت بذات الوقت إلى تفتيت أي بادرة قوة قيادية تمسك بزمام أي مبادرة ولو ناشئة من خلال تشكيل مجلساً للحكم مكوّن من (25) عضواً أصرّت أن يكون فيه (15) من الشيعة ويتوزع الآخرون فيه من أبناء السنة والأكراد وغيرهم من الأقليات الأخرى على العشرة المتبقية ، وكانت هذه البذرة الأولى لتفتيت الشمل العراقي وتمزيقه ، وأعقبتها محاولات إبتزاز الحكومة نفسها وإضعاف مكنتها القيادية لتبقى دائماً مطيّة للمحتل حين أمر بريمر وزير الداخلية الشيعي أن يقدم إستقالته بحجة أن وزير الدفاع شيعياً ولابد أن يكون هناك توازناً ، وفسحوا المجال على مصراعيه بحجة الديمقراطية في مباركة تأسيس أي حزب وكتلة وكيان وتيار وحركة حتى بلغت أعدادها أكثر من ( 165 ) حزباً وكياناً وحركة في السنين الأولى من الأحتلال ومازالت حركة التشظّي مستمرة إلى هذا الوقت ، والذي بسببه تعددت الولاءات ، وتعددت الأنتماءات ، وتشتت العراقيون ، وصار أمر الفرز عندهم صعباً بين تلك الجهات والأحزاب ، وبات العراقيون لايعرفون منها الغث من السمين خاصة بعد أن لعب الجميع وبنصيحة المحتل على وتر المرجعيات الدينية ومباركاتها لتينك الكتلة ولذلك الحزب حتى صار العراقيون شذراً مذراً ، ولاتقوم لهم قائمة بعد ذلك ، ولن تقوم لهم قائمة في القريب العاجل بسبب غباء البعض من الساسة الجدد ، وعمالة الآخرين منهم ، والذين لهم حساباتهم الخاصة والمنتفعين من عمليات تشتيت وتفريق المكوّن العراقي لينفذوا إلى مفاصل مهمة في الدولة مستفيدين من الأنحلال والتفكك والتعدد الحزبي والمذهبي ، واللعب على أوتار الطائفية والمناطقية والجهوية .
وهنا تحديداً ضاع على العراقيين الطريق في الأهتداء إلى القيادة العراقية الوطنية والمخلصة التي ستخرجهم من عنق الزجاجة خاصة بعد أن إختلطت الأوراق وتداخلت الحسابات وصار لكل جهة أوفئة أوراقاً ووثائق فساد وإرهاب وجريمة منظمة وملفات تحتفظ بها مستخدمة إيّاها سلاحاً عند الحاجة بنصيحة من المحتل من خلال إبرازها كورقة ضغط ، وتهديد وتلويح بأحالتها إلى الأجهزة القضائية المسيّسة أصلاً والداخلة في مفاصل الجهوية إلى الركب لينقطع دابر أي بادرة جديدة في صعود سياسي جديد ربّما يأخذ العراقيين بيده إلى شاطيء الأمان أو على الأقل إلى مكان يتنفّسوا فيه الصعداء ، ومن ثم يمكنهم تجفيف ملابسهم التي غرقت في مستنقع الأرهاب والطائفية والجريمة المنظمة التي تقودها جهات سياسية وحزبية داخلة في العملية السياسية ، وحتى من داخل قبة البرلمان العراقي نفسه في سابقة لم يشهد لها التاريخ في أعماقه السحيقة مثيلاً على وجه الأرض ، وعلى هذا الأساس ستدوم إزمة القيادة طويلاً لحسابات جهوية معروفة ، ولن يرى العراقيون بصيص أمل في التغيير في القريب العاجل .
وأما في موضوعة قيادة الأزمة فذاك أمر غريب يستحق وقفات طويلة وليست واحدة لأنه شائك وعصي وطويل ، فكيف وهذا الخضم الكبير والمخاض العسير الذي يمر به العراقيون في أن يتجاوزوا محنهم وبلاءاتهم التي إبتلوا بها بعد دخول المحتل ، وتمزيق نسيج مكونات المجتمع العراقي ، وتشتيت ولاءاته وإنتماءاته ، فكيف لهم أن يديروا إزمتهم بأقل خسارة ممكنة ، وبأيسر الحلول والقبول بها حتى لو أنّها توميء ببصيص أمل ولو ضعيف ، وعدم الركون والأستكانة إلى اليأس ، ومذابح الأمة تجري على قدم وساق في مجازر ومسالخ دموية مريبة وبمشاهد يومية وصلت حدوداً ومعاني لم يعرف لها سابقة في المعمورة قبلاً حتى أنّها أذهلت العقول وحيّرت النفوس ووصل الأمر إلى تفجير عشر سيارات مفخخة داخل العاصمة بغداد في يوم واحد والتي تكاد تكون كل يوم ، ولم يمر يوماً واحداً دون أن يكون هناك تفجير لأعداد من المفخخات وقتل ودمار ، والمذهل أن الحكومة العراقية ماضية في سياساتها نفسها دون أي بادرة لحلول وكأن شيئاً لم يكن ، والساسة الآخرون يتفرّجون على المشهد الدموي مكتفين بالشجب والأستنكار ، والمرجعيات الدينية تكرر عدم رضاها عن الأداء الحكومي كل يوم جمعة حتى صار كأنه نشيد الأطفال في المدارس عند الأصطفاف الصباحي لكل يوم ، وأما البرلمانيون العراقيون والذين يفترضون أنهم ممثلي الشعب يقفون وبكل صلافة ووقاحة يرقصون على دماء الشعب المذبوح ، وربّما يحيلنا الأمر في آخره إلى اللجوء للمحتل ثانية ، والأستجداء من العم سام ، والأستنجاد به لقيادة الأزمة وإيجاد حلاً لها ومخرجاً ، وعود على المحتل أحمد ، وقيل في الأمثال العراقية الشعبية قديماً : ( ودّع البزّون شحمة ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلياس حنا: عملية النصيرات دليل على أن إسرائيل تبحث عن أي نجا


.. الطيران الحربي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على ساحل غزة




.. لحظة توديع أب فلسطيني لطفله بعد استشهاده بقصف للاحتلال الإسر


.. طائرة روسية مسيرة تهاجم قوات أوكرانية وتعطل تقدمها




.. أخبار الصباح | بايدن: الحرب العالمية الثالثة بدأت على التلفز